"فورين بوليسي": دلالات سياسية وراء اختيار السفير السابق ويليام بيرنز لرئاسة "CIA"

بعد اختيار مدير المخابرات الأمريكية.. بايدن يرجح كفة الدبلوماسية في حل الإشكاليات

◄ اختيارات بايدن في فريق الأمن القومي تعكس رغبته في تطهير المؤسسات الاستخباراتية من "السموم"

ترجمة - الرؤية

اعتبرَ تقريرٌ لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أنَّ اختيار الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن للدبلوماسي المخضرم والسفير السابق ويليام بيرنز لمنصب مدير وكالة المخابرات المركزية "CIA"، يحمل الكثير من الدلالات بأن الرئيس الديمقراطي يسعى لترجيح كفة الدبلوماسية في حل إشكاليات الأمن القومي، وتعزيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

CIA.jpg
 

وبيرنز، أول موظف من السلك الدبلوماسي يُرشح لإدارة وكالة المخابرات المركزية في تاريخ الوكالة الممتد لـ73 عامًا، فغالبا ما جاء المديرون السابقون من القوات المسلحة أو الكونجرس أو من مواقع قيادية داخل الوكالة الاستخباراتية أو حتى من طبقة السياسيين. ودائما ما كان الدبلوماسيون محل استبعاد لهكذا منصب، وذلك نظرًا لطبيعة عمل الوكالة المرتكز على العمليات السرية، على عكس الدبلوماسية التي تعمل في العلن. وجاء اختيار بيرنز لكونه من بين أفضل الدبلوماسيين بين أبناء جيله، وشغل مناصب حكومية عدة، كسفير وعضو في مجلس الأمن القومي على مدار 33 عامًا، الأمر الذي يعكس بالتأكيد التزام الرئيس بايدن بالدبلوماسية الجادة. ولم يتعرض الدبلوماسيون الأمريكيون لسوء المعاملة أو الإساءة أو التجاهل منذ عهد جوزيف مكارثي، كما حدث خلال حكم الرئيس السابق دونالد ترامب. لكن اختيار بيرنز يعكس دلالات أعمق من ذلك.

ومن المتوقع أن يعمل بيرنز بكفاءة مع وزير الخارجية الجديد ومستشار الأمن القومي أيضا، في مرحلة تشهد تنشيط الدبلوماسية كأداة حاسمة لتطبيق السياسات. وفي عهد بيرنز، يمكن توقع أن يكرس مجتمع الاستخبارات مزيدًا من الاهتمام لمهمته المتمثلة في "الاستخبارات لخدمة الدبلوماسية"، والتي ستساعد الدبلوماسيين الأمريكيين على التعامل مع المشكلات قبل أن تتحول إلى أزمات ومساعدتهم على إدارة الأزمات التي تنشأ بالفعل.

فمثلا، في المفاوضات النووية عام 1994 مع كوريا الشمالية، اعتمد محلل استخبارات أمريكي رفيع المستوى على عقود من دراسة النظام الكوري الشمالي الغامض لتقديم مشورة ثمينة في الوقت الحقيقي للمفاوضين الأمريكيين. ويرى تقرير مجلة "فورين بوليسي" أن فهم ما يفكر فيه قادة -مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وآية الله علي خامنئي- وما يوجهونه من قيود سياسية، لا يقل أهمية بالنسبة لصانعي السياسة في الولايات المتحدة، عن توقع عدوان روسي أو صواريخ إيرانية.

ويؤكد التقرير أنَّ الولايات بإمكانها تحقيق مكاسب هائلة إذا ما كرست المزيد من الجهود الاستخباراتية لمحاولة الإجابة عن الأسئلة الدبلوماسية مثل: ما مدى استقرار نظام الخصم؟ وما أفضل السبل للتأثير؟ وما الاحتمالات المتاحة أمام المسار الدبلوماسي في التعامل مع صراع طويل الأمد؟ وما الذي تحتاج أمريكا لمعرفته بشأن تغير المناخ، أو توافر المياه، أو الأمن الغذائي؟

ويتفهم بيرنز بفضل خبرته الواسعة، ما يحتاج صانعو السياسات إلى معرفته، لمساعدتهم على اتخاذ قرارات ذكية في السياسة الخارجية.

ويُظهر اختيار بيرنز -وفريق بايدن للأمن القومي بأكمله بشكل عام- مدى تقدير الرئيس الأمريكي للخبرات الوطنية الأمريكية. وتشير اختياراته إلى عودة نخبة ملتزمة من الموظفين العموميين الموهوبين غير الأنانيين، الذين يؤمنون بالمصلحة الوطنية العليا بعيدا عن تجاذبات السياسات الداخلية أو الغرور أو المصالح الشخصية أو الآراء الحزبية. وعمل بيرنز في ظل إدارات جمهورية وديمقراطية على السواء. وقد نال إعجاب جيمس بيكر (كبير موظفي البيت الأبيض خلال حكم الرئيس الجمهوري رونالد ريجان ووزير خارجية خلال حكم جورج بوش الأب) بقدر إعجاب هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية السابقة للرئاسة ووزيرة الخارجية الأسبق. وهذا السجل من الشراكة بين الحزبين جزء أصيل من "الحمض النووي السياسي" لكل من بايدن وبيرنز.

وترى "فورين بوليسي" أن تعيين بيرنز -وتعيين أفريل هينز كمدير للاستخبارات الوطنية "NSA"- يعكس أيضًا تصميم بايدن على تطهير مجتمع الاستخبارات الذي تعرض لأضرار بالغة خلال حكم ترامب، ومن ثم التأكد من أن قيادات مهنية تتولى زمام الأمور في هذه الأجهزة. وبرز هذا الموضوع بشكل واضح في إعلان ترشيح بايدن لأفريل هينز عندما قال: "إنه يشاركني إيماني العميق بأن الذكاء يجب أن يكون غير سياسي".

وبينما يتدافع المراقبون للتعليق على ما يعنيه تعيين بيرنز في ذلك المنصب أو غيره، فإن الأمر الأكثر تأكيدًا هو أن بيرنز لن ينتقي معلومات استخباراتية دون أخرى لدعم سياسة ما، بل ستكون تقييمات وكالة المخابرات المركزية غير مقيدة بمثل هذه التوجهات.

وتختتم مجلة "فورين بوليسي" التقرير بالقول إنَّ فريق الأمن القومي لبايدن يضم جميع اللاعبين الأساسيين الذين يحتاج إليهم، وهم أصحاب خبرات كبيرة تمرسوا في مختلف المناصب يتحلون بالعقلانية والاعتدال في تقديم المعلومات الاستخباراتية الصادقة.

تعليق عبر الفيس بوك