الذكرى الأولى

د. خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

تمرُّ الذكرى الأولى على رحيل أبي الغالي ووالد كل العمانيين، المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه. ذكرى صعبة ومؤلمة ومحزنة، فرحيلك يا مولاي جاء في الشتاء البارد لتبرد قلوبنا على فراقك، ولكن ما حدث هو احتراق القلوب التي أحبتك بصدق وعشقتك كأب قبل أن تكون قائدا، فراقك الذي أشعل فينا نار الفقد والفراق والغربة، الغربة الأليمة التي أشعرتنا أننا فقدنا وطنا بأكمله وليس رجلا واحدا؛ فقد كنت رجلا في أمة، وأمة في رجل، ما زلنا نذرف الدمع على فراقك أيها العزيز على قلوبنا.

جميع الأماكن تشتاق لك وتبكيك، بعد أن كُنت فارسها الذي لا يُشق له غبار، جميع القلوب تتوق لرؤيتك وسماع صوتك والتمتع بحديثك في هذه الخطابات الأبوية والتنويرية والراسمة لحياتنا وسياساتنا، حياتنا بعدك أصبحت أكوامًا من الهموم والأحزان والوجع، نحاول استحضار وجودك في كل موقع حضرت فيه وكانت لك فيه بصمة، المساجد والجولات وسباق الخيل وصلاة العيد والأوبرا وغيرها، حضورك يا سيدي ليس له مثيل، ووجودك في قلوبنا ثابت كثبات جبل سمحان، لم نذرف دمعا كالذي ذرفنا، ولا نزال نذرف الدمع، فبعدك يا مولاي لم تصبح عُمان كما كُنت فيها، عمان أيامها ثقيلة من بعدك يا أعز الرجال وأنقاهم، أجواؤها حارة وملتهبة رغم الشتاء البارد، مدنها وولاياتها وحاراتها تائهة وليس لها عنوان بعد أن فقدت عنوانها، فوجع رحيلك ثقيل ومؤلم ومؤثر في كل تفاصيل حياتنا، فأنت كنت التفاصيل التي نعشق، والفرحة التي تسعد أرواحنا.. لماذا رحلت وتركتنا كالغرباء؟ نحن أيتام من بعدك أيها العزيز والغالي على قلوبنا.

رحيلك لم يكن كرحيل أي رجل في عمان، فقد كنت الرحمة المهداة والقلب الحنون والأب الرؤوف والراشد والناصح والملهم والموجه وقائد السفينة الأمين، نقلوا عنك بعد رحيلك بأنك كنت تقول "الرحمة فوق القانون"، ونقلوا عنك أنك تقول "الشعب أبنائي"، وها هم أبناؤك يحنون شوقا لك..

مكانك يا مولاي في قلوبنا ولن يفارقنا، رحلت كجسد ولكن روحك حاضرة في قلب كل عماني أصيل، روحك تشع نورا في كل مكان وزاوية من زوايا بلادنا الطيبة، سائرون على نهجك الكريم في الحفاظ على ما قدمت من حب لعمان، ولهذا الكيان الذي كان قمة اهتمامك، وسنظل نحبك؛ فمعك عرفنا أننا أبناء عمان وأبناؤك، وأننا مواطنون نستحق أن نرفع رأسنا لأنَّ رحمتك جعلت القانون رفيقا بنا؛ إنك لا تفارق قلوبنا وموجود في كل ذرة من تراب هذا الوطن، نَم قرير العين، ودعاء كل عُمان مُوحَّد لك بالمغفرة والرحمة من رب السموات والأرض، اللهم أبدله درا خيرا من داره واجعل الفردوس الأعلى مقامه ومنزله وأجمعه بالأنبياء والصديقين والشهداء.. دمت في جنة الخلد ودامت عُمان بخير.