جابر حسين العماني
Jaber.alomani14@gmail.com
عندما خلق الله الإنسانَ جعله اجتماعيًّا في حياته الأسرية والاجتماعية؛ فهو يطمح دائما للتواصل المباشر مع أبناء مجتمعه، يُجالسهم يُحدثهم يُفاكههم يُشاركهم أفراحهم وأحزانهم؛ فكان من أهم أولوياته تهيئة المجالس والنوادي والملتقيات التي يلتقِي فيها بإخوانه وأصدقائه وأصحابه وأقاربه؛ فمن أبرز القضايا الاجتماعية التي لابد من التطرُّق إليها والاهتمام بها اهتماما بالغا من قبل المربين والمصلحين في المجتمع العربي والإسلامي هي أهمية مجالس الشباب، المجالس التي يتردَّد عليها الكثير من شباب هذه الأمة بهدف اللقاء والتعارف والصداقة: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
لقد حثَّ الإسلام كثيرا على أهمية لقاء الإنسان بأخيه الإنسان الآخر، وحث على صناعة مجالس اللقاء والتعارف التي تكون حاضنة للجميع؛ فقد روي عن أمير المؤمنين وسيد المتقين الإمام علي بن أبي طالب قال: "لِقَاءُ الإخْوَانِ مَغْنَمٌ جَسِيمٌ وَإِنْ قَلُّوا".
فمن الطبيعي أن هذه المجالس لها دور فاعل ورئيسي في عالم المجتمع سواء كان على الصعيد الاجتماعي أو التربوي، ذلك أن الإسلام لا يريد من الشباب أن يعيشوا الوحدة والانعزال بين الجدران، بل يريد منهم كسر حواجز العزلة ومخالطة الناس والاستفادة من الكثير من التجارب والخبرات، وهذا ما لا يستطيع الإنسان الحصول عليه إلا إذا كسر العزلة، وحضر مجالس الأخيار، وشاركهم الرأي والحديث، ولم يستبد برأيه وحديثه، روي عن الإمام علي قال: "مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ ومَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا".
إنَّ مجالس الشباب هي سلاح ذو حدين، فإما أن تكون إيجابية يستفيد منها الشباب، وإما أن تكون سلبية فيخسر الشباب فيها مبادئهم وقيمهم الدينية والأخلاقية، فيدمرون بها حياتهم ومستقبلهم بأيديهم، فيا ترى ما هي المجالس التي ينبغي على الشباب حضورها والتردد عليها باستمرار؟
إنَّ المجالس التي ينبغي على الشباب الاهتمام بحضورها، وتعدُّ مصدرَ خير وبركة وأنس لهم هي تلك المجالس التي تعرض لها القرآن الكريم والنبي المصطفى وأهل بيته الأطهار؛ لذا سنتعرض هنا إلى ذكر شيء منها على نحو الاختصار:
- مجالس العلم والعلماء:
فهي من أهم المجالس المحبوبة والمسلية والمفيدة التي تبعد الملل والكلل، بل وتسعى لزيادة رصيد الإنسان الثقافي والمعرفي، فالعلماء هم ورثة الأنبياء والمنارات الشامخة التي يُهتدى بها في عالم الحياة، قال لقمان لابنه: "جَالِسِ اَلْعُلَمَاءَ أَوْ زَاحِمْهُمْ بِرُكْبَتَيْكَ فَإِنَّ اَللَّهَ يُحْيِي اَلْقُلُوبَ بِنُورِ اَلْحِكْمَةِ كَمَا يُحْيِي اَلْأَرْضَ بِوَابِلِ اَلسَّمَاءِ".
إنَّ الجلوس في مجالس العلم والعلماء يعد سببا رئيسيا من أسباب تطور الفكر البشري؛ فحضور مجالس العلم والعلماء هي أفضل من يزرع القيم والمبادئ لدى الشباب، وتوجههم التوجيه السليم لبناء شخصياتهم ومجتمعاتهم القوية القادرة على تحمل المسؤولية وبناء المجتمع بناء سليما صالحا بعيدا عن التخلف الفكري.
- مجالس بيوت الله (المساجد):
فهي من أهم الأمكنة التي تساعد الإنسان لجني الكثير من الفوائد في عالم الحياة العلمية والعملية، وهذا ما نستفيده مما ورد عن خليفة المسلمين الإمام علي بن أبي طالب؛ حيث قال: "مَنِ اخْتَلَفَ إِلَى الْمَسَاجِدِ أَصَابَ إِحْدَى الثَّمَانِ: أَخاً مُسْتَفَاداً فِي اللَّهِ، أَوْ عِلْماً مُسْتَظْرَفاً، أَوْ آيَةً مُحْكَمَةً، أَوْ رَحْمَةً مُنْتَظَرَةً، أَوْ كَلِمَةً تَرُدُّهُ عَنْ رَدًى، أَوْ يَسْمَعُ كَلِمَةً تَدُلُّهُ عَلَى هُدًى، أَوْ يَتْرُكُ ذَنْباً خَشْيَةً أَوْ حَيَاءً"، فالمسجد يعد في حد ذاته مدرسة تربوية متكاملة قادرة على نقل الإنسان من ظلمات الجهل إلى نور العلم والفهم.
- مجالس الأنشطة الاجتماعية والعمل الثقافي:
لكلِّ مجتمع أنشطته الثقافية والاجتماعية كإقامة الندوات الفكرية والاقتصادية والترفيهية والرياضية، أو إحياء حفلات الزواج أو المشاركة الفاعلة في تأدية واجب العزاء، وغيرها من البرامج الاجتماعية المختلفة التي تتضمن الكثير من التواصل بين أفراد المجتمع الواحد، فهي برامج محبوبة يجب على الشباب مزاولتها وزيارتها باستمرار، والتفاعل معها اجتماعيا فهي تساعد على بناء الشخصية الاجتماعية القوية والمتميزة التي يعتمد عليها المجتمع، ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال: "إِنَّ هذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الاَبْدَانُ، فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ"، وتلك الطرائف المقصودة لابد من البحث عنها في مجالس الأنشطة الاجتماعية والعمل الثقافي والمشاركة الفاعلة فيها.
وكما أنَّ هناك مجالس ورد التأكيد على مزاولتها وحضورها والاستفادة منها من قبل أبناء المجتمع كذلك هناك مجالس ينبغي تجنبها والابتعاد عنها، وهي مجالس اللمز، والهمز، والتنابز، والغيبة، والنميمة، والطعن، والجدال، والقذف، والسب، والشتم، والكذب، والاشاعة...وغيرها.
فهي لا تعود على الإنسان إلا بالخيبة والذل والرذيلة وضعف الشخصية الاجتماعية والأسرية، فهي مجالس يمقتها الاسلام ويؤكد على حرمتها، ويدعو الجميع لمحاربتها ومقاطعتها، وفي حال تواجد الإنسان فيها فعليه السعي الجاد على تغييرها وتحويلها من مجالس غضب الله إلى مجالس رضا الله تعالى وذلك من خلال تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن لم يستطع ذلك فعليه الانسحاب وعدم الحضور والمشاركة فيها أبدا.
وختاما.. رصيد الإنسان في عالم الحياة هي مرحلة شبابه؛ لذا عليه استغلالها الاستغلال الأمثل، فليس هناك أفضل وأجمل من حضور مجالس الخير والفائدة.