هل اقتنع المجتمع بعد الاستضافة التليفزيونية للوزراء؟

 

 

د. عبدالله باحجاج

وأخيرًا!! وبعد عام تقريبا، من الانتظار والترقب، خرج للمجتمع من يتحدث معه في انشغالات مرحلته الوطنية، وفي هواجسها ومخاوفها التي تأخذ منحى تصاعديا منذ يناير 2020، والتساؤلات التي ينبغي أن تشغلا الحكومة الآن:

هل اقتنع المجتمع بكل القرارات الحكومية بعد شروحات وتوضيحات معالي أمين عام وزارة المالية ومعالي الدكتور وزير الاقتصاد؟ وما درجة الاقتناع (التقارب- التوافق- التقدير)؟ أو العكس؟ بمعنى بقاء المواقف على نفس المساحة المتباعدة بين الجانبين. ولماذا لم يتم التطرق إلى قضية الباحثين عن عمل؟

بداية.. علينا أن نسجل ملاحظات عامة على أداء نخبنا الوزارية القديمة/الجديدة أثناء خطاباتها الموجهة للمجتمع والرأي العام، وهى بمثابة مداخل أساسية لكسب المجتمع أو العكس، وقد كانت الخطابات القديمة تقفز فوق هذه المداخل، وتشكل مواقف اجتماعية سلبية تلقائية، تصطبغ على كل الإيجابيات -إن وجدت- فما هو واقع الخطابات الجديدة؟

نُبرزها كما يلي:

- عدم إعمال الفكر لمراعاة السيكولوجية الاجتماعية، ودرجة حساسيتها من بعض المفردات والعبارات، بدليل استخدام مفردات وعبارات قديمة تثير المجتمع والرأي العام معا، مثل: "عدم المساس بالراوتب"، وقد وردت في الاستضافة التليفزيونية، وهذه العبارة أعادت للذهنية الاجتماعية تصريحات كبار الشخصيات الوزارية السابقة التي قطعت الوعود بعدم المساس بالمرتبات، ومع ذلك لم تحترم الوعود -من المنظور الاجتماعي- فكان يستوجب من النخب المستوزرة في عهدنا السياسي الجديد الابتعاد عن مثل هذه العبارات ومفرداتها.

- تحميل طلبات تحسين المعيشة الاجتماعية منذ العام 2011 السبب الرئيسي في مآلات الوضع المالي للبلاد. والتلويح بهذا السبب في الاستضافة التليفزيونية لم يكن ذكيًّا؛ لأنه تكرار للخطابات التي صاحبت الإعلان عن خطة التوازن المالي، وانتجت بدورها حالة استياء اجتماعية ما زالت قائمة، ولأنها في الذاكرة الاجتماعية من صناعة نخب اقتصادية مليونيرية، ترى في رفع المرتبات والتعيينات عام 2011 جريمة على موازنة الدولة -هكذا سمُّوها- لذلك كان يفترض عدم الاقتراب من هذه المنطقة ذات الحساسية الاجتماعية.

- اعتبار 40% من الأسر العمانية مستحقة للدعم الحكومي للكهرباء والمياه، فهذا لا يدخل في دائرة الإنجاز، وإنما يكشف عن حجم العجز الأسري الكبير وعدم قدرته على الوفاء باستحقاق أهم ضرورتين من ضرورات الحياة، وهما الكهرباء والمياه، فكيف بعد التطبيق الكامل لمنظومة الضرائب؟ فمن المؤكد أن العدد الأسرى سيرتفع، والمعاناة الاجتماعية ستنتشر في البنايات، ومن المؤكد أنها ستطال الحركة التجارية، وستكون لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية معقدة.

وفي تغريدتنا الفجرية ليوم الجمعة الماضي، تساءلنا: أنفرح أم نحزن بهذه النسبة المئوية الكبيرة؟ وقلنا إنَّ هذا الانكشاف له وجهان؛ الأول: معلومة بالضرورة، وهو الاعتداد بحالة الطبقة الضعيفة، لكنه لن يكون دائما، فسيتم رفعه كليا عام 2025، ولماذا سيتم رفعه في هذا العام؟ هل الظروف المالية للمجتمع ستتحسن أم هو تاريخ رفع يد الدولة نهائيا عن دعم المجتمع؟ أما الوجه الثاني فيُعبر عن العدد الكبير للأسر العمانية التي تنطبق عليها شروط استحقاق الدعم من منظور الكهرباء والماء "المؤقت"، وكنا نتمنى أن تكون هناك دراسة عن نسبة فاتورة الكهرباء والماء من معاش المتقاعد أو الموظف.

لكن: ماذا عن عدد الأسر العمانية التي ستفشل في مواجهة تداعيات القرارات المالية التي اتُّخذت منذ يناير 2020 وحتى الان؟ من المؤكد أن نسبة 40% سترتفع كثيرا، لذلك، تقتضي الوجوبية الوطنية، أن نوسع الرؤية بالأسر المتأثرة من منظور كل القرارات المالية وليس من منظور فاتورة الكهرباء والماء.

الرِّهان على منظومة الحماية الاجتماعية في تفادي الإشكاليات الناجمة عن القرارات المالية، هذا تقليل لحجم التداعيات من جهة، وغياب النظرة الاستشرافية لزيادة اعداد الطبقة الضعيفة التي ستنضم اليها من الطبقة الوسطى بعد إحالة الآلاف للتقاعد الإجباري المفاجئ، وانضمامهم إلى المتقاعدين السابقين.

ومن بين أهم النتائج الإيجابية لمثل هذه الاستضافات التليفزيونية، أنها تضع كبار المسؤولين أمام الرأي العام مباشرة، ومن ثمَّ يُبنى على نتائجه من عدة أوجه، إما الإقناع وتعزيز الثقة أو عكسها؛ وبالتالي يضع النخب الحكومية أمام استحقاق كسب الشرعية-سواء العادية أو الاستثنائية- لقراراتهم، فأي قرار لا بُد له من تسبيب وتعليل، ومهما كانت ردود الفعل عليه، فهى إيجابية دائما، لأنها تضع السلطة السياسية العليا أمام رؤى وأفكار كل الأطراف، وتضع المسؤول أمام مرآة أدائه أمام السلطة السياسية.

لذلك؛ تمنينا أن تكون الاستضافة التليفزيونية عبر حوار ومناقشات مُعمَّقة بمشاركة خبراء ومتخصصين اقتصاديين وماليين وكتاب لهم مساحة تأثيرية على الرأي العام، وليس لقاءً يخاطب فيه المسؤول نفسه، ويحاول إقناعها بما يقول، ولن تقنع اجتماعيا وفق السياقات سالفة الذكر، ونكرر إنَّ مثل هذه الحوارات المعمقة ستضع السلطة السياسية أمام كامل تفاصيل المشهد من مختلف رؤاه ومرئياته، مما يتيح لها فرصة التصحيح وعملية الاستدراك في الوقت المناسب من جهة، وتكون على خلفية كاملة بأداء النخب الوزارية من جهة ثانية.

وحتى نقف على الواقع الاجتماعي الذي تقول عنه الطروحات المالية في الاستضافة التليفزيونية أنه سيتحمل أقل من 50% في خطة التوازن المالي، والحكومة الباقي، ندعو المهتمين بشأن المجتمع العماني وتطوراته إلى مقارنة القرارات المالية الحكومية، بآخر الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عن الأعداد التي تتقاضي أقل من 400 ريال في القطاعين العام والخاص، وكذلك أقل من 500 ريال، وكذلك أقل من 600 ريال، وكم مواطن يتقاضى أكثر من 2000 ريال...إلخ؟! والتأثيرات المحتملة على أغلبية المجتمع وليس أقل أو نصف أو أقل منه قليل.

ولو تعمَّقنا في لغة الأعداد الكبيرة التي تتلقى هذه المرتبات، فستتبدد أقوال عدم المساس بالمرتبات، وتعطينا أحكاما كلية عن طبيعة الفكر المالي من حيث مساراته واتجاهاته وإنتاجاته؛ فإحالة الآلاف من الموظفين إلى التقاعد الإجباري والمفاجئ ودون استحقاق ترقياتهم، هو جوهر المساس بالمرتبات، ومرتبات التقاعد الضعيفة تمس الجوهر كذلك، والتسريح كذلك، والضرائب ورفع الدعم، ورفع الأسعار الناجم عن معظم القرارات المالية قد جاءت لتضعف الضعيف، وتنزل الآلاف إلى الطبقة الضعيفة...إلخ، ومع هذا لا تزال المقولات "عدم المساس بالمرتبات" تسمع من حقب زمنية قديمة، ومن كبار المسؤولين الجدد، فهل وراءها فهم بالسيكولوجية الاجتماعية أو وعي سياسي بالمآلات المقبلة؟