رواية 2020

 

فاطمة الحارثية

 

يُحكى أنَّ يناير 2020 فطر قلوبنا برحيل أعزَّ الرجال وأنقاهم، رحمة الله عليه وسلام عليه حين يُبعث حيًّا، ليأتي فبراير بهواجس وباء حلَّ على العالم ثقيلاً قاتلاً، ليُعيد مارس أجندة حياتنا، ويرسم أبريل لنا عادات جديدة، لتصبح أعيادنا في مايو حجراً ووحدة، ولم يكن يونيو أقل وطأة من يوليو، لنرتطم بالوباء الذي أنهكنا وأفقدنا أحبابنا وأهلنا وأعزاءنا حتى يومنا هذا، ومرَّت الأشهر ثقالاً والأيام مزينة بالأمل حتى انقضى العام ونحنُ في يقين أن كل شيء سيمر ويكون بخير.

لن أضع لعام 2021م أجندة مثلما أفعل عند مطلع كل عام، فلقد اعتدت أن أضع أهدافاً شخصية واجتماعية وأعمل على تحقيقها خلال الأعوام الماضية، لكن هذا العام سيكون مختلفاً، لأنني قررت أن أخوض العام الجديد بين طيات الآخرين، أن يكون عاماً أعطي فيه بدون أجندة مسبقة تخدمني، أساهم فيه لتحقيق أهداف أحبتي ومن يُهمني أمرهم أن أكون جزءًا من حياتهم، سأكون فيه شاهدًا حرًا، باحثة عن سواي لأدخل البهجة إلى ذواتهم، أحقق مبادئ قد تعلمتها ومارستها طويلاً.

 

مبدأ الإيجابية..

حذَّرت منظمة الصحة العالمية من أن الأسواء قادم، وأدلى المتأبطون شُؤما بتصاريح لا تخدم إلا شهرتهم وترفع من عدد المتابعين، دون اكتراث بالأمل أو برحمة الله التي وسعت كل شيء، ليشكل مبدأ الإيجابية تحدياً أثخنه حزن وآلام 2020م، إلا المؤمن المُسلم تسليماً تاماً لحكمة الله وقضائه، فهو يعلم يقيناً إنما الحياة الدنيا فتنة "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ" فكن أنت ممن قال الله العزيز في عُلاه فيهم "وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".

 

مبدأ الحياة..

تذكر أنَّ الحياة مستمرة بحزنك أو بفرحك، فهي لا تنتظر أحدًا ولا تُمهل أحلامنا فرصة ثانية، فأستيقظ من حجر 2020م وفوضى العادات التي ألمَّت بنا جميعاً، نعم، لقد تغيرت عادتنا ونحن لا نملك حكماً في ذلك، فسلطة البقاء أقوى، فمنِّا من فقد عمل اعتاد عليه وآخر فقد عزيزًا توكأ عليه وآخر فقد صديقا وثق به، أياً ما فقدته فأنت لست الوحيد المتألم أو الفاقد ولكن كن مع قافلة العمل والجد واستمر في رسالتك وأعمل على تحقيق أهداف وجودك وسعادتك.

مبدأ البساطة..

تعلمت الكثير منذ ولدت، وسكنت تجارب عديدة وألهمتني حيوات الآخرين وكتب البعض الآخر، رسمت بعض تلك التجارب تضاريس في نفسي، وحفرت أخرى نُدباً على جسدي، لأدرك أن مبدأ البساطة جزء هام لتحقيق النقاء والجمال، قد يراني البعض مغرورة والكِبر هالتي، لكن من يكترث لمُطلقي الأحكام، وخاصة من هم مثلي منهمكين للاستزادة من علوم الحياة وفكرها ما وسعت والإبحار فيها ما اتسعت، فلا يُمكن أن نبلغ قمماً في حياة ساكنة رتيبة فارغة أزقتها إلا من حقد وحسد وقيل وقال، ولا أن نستمر في عُقد النَّاس إلا إن تدثرنا بالبساطة في كل شؤوننا وقراراتنا ومارسنا مبادئ التبسيط ما استطعنا.

 

مبدأ السلام..

قال لي قائدٌ حكيمٌ: فاطمة، نحن لسنا هنا من أجل أن نُرضي أهواء أحد، بل من أجل أن نتجرأ على الحياة ونعيشها كما يجب وليس كما نريد. قوله أخذني إلى منحنى آخر فليس من اليسير الاشتغال على فهم الحياة، فهي بين ظلمة الليل وظلمات النهار، لذلك بعد نصحه نفضت عن كاهلي تعاقب الجري والسعي لفهم كل شيء والبحث عن الإجابات والأسباب، واشتغلت على سلامي الداخلي، فلا مذاق أجمل من السلام ولا شعور أسمى من ولادته فينا وتمكنه من الروح.   

 

سُّمو...

إن أردت العيش فأمسك بلجام فرسك وأمضي، وتذكر أنَّ الخيل لا يحمل إلا مرافقاً واحداً معك فقط، فأحسن انتقاء رفيقك.