الأفكار الانتحارية كيف نعالجها؟

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

عندما يُفكر الإنسان بإنهاء حياته بيده في لحظة ما فذلك يعني الانتحار، وإصرار الإنسان على فعل الانتحار يكون بسبب رد فعل مأساوي لما يُواجهه من ضغوط نفسية وحياتية تمر عليه سواء كان ذلك على صعيد المجتمع أو الأسرة، وهنا يجب على من تراوده فكرة الانتحار ضرورة طلب المُساعدة العاجلة لإنقاذ حياته من تلك الأفكار الضالة.

إنَّ من المؤسف في كل أربعين ثانية هناك شخص واحد على الأقل في العالم يُفكر بالانتحار، وهناك ثمانمائة ألف شخص يموتون بالانتحار في كل عام كما جاء في بعض الإحصائيات التي صرحت بها منظمة الصحة العالمية، وهذا ما يجعل المجتمع البشري أمام مشكلة اجتماعية كبيرة وهامة لابد من الاهتمام والتصدي لعلاجها.

اليوم هناك الكثير من العوامل التي جعلت حالات الانتحار تتزايد بشكل ملحوظ مثل: الاكتئاب، وكثرة الكوارث، والحروب، والصدمات الاجتماعية، والانتهاكات، والابتزاز، والشعور بالوحدة والعزلة، والحرمان من العطاء العاطفي والاجتماعي، وكثرة الخلافات الأسرية، والطرد من الوظيفة، والحرمان من المال، وغيرها.

لذا فإنَّ من تراوده فكرة الانتحار يظن أنَّه لن يحصل على الحلول المناسبة لحل مشاكله المأساوية التي يمر بها، وأن الطريقة المجدية والوحيدة لإنهاء المآسي التي يمر بها هي إنهاء حياته عن طريق الانتحار، معتبرا أن ما يمر به في الحياة من مآسٍ وآلام هو الجحيم بعينه، وخروجه من هذه الحياة هو الخروج من ذلك الجحيم، وهنا تقع الفاجعة كما حصل للكثيرين من شباب هذه الأمة الذين سيطرت عليهم تلك الأفكار الخاطئة.

لابد أن يعلم كل من تراوده فكرة الانتحار أنَّ هناك الكثير من الخطوات المجدية التي من خلالها يستطيع البقاء في هذه الحياة آمناً مكرماً بين أفراد أسرته ومجتمعه، لذا عليه ألا يستحي أو يتردد في طلب المساعدة الفورية والعاجلة ممن هم حوله خصوصا حكماء المجتمع وثقاته كالعالم الروحاني أو الطبيب النفساني أو ثقات العائلة، وذلك لضمان إيجاد الحلول المناسبة بشكل عاجل وسريع، حتى لو تطلب ذلك شيئًا من الوقت ولكن النتيجة حتماً ستكون ناجحة ومجدية ومرضية، قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نــَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا}.

إنَّ من يعاني من الأفكار الانتحارية لابد أن يعلم جيدا أنه يمر بمشكلة نفسية صعبة تعتبر أصعب من الأمراض الجسدية، وهي قد تنهي حياته في لحظة ما، لذا يجب عليه البحث على العلاج المناسب الذي يتناسب مع ما يمر به من ضغوط نفسية وجسدية، ذلك أنَّ مواجهة الأمراض النفسية لدى الكثيرين يجب أن تكون بالوقاية والعلاج كما هو حال الأمراض الجسدية تماماً.

 هنا سنتعرض إلى بعض تلك الحلول الفاعلة التي تضمن للإنسان حياة آمنة كريمة تبعده عن الكثير من الأفكار الانتحارية الضالة..

 فما هي تلك الحلول المناسبة يا ترى؟:

•    أولا:

كن مُؤمناً بالله تعالى وذاكرا له، وعزَّز صلتك الدائمة به سبحانه وتعالى، فإنَّ المؤمن بالله يعلم يقيناً أن الله لا يريد للإنسان في الحياة إلا الخير والأمن والاطمئنان والاستقرار النفسي قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}..

•    ثانيا:

انتبه جيدًا لا، ولا تحاول إدارة أفكارك الانتحارية بنفسك بل التجئ دائماً إلى المرشد العزيز والحكيم والصالح من تثق به في داخل الأسرة والمجتمع بهدف استشارته حول ما تمر به من أفكار خاطئة لتستطيع إبعاد تلك الأفكار الضالة التي تمر بها بشكل أفضل وأجمل.

•    ثالثا:

اعلم  أنَّ تأخر استجابة الدعاء هو أن الله تعالى يحب إلحاح العبد ويحب سماع صوته بالدعاء والتضرع والخشوع له سبحانه وتعالى، واعلم أن استجابة الدعاء قادمة ولو بعد حين، قال الله تعالى: {وإذا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنِّي قَريبٌ أُجِيبُ دعوةَ الدَّاعِ إذا دَعانِ فلْيستجيبوا لي ولْيُؤمِنُوا بي لَعلَّهُم يَرشُدونَ}، وروي عن حفيد النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: "إِنَّ اَلْعَبْدَ لَيَدْعُو فَيَقُولُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَكَيْنِ قَدِ اِسْتَجَبْتُ لَهُ، وَلَكِنِ اِحْبِسُوهُ بِحَاجَتِهِ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَ صَوْتَهُ، وَإِنَّ اَلْعَبْدَ لَيَدْعُو فَيَقُولُ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَجِّلُوا لَهُ حَاجَتَهُ فَإِنِّي أُبْغِضُ صَوْتَهُ"..

•    رابعا:

ابتعد عن رفقاء السوء، فهم أقرب الناس إلى الشيطان ومكائده، ومن كان قريباً من الشيطان ازداد همه وغمه في الحياة، وكان من أهل الضلال والتضليل لمن حوله.

•    خامسا:

استثمر وقتك بما هو نافع ومفيد، وابتعد عن الفراغ، فهو أساس المشاكل النفسية والأفكار الضالة في الحياة..

•    سادسا:

اعلمْ أنَّ الانتحار محرم شرعاً، وأن فاعله يعرض نفسه لسخط الله وعقابه الأليم.

أخيرا: هناك واجب اجتماعي على علماء الاجتماع والنفس والتربية في المجتمع العربي والإسلامي وذلك من خلال استغلال الطاقات الواعية والمثقفة لتوعية المجتمع بخطورة الانتحار ومساوئه على المجتمع وأفراده، وذلك من خلال التعاون الجاد بين الدولة ومؤسساتها الإعلامية في نشر الوعي الاجتماعي للجميع.