الحاجة لتأسيس جهاز للحوكمة والاستدامة

حامد بن سلطان البوسعيدي

الحوكمة ليست مجرد مفهوم أو ثقافة أو منهاج نكتفي بمعرفته وإنما هي أبعد من ذلك فهي عبارة عن قواعد وأحكام وسياسات جيِّدة وقيم عالية مؤطرة بتشريعات وقوانين. إنها أداة فاعلة للالتزام والرقابة والتقييم والمساءلة والمحاسبة، وهي تحد من المخاطر وتضارب المصالح وتضيق الخناق على الفساد كما أنها تغرس في المسؤولين وصناع القرار القائمين على إدارة المؤسسات قيم تفضيل المصلحة العامة على الخاصة.

ولها فوائد عديدة لا داعي لذكرها فالكل أصبح يدركها الآن ولكن من أجل تحقيق هذه الفوائد فلابد من ترسيخ الحوكمة في بيئة العمل والالتزام بتطبيقها التطبيق الأمثل وقد تضمنت برامج ومشاريع الخطة الخمسية العاشرة 2021 -2025 التي تعتبر الأولى في تنفيذ رؤية عمان 2040 برامج عديدة في الحوكمة والاستدامة شملت كافة القطاعات.

إنَّ جميع وحدات الجهاز الإداري للدولة مطالبة بتقديم خطط عملها لعام 2021 ومن الأهمية أن تكون ممارسات الحوكمة ضمن خططها ومن أجل ذلك فهي بحاجة ماسة لمن يساندها لذا فإنِّه أصبح الأمر ملحاً في وجود كيان متخصص يُساند القطاع العام والخاص في وضع أنظمة الحوكمة لديها.

والكيان المقصود هو تأسيس جهاز حكومي ممكن وذي مستوى إداري رفيع يتبع مجلس الوزراء ليكون الجهة المرجعية والمعنية في كل ما يتعلق بالحوكمة وأن يتولى الإشراف على الجهات المعنية في تنفيذ البرامج والمشاريع ذات الصلة من أجل نجاح رؤية عمان 2040 على أن يتمتع بالاستقلالية التامة وباختصاصات وصلاحيات واسعة كالتقييم والتصنيف والمساءلة والمحاسبة، وعلى الرغم من وجود مركز عُمان للحوكمة والاستدامة إلا أنَّ صلاحياته واختصاصاته كما جاء في نظامه الأساسي الصادر بالمرسوم السلطاني 30/2015 تعتبر محدودة جدًا لا تتعدى الشركات إلا أنه يمكن أن يكون نواة لتأسيس الجهاز.

والاستدامة بمفهومها العالمي الحديث الذي يشمل البيئة والاقتصاد والمجتمع ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحوكمة فهما وجهان لعملة واحدة وبالتالي فإنِّه سيكون من الأنسب أن يتولى الجهاز كذلك كل ما يتعلق بالاستدامة من أجل التنسيق وتوحيد الجهود.

وسيتولى الجهاز تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي انضمت إليها السلطنة كسائر دول العالم وذلك بموجب المرسوم السلطاني رقم 64/ 2013 وبالاطلاع على ما جاء في المادة رقم (5) من ذات الاتفاقية والمتعلقة بسياسات وممارسات مكافحة الفساد الوقائية، فإنِّه يتَّضح أن هذه المُمارسات مشابهة وتتسق مع سياسات وممارسات الحوكمة الجيدة بل هي جزء أصيل من الحوكمة.

وفيما يتعلق بالاستدامة فقد اعتمدت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015م أهداف التنمية المستدامة والتي تتكون من 17 هدفًا على أن يتم تنفيذها بحلول عام 2030م، وجاءت هذه الأهداف متكاملة بحيث إن التنمية يجب أن توازن بين الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وقد أكدت هذه الأهداف ضرورة تمكين مبادئ الحوكمة كمنهاج قويم لتحققها ومن ضمنها الهدف رقم (10) المُتعلق بالحد من أوجه عدم المساواة والهدف رقم (16) الذي ينص على "التشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة لا يهمش فيها أحد من أجل تحقيق التنمية المستدامة وإتاحة إمكانية وصول الجميع إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعَّالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع على جميع المستويات".

وتؤكد تجارب بعض الدول التي وصلت إلى مستويات متقدمة من التنمية والتقدم والازدهار أنَّ تطبيقها للحوكمة الجيدة ضمن رؤيتها وخططها من خلال أجهزة متخصصة في الحوكمة أنشأتها قد ساهم بشكل أساسي في تحقيق أهدافها واستراتيجياتها مما كان له أثر إيجابي في تقدمها وتصنيفها ضمن الدول المتقدمة.

ويمثل محور الحوكمة والأداء المؤسسي في رؤية عمان جوهر الرؤية المستقبلية ويسعى إلى تعزيز فعالية الحوكمة وسيادة القانون، ورفع كفاءة الأجهزة الحكومية ورفع درجة التنسيق بينها وتعزيز ثقة المواطن وذلك من خلال إطار مؤسسي يعمل على تفعيل القوانين والممارسات التي تحدد الصلات والتفاعلات بين ذوي العلاقة وتساعد في إيجاد نظام مساءلة فاعل وشفاف وكذلك تحديد أولويات القضايا والتوزيع الأمثل والعادل للموارد وقد جاء جلياً في وثيقة لجنة الحوكمة والأداء المؤسسي في رؤية عُمان 2040 بضرورة تأسيس جهاز حوكمة مستقل يعنى بدعم كفاءة القطاع الحكومي وفعاليته وتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص.

وأوضحت وثيقة رؤية عُمان تدني مستوى السلطنة في مؤشرات عديدة كمؤشر الحوكمة العالمي ومُؤشر التعبير والمساءلة ومؤشر الفساد ومؤشر سيادة القانون ومؤشر الأداء الحكومي وأن الحل في تحسين وضع السلطنة يكمن في تطبيقها للحوكمة الجيدة ولن يتأتى ذلك إلا من خلال نظام جيد لحوكمة كافة القطاعات في السلطنة.  

إنَّ الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المتمثلة في إعادة تنظيم الهيكل الإداري للدولة وإعادة هيكلة الشركات الحكومية يعتبر في مسار مبادئ الحوكمة الشاملة وهو فصل الاختصاصات وتنظيم الصلاحيات والمسؤوليات إلا أنه تبقى هناك مبادئ عديدة يجب على وحدات الجهاز الإداري للدولة والشركات تبنيها والالتزام بها.

وتأسيس جهاز للحوكمة والاستدامة في السلطنة من شأنه أن يحقق عدداً من الأهداف على سبيل المثال لا الحصر:

  1. المساهمة في تعزيز الاقتصاد الوطني
  2. جهة مرجعية واحدة من أجل تكامل سياسات وأنظمة الحوكمة وتوافقها بين جميع القطاعات في السلطنة.
  3. مرجعية واحدة معنية بتحقيق السلطنة لأهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030
  4. الجهة المعنية بتفعيل دور السلطنة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد دون الحاجة إلى إنشاء هيئة لمكافحة الفساد حسبما جاء في بنود الاتفاقية وبالتالي نقل الاختصاصات من جهاز الرقابة المالية والإدارية الذي يتولى حالياً مهام هيئة مكافحة الفساد.
  5. دعم ومساندة جميع وحدات الجهاز الإداري للدولة في وضع أنظمة الحوكمة لديها والإشراف على متابعة تطبيقها والالتزام بها وكذلك تقييم هذه الجهات وتصنيفها من أجل رفع كفاءتها وتجويد خدماتها بحيث تتصف بالإنتاجية والتميز مما سيُعزز من شراكة فاعلة مع القطاع الخاص.
  6. دعم ومساندة كافة أنواع الشركات ومؤسسات المجتمع المدني
  7. سيوفر المال والجهد والاستغلال الأمثل للموارد البشرية المتخصصة .
  8. سيكون الجهة المعنية بوضع المؤشرات المحلية ومتابعة مكانة السلطنة في المؤشرات الدولية ذات العلاقة
  9. إعداد الدراسات والبحوث وتطوير أنظمة الحوكمة بما يُواكب التطور في بيئة العمل والممارسات الدولية وتأسيس قاعدة بيانات بمجالس الإدارات وبالقيادات لإدارة كافة الشركات بما فيهم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
  10. المعني بتدريب وتأهيل الأفراد ووضع معايير شفافة ونزيهة لاختيار القيادات في الجهاز الإداري للدولة ومجالس إدارات الشركات.

وفي الأخير.. إنَّ نجاح رؤية عُمان وتصنيفها ضمن الدول المتقدمة بحلول عام 2040 يعتمد بشكل أساسي على مدى تبني السلطنة لمُمارسات الحوكمة الجيدة والتي هي حجر الزاوية في الرؤية التي تعتمد عليها بقية أركان الرؤية في نجاحها.

تعليق عبر الفيس بوك