العيون الثلاثة

 

د. علي زين العابدين الحسيني

باحث وكاتب

 

ثلاثة أنواع من النَّاس تختلف تصرفاتهم وتتباين أفعالهم نظراً لاختلاف عيونهم؛ حيث ينطلقون لتقييم الأشياء أو الحكم على الآخرين بناءً على رؤية عيونهم، وهذه العيون الثلاثة هي: العين الراضية، والعين الساخطة، والعين المُنصفة.

تقدر العين الراضية جهود الآخرين مهما كانت، وتنظر دائماً للأخطاء على أنّها شيء واقعي حاصل من الجميع، فتتغافل لذلك عن الهنّات، وتتجاهل الزلات، وتحاول تصحيح الخطأ دون التركيز على صاحبه؛ لأنَّ أقصى اهتماماتها تصحيح الخطأ، ولا ترى الأعمال الصغيرة إلا سبيلًا للوصول إلى الأعمال العظيمة، فكلّ عمل عظيم في حقيقته مكون من عدة جهود انفرداية مُجتمعة.

وأما العين الساخطة فهي أخطر ما تكون على المجتمع؛ لأنها عين لا يعجبها شيء، حيث ترى كلّ حسن قبيحاً، وتنظر إلى كل من حولها من الأشخاص -مهما كان لهم من أعمال- على أنّهم مُقصرون يجب أن يوجه اللوم إليهم، ولذا هي عينٌ تكثر العتاب، وتكرر الشكوى من غيرها، وإذا ما وجدت أعمال ناجحة فإنِّها تحاول تهميشها حتى لو اضطرت للحديث عنها فهو حديثٌ عابر.

تَعْرض العين الساخطة صور أخطاء الآخرين بجميع تفاصيلها، وتوجه لهم جميع الانتقادات بدقةٍ عالية ناصعة الألوان، لكنّها في نفس الوقت تُعرض دائماً عن صور نجاحهم، وما من شخص في أيِّ حقل من الحقول إلا وله جهود، فإن اضطرت هذه العين لذكرها ذكرتها مشوشة، أو كصورٍ عادية ليست لها أي قيمة.

تكمن مشكلة هذه الرؤية أيضاً في التعصب البغيض أو التحامل الشديد، ولا شك أنّ المسافة بين تبيين أخطاء الآخرين وإظهار عوارهم، وبين تقديم العون ومساعدتهم في تجاوز أخطائهم عميقةٌ وكبيرة جداً، وبها يظهر الفرق بين العين الساخطة أو الراضية.

والعين الثالثة هي عين منصفة ترى الحَسَن حَسَناً، والقبيح قبيحاً، بغض النظر عن الشخص نفسه، فتُظهر جهود الآخرين، وتُقرّ بآثار العاملين مهما كان انتماؤهم، وأما المبتعدون عن الإنصاف فغالبهم يشيدون بحسناتهم وحسنات القريبين منهم التي ليس معها سيئات، بينما يُسمِّعون بسيئات خصومهم التي ليس معها حسنات، وربما يزداد الأمر سوءاً فيسرعون إلى ذم خصومهم بما لم يقترفوا عادة.

لا بأس للشخص أن يُبين مزايا عمله غير متزيد، ويظهر مواضع الإعجاب فيها غير معتد، وللمنصف أن يشيد بأعماله دون تضليل، لكنّه يجب عليه في نفس الوقت ألا يضيع قيمة غيره، أو يبخس أعمال غيره، أو يكتمها، فأسوأ ما يكون على المرء أن يكون كاذباً مخادعاً باغياً معتدياً، كاذباً في مدحه، مخادعاً للحقيقة، باغياً في قوله، معتدياً على خصمه.

تُحقق العين المنصفة السلام النفسي مع الجميع؛ لأنّها تعرف لكلّ ذي حقٍ حقه، وتُغلب في جميع مُعاملاتها المصلحة العامة دون الشخصية، ومعها وبها تهدأ النفوس، ويُقضى على المطامع، ويَقنع كلّ شخص بما في يده عمَّا في يد غيره.

تعليق عبر الفيس بوك