تنمية الكوادر البشرية التقنية في السلطنة

 

تشن بينغ

الرئيس التنفيذي لشركة "هواوي تك إنفستمنت" العمانية المحدودة

مع تعمقنا يوماً بعد يوم بمختلف مناحي الحقبة الرقمية الجديدة، تزداد إسهامات صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات في إرساء الأسس المتينة للمجتمعات الذكية، ويلعب كل من يعمل في هذا المجال دوراً مهماً على طريق إيجاد الحلول التطويرية للأعمال في مختلف القطاعات والصناعات، ما يسهم بدوره في دفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق أهداف الخطط والاستراتيجيات الوطنية في السلطنة، وفي مقدمتها رؤية عمان 2040.

تشن بينغ، الرئيس التنفيذي لشركة هواوي تك إنفستمنت العمانية المحدودة.jpg
 

شهدنا خلال العامين الماضي والحالي تنامي غير مسبوق لدور قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في دعم مسارات التحول الرقمي، إذ ساهمت شبكات الاتصالات الحديثة بفضل السرعات الكبيرة التي توفرها بإتاحة الفرصة أمام الحلول والمنتجات التقنية الحديثة لتأخذ دورها كاملاً في حياتنا اليومية كتقنية المؤتمرات عبر الفيديو والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وغيرها من التقنيات المتطورة. وساهمت هذه التقنيات في العمل على إيجاد الحلول والبدائل الكفيلة باستمرار الخدمات العامة والأعمال خلال فترة الإغلاق والتباعد الاجتماعي. ومن خلال الاعتماد على التقنيات المبتكرة، ستتمكن المجتمعات المدنية والأعمال من التقدّم بخطى واثقة نحو تحقيق الأهداف التنموية وتنفيذ الخطط والاستراتيجيات الوطنية في سلطنة عمان.

اليوم، يبرز أكثر من أي وقت مضى أهمية تعزيز مسارات تنمية المواهب التقنية وزرع مزيد من أسس فكر الابتكار التكنولوجي كأحد أهم ركائز التنمية والتطوير وبناء المستقبل المستدام بالاعتماد على التكنولوجيا الرقمية في السلطنة. وتعتبر رعاية المواهب المحلية التقنية الجزء الأساسي من النظام الإيكولوجي الشامل الواجب بناؤه لتقنية المعلومات والاتصالات في إطار المساهمة في تعزيز أعمال وخدمات مختلف القطاعات والصناعات في عمان، من الأولويات التي ينبغي العناية بها جيداً لجني ثمار التحول الرقمي وإطلاق عنان مزيد من الفرص للأفراد والشركات، خصوصاً خلال الفترة الحالية وتلبية متطلبات التعافي الاقتصادي في المرحلة القادمة.

وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة التي واجهها القطاع التعليمي بسبب الإغلاق، إلا أن الحلول التي وفرتها تكنولوجيا الاتصالات والتقنيات الحديثة ساهمت في مواصلة التعليم على مدار الفترة الماضية، حيث برزت تحديات جديدة تمثلت في تزويد الطلاب بالوسائل اللازمة لمتابعة تعليمهم بعيداً عن المختبرات والصفوف الدراسية والمعدات والمناهج التقليدية. كما شهدت تلك الفترة اتساع الفجوة الرقمية، مما أدى لتراجع نسبي في المكاسب التي تم تحقيقها خلال الأعوام الماضية.

ضرورة إجراء معظم الأعمال التجارية عبر الإنترنت تؤدي فعلياً لتسريع الرقمنة وجذب الاستثمار في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في السلطنة. ويتماشى هذا التحول مع الاستراتيجيات الحالية التي تركز على دعم تطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مما يُعزِّز جهودَ الحكومة في تنويع الاقتصاد الوطني في السلطنة  التي كانتْ في طَلِيعة الدول التي تشهد تحولًا رقميًّا؛ باعتبارها واحدة من المبادرات الرئيسية للبلاد؛ بما يتماشى مع استراتيجية عُمان الرقمية ورؤية "عُمان 2040" التي تركِّز على التحول الرقمي والابتكار لتعزيز اقتصاد وازدهار المجتمع.

تركز استراتيجية السلطنة على التنمية الاجتماعية والصناعية لتقنية المعلومات؛ بهدف تمكين المجتمع والأفراد، وتعزيز الحكومة الإلكترونية والخدمات الإلكترونية خلال السنوات القليلة المقبلة. وتستند إلى ركائز أساسية قابلة للتحقُّق، وتستهدف النهوض بالمجتمع الرقمي، وبالتالي تمكين الحكومة الذكية والخدمات، وتوفير نظام بيئي رقمي نشط وحيوي ومرن يتَّسم بالحوكمة بقيادة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وكان لقرارات وسياسات الدولة توسيع نطاق الرقمنة تأثير إيجابي متزايد خاصة في القطاع الحكومي؛ حيث تستهدف الخطط الوطنية للرقمنة تعزيز تجارب المستخدم النهائي وتطوير خدمات المواطنين وقيادة التحول في الأعمال التجارية بسرعة، حيث تقود وزارة التكنولوجيا والاتصالات جهود الرقمنة المتعددة لإضفاء الطابع الرقمي على حكومة السلطنة ومؤسساتها.

في إطار ذلك، يعتبر التركيز على تحفيز الشباب العمانيون للاهتمام بمستقبلهم الدراسي والمهني في إطار التماشي مع التكنولوجيا الحديثة والعمل على تزويدهم بالمهارات التقنية اللازمة لمواكبة التطور الواجب القيام به للبنية التحتية لمكافحة تفشي الجائحة والمضي قدماً في مسارات التعافي الاقتصادي أمر بالغ الأهمية. فإعداد جيل يتمتع بالخبرات والقدرات اللازمة والارتقاء بالمواهب ليكونوا قادة التكنولوجيا في المستقبل ويساهموا في تحقيق الأهداف الوطنية الطموحة لبلادهم هو سبيل السلطنة الواضح الذي تركز عليه الجهود الحكومية، سيما وأن عمان كانت سباقة على الدوام في مجال التوطين، ولطالما اعتبرت مواردها البشرية قيمة كبرى يجب الاستثمار فيها والاعتماد عليها.

التشجيع على تبادل المعرفة والخبرات خطوات لا بد منها على طريق بناء أنظمة إيكولوجية شاملة ومتكاملة لتقنية المعلومات والاتصالات في السلطنة، تبدأ من النظام الإيكولوجي للمواهب التقنية. وهذا سيوفر المزيد من فرص العمل ويفتح آفاقاً جديدة في مجالات تطوير التكنولوجيا لتعزيز المجتمعات ودفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ولا يتم ذلك إلا من خلال التعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص لدعم الابتكار وتنمية المواهب التقنية، سيّما المهارات العملية التي ترتقي لواقع الحقبة الرقمية الحالية وتتماشى مع مساراتها وأدواتها الحديثة.

اليوم تتحمل شركات التكنولوجيا بالتعاون مع القطاعين العام والخاص مسؤولية توفير مزيد من الفرص والإمكانيات لتعزيز المواهب التقنية في إطار المسؤولية الاجتماعية. كما ينبغي على الجامعات أن تجتهد في مجال تطوير مناهجها بالتماشي مع التقدم المتسارع للتكنولوجيا ومواكبة لمتطلبات تنمية المواهب في المستقبل. كذلك تقع على عاتق الهيئات الحكومية وشركات الاتصالات ومزودو خدمات تقنية المعلومات والاتصالات مسؤولية توفير المبادرات والبرامج التعاونية وغيرها من الأنشطة والفعاليات والمنصات التي تسهم في تنمية مهارات المواهب وصقل خبراتهم وإعداده لقيادة مستقبل التكنولوجيا في عمان بالاستفادة القصوى من التكنولوجيا.

بناء الاقتصاد الرقمي المستدام أحد أهم أهداف المرحلة المقبلة، ولن يكون الوصول لهذا الهدف ممكناً بدون غرس منهج الابتكار في فكر وعمل الشباب العماني. ينبغي علينا جميعاً أن نتكاتف للاستثمار بهم ودعمهم بشتى السبل ليأخذوا الدور المناط بهم في صياغة مستقبل التنمية والتطوير في السلطنة. ونحن في هواوي نلتزم بتوفير أحدث ما توصلت إليه صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات من تقنيات حديثة إلى عمان مثل الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وغيرها. ونشكر كافة الهيئات الحكومية وشركائنا في عمانتل وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية على جهودهم معنا ودعمهم لنا في هذا الإطار. وسنبقى حريصين على تسخير كافة إمكانياتنا بالتعاون مع شركائنا في السلطنة للعمل على تحفيز اهتمام الشباب بالتكنولوجيا وابتكاراتها من خلال مبادرات وبرامج مثل مسابقة هواوي لتقنية المعلومات والاتصالات التي يشارك بها طلبة الجامعات حالياً، وكذلك برنامج بذور من أجل المستقبل وأكاديمية هواوي وغيرها. كل ذلك في إطار العمل الجاد على مواصلة مسيرة التحول الرقمي وتوفير التقنيات الرقمية لكل شخص ومنزل ومؤسسة في السلطنة من أجل تفعيل مزيد من محركات التنمية الاجتماعية والاقتصادية على طريق بناء الاقتصاد الرقمي المستدام القائم على المعرفة.

تعليق عبر الفيس بوك