من توحيد التعليم إلى تفريده

ميمونة السالمية

مَيْزة أخرى مُهمَّة تقوم عليها المدرسة الفنلندية العُمانية؛ حيث دائمًا ما يُركز التعليم التقليدي على معيار واحد للنجاح وهو (اختبارات، واجبات، مشاريع)، وهي مُوحَّدة لجميع الطلاب والطالبات، وملزمون بتحقيق هذا المعيار الوحيد لضمان عملية النجاح للوصول إلى المراحل التالية، بافتراض أنَّ جميع هؤلاء الطلاب يتمتعون بنفس القدرات وذات الإمكانات؛ وذلك تبعا لفرضية أن "مادام هناك طالب واحد استطاع أن يحقق هذا النجاح، فجميع الطلاب الآخرين قادرون على ذلك)، وهذا ما يسمى بـ"توحيد التعليم".

أمَّا مرحلة "تفريد التعليم"، فقد تمَّ تطبيقها في المدرسة؛ لأنها تقوم على مبدأ الإقرار أولا بأنَّ كل طالب متفاوت في قدراته وإمكانياته خلال عملية التعلم. وأنَّ كل مُدرِّس فنلندي يستمر في تدريس نفس الصف بنفس الطلاب لأكثر من خمس مراحل متتالية.

ففي مرحلة التفريد، يقوم المدرس بوضع خطة فردية تتناسب مع الاختلافات الطبيعية بين طالب وآخر؛ بحيث تتَّسم هذه الخطط بالمرونة العالية حتى يتمكن المدرس من متابعة أداء كل تلميذ على حدة، وبحسب نقاط قوته وضعفه يحدد المدرس مدى تطور المستوى التعليمي للطالب، ويكون كل طالب له مسار تقييمي خاص يدركه المدرس جيدا، بعيدًا عن مقارنة الطالب بأقرانه في الصف.

هكذا يحدُث الرسوب: شخص واحد يُملي دروسًا كثيفة على أدمغة كثيرة خلال ساعات قليلة. يضطر الطالب المزدحم بسبع مواد وسبعة مدرسين وسبعة متطلبات، أن يلجأ إلى مساعدة من خارج الفصل (مدرس خاص، صديق أكبر، أم خارقة، تسريب، غش...إلخ) كي يلحق بالمنهج، ومن لا يفعل سيستمر في كرسيه لعام إضافي!

أمَّا سياسة التعليم الفنلندي، فهي من حقِّ كل طالب مهما يكن مستواه أن يتحصل على دعم شخصي من أستاذه داخل فصله، بهذا فقط تلاشت نسبة الرسوب في التعليم الفنلندي.

لا غَرَابة إنْ عرفنا أنَّ المدرسة الفنلندية ترى رسوب الطالب نوعا من الظلم الواقع عليه لأنه الوحيد الذي يتحمل فشل الإدارة والمناهج والمدرسين!! الطالب يعيد السنة ويتأخر ويحبط ويلام، بينما يظل المنهج مصاناً رغم عواره، والمدرس محمياً رغم التقصير!

من هنا، يجب القول إنَّ رسوب الطالب يعتبر فشلًا للأستاذ والمادة والمنهج وطاقم الإدارة جميعًا!

لذلك؛ أكرِّر جملة أنَّه من ضمن سياسة المدرسة الفنلندية والتعليم الفنلندي أنه "من حق كل طالب مهما يكن مستواه أن يحصل على دعم شخصي من أستاذه داخل فصله"، وبذلك نضمن جميعًا أن تتلاشى نسبة الرسوب، ويعيش الطالب في طمأنينة وسلام بعيدًا عن كلمة "أنت راسب"!

تعليق عبر الفيس بوك