تعليمنا جيد لكن بثقافات فردية نشجعها!

صالح بن أحمد البادي

salehalbadi555@gmail.com

لدينا بعض التجارب الجيدة في التعليم، فنحن أقرب للهند كمثال كتعليم وأفراد؛ حيث يكون الشخص مُميزا في ذكائه وقدراته، لكن ينقصنا وينقصهم العمل الجماعي المبني على منهاج صحيح تكاملي إبداعي واقتصادي  وإنتاجي.

خريجونا العمانيون وخريجوهم من جامعات العالم كأشخاص مميزين ويحصدون الكؤوس، وحتى على مستوى التخصصات المهنية والأداء العسكري وغيره، هناك جهد بالتعلم يحقق قدرات فردية عالية ويحقق مستوى فرديا رائعا، نتفوق نحن الاثنان وغيرنا من دول العالم الثالث أو الثاني بكفاءة الفرد بمراحل التعليم، وهذا واقع الحال، ويتغلبون علينا هم أي العالم المتقدم بالعمل الجماعي المبني على الأهداف والمعطيات الصحيحة الدقيقة، والممكنات الفاعلة التي تقُود المستقبل وليس الحاضر فقط؛ لذلك علينا بالعمل الجماعي المميز.

ليس قياسًا علميًّا ولا عالميًّا فقط أنَّ الخريج لا يكتب رسالة؛ فالعالم اليوم بحاسوبه وبرامجه يكتب ألف رسالة.. تلك معايير تاريخية وليست مستقبلية. كما أنَّ معظم من يُقابلونك لوظائف المستقبل لا يركزون كثيرا على مهاراتك الإدارية، ولكن يركزون على مهاراتك القيادية والابتكارية والإبداعية، وعلينا أن نحدد معاييرنا ليتجدد لنا مكانة بالعالم المتقدم، لا أن نعيش مراحلَ الماضي التي توجد في شخصياتنا، ونفرضها على مستقبل أجيالنا القادمة؛ فالعالم لا ينتظر فكرا محليا ليقوده ما لم يكن هذا الفكر فاعلا في قضايا التعليم وممارساته بمنظور إنتاجي إبداعي مهاراتي معطاء، وفق سلوكيات شراكة عالية المهارة ليتحقق تكوين فرق عمل مبدعة منجزة.

ولأنَّ مُجمل المهارات يُشكل قوة فرق العمل؛ لأن قدرة الفرد على إخراج مكنونات قدراته هي الأساس وليس قدرته على تكوين ثلاث شخصيات في شخصية واحدة، فيتقدم المبهم على الصريح، والمخفي على الظاهر؛ فتلك سلوكيات شخصية تؤخِّر مُجتمعات لأنها تتشرذم في تفسيرات وأنصاف توجهات، وقد عفى عليها الزمن الحالي والقادم، في ظل عالم تسوده تنافسية وصراع مكانة وهمة عالية بذكاء متقد.

كما أنَّ بعض أجزاء ثقافتنا، ومعظم منهاج تعليمنا، يشجِّع الأفراد مُستقلين ولا يشجع الجماعات المبتكرة، ولا التكاتف المتين المستدام.. يُشجِّع الابتكار الفردي بأول مراحله، ونتركه فيستعجل الاحتفال بالمرحلة نصف الأولى، لكنَّنا واقعًا يجب أن نحتفل بالمرحلة الخامسة كمثال؛ فالابتكار الأوَّلي هو شكل جميل، لكن مضمونه وقوته فقط عندما يسجل قانونيا، كابتكار ثم يحول لمشروع متكامل كدراسات وموافقات، ثم يتحول للتصنيع ثم يتحول للسوق منافسا، ثم يتحول لعائد اقتصادي وفني ومالي وتخصصي، فيسحب حصصا من اقتصاد العالم الابتكاري باتجاهك، وهنا تكون احتفالات الابتكار والتصنيع لها وقع خاص على المبتكر والمجتمعات والوطن والاقتصاد المحلي والعالمي، ويصنع حلولا للناس تقوم على عمل بدأ فرديا أو جماعيًّا، ثم تحول لعمل منهجي تكاملي متكامل تقوده جماعات تخصصية مهنية عالية الاهتمام والأداء والتنافس. كل ذلك معا يتشكَّل وفق سياسات عُليا للمنظومة التعليمية والإنتاجية والإبداعية، تقود كل شيء حول هذا الأمر بتسارع كبير.

لذلك؛ لا تبحثوا فقط في التعليم، فهو ليس سببا كافيا، ولكن ابحثوا في منظومات متكاملة تتحلق في حلقات حول التعليم، وستجدون أنَّ هناك عملا كبيرا يجب أن يتم وأن عائدات هذا التطوير بهذا الجزء أكبر من وقت وجهد التعليم ذاته رغم أهمية ذلك بلا شك.

تعليمُنا ليس سيئا بتاتا مع محبتي لكل من يكتب، كيف ذلك وأبناء عمان يحصدون مراكز متقدمه جدا وبذكاء.. نحن كأفراد نتائجنا مميزة، ولكن العالم المتقدم انتقل لثقافات العمل الجماعي والتكاملي، سياسات وتنفيذا، وهذا هو قوة وتأثير النجاح المتكامل.. فتضاعف أحجام فكر وقوة تأثير الابتكار وتضاعف حجم المنفذين وتضاعف حجم المستفيدين، وسهلت لهم -أي المبتكرين والمتعلمين كجماعات- هياكل الإنتاج المتخصصة البحثية والتنفيذية والتمويلية والاستثمارية والتكاملية، ومراكز التقييم والتوجيه المهني، وصنعوا وصنعت لهم موارد ومعدات التنفيذ، فحققوا معًا كفِرَق ما لم يُحققه الفرد الواحد، وإن بلغ ذكاؤه عنان السماء.. وإن لم نتحرك بذكاء لهذا التوجه، فإن حصاد العمل الفردي خارج أي تنافسية عالمية مهما بلغت.

علينا أن نخرج من ثقافة العمل الفردي، ومن أنظمته التاريخية إلى ثقافات وسياسات وبرامج العمل الجماعي بأسرع ما يمكن.. ألا يكفي أن دول "العالم الثالث" -كما يصفون- تخرِّج أجيالا لتلتحق بمؤسسات عالمية بدول العالم المتقدم، فتجدها قد أضحت فجأة شخصية متقدمة وزاد عطاؤها وأداؤها وتميزها ونجاحها، وأضحت الموسسة التي يشغل قيادتها هي حديث العالم، فتصدرت الصفحات الأولى عالميا.. ذات الشخصية والكفاءة كانت قبل ثلاث سنوات بذات العقل والإمكانيات والفكر واحدة من بين ملايين البشر، السبب في ذلك أنها عند وصولها واختيارها دخلت في العمل الجماعي المتمرس، فأخرجت لنا حصادا جماعيًّا ومنتجات عالمية، واستخدمت وسائط ووسائل ذات طبيعة جماعية المنشأ والفكر والتنفيذ والإبداع، بينما لا يزال تشجيع العمل الفردي القائم على الأنا مسيطرا في منطقة رحلت عنها ومنها ذات الشخصيه بذات الأفكار وذات الإمكانيات.

تقول معادلتي البسيطة لفهم ما نَرمِي إليه إن: "أداء تعليمي شبه جيد + أداء ضعيف جماعي = أداء أقل من متوسط جماعيا"، وهذا ما يحدث بدول الأداء الفردي، بينما تقول معادلتي التي استهدفتُ طرحها هنا بدول الأداء الجماعى: "أداء فردي متوسط إلى قوي + أداء جماعي وفق ممارسات ومنهاج عالمي + فكر تنافسي فاعل = أداء متميز منافس مبدع مَكِين).

وهذا الأخير شأن دول العالم المتقدم المنافس الذي يستشعر ضرورة تجمعه بممارسات عالمية من قوة التنافس الحاضر والمستقبلي الذي يستشعره ويقود خطاه كفاءات جماعية كمجموعات وأنظمة تخصصية تفاعلية متكاملة لمستقبل رائع.

التجربة الهندية حولنا تتحدث بتقديري بوضوح؛ حيث ينشط الأفراد داخل وخارج دولهم، لكنهم لا ينشطون كجماعات علمية وبحثية لأسباب ثقافية وعائلية...إلخ، رغم أنَّنا نرى بعض التعاون محليا ونظن ذلك بين بعض الفئات، لكن عند الدخول بالتفاصيل والمعرفة ستجد أن العمل الفردي يسود السواد الأعظم، وأن الناجحين إقليميا ودوليا كأشخاص هم من تحولوا للعمل الجماعي بدول التقدم والزياده علميا وليس شرطا كل شي آخر.

لذلك نجحت اليابان قبل كل الشرق.. ثم نجحت الصين لأنه كليهما أقام العمل الجماعي كأساس، وترك العمل الفردي.. وهنا كمثال مربط الفرس وكبوة الفرسان بتقديري.