رحيل زهرة البنات

 

آلاء بنت سالم الغزالية

هذا الحدث وقع على مسامعنا كصاعقة: فتاة في عمر الزهور تُقدم على الانتحار، تاركة خلفها أحرفَ وداع مؤلمة.

تلك الأحرف التي عندما قرأناها ازدادنا حسرة أن فتاة بكل ذلك نقاء ترحل هكذا.

لعل هذه الحادثة تدقُّ ناقوس القلق لدينا خوفا من أن تتكرر، لا سيما أن الجانب الأهم من الأسباب التي ذكرتها الراحلة هي منتشرة انتشارا واسعا بيننا: غياب الاحتواء العاطفي والمعنوي الذي ينشده المرء، والشعور بالوحدة أحيانا، وتراكم ضغوطات الحياة للحدِّ الذي يصل فيه المرء؛ لأنْ يفقد القيمة من وجوده جميعها أسباب قد تمر على أي منا.

صعوبة الحياة المعاصرة لا يُمكن لأي منا نكرانها، ووتيرة تلك صعوبة تزداد يوما بعد يوم، فقائمة متطلبات الحياة الكريمة أصبحت طويلة اليوم بعد أن شملت الكثير من الأمور الثانوية... وهموم توفير هذه المتطلبات أثقلت كاهل الكثير. دخول أنواع مختلفة من وسائل التواصل الاجتماعي مكَّنت الجميع من الاطلاع على أنواع مختلفة من المتع والرفاهية التي لا تمر على النفس مرورا عابرا؛ فهي إنْ لم تشعل في النفس لهيب المقارنة فهي قطعا ستوسع رقعة الرغبات والأماني في النفس. وعلى الجانب الآخر، أصبحت أوقات الأنس العاطفي شحيحة، الكلُّ بات مشغولا والكل بات لاهيا في عالمه. لم يعد هناك متسع لأوقات ذات جودة يقضيها الأب برفقة ابنه أو الصديق مع صديقه. ولم تعُد تتوافر دائما تلك الأيادي الحانية التي تمسح دموعنا تارة وتربت على أكتافنا تارة أخرى.. وبات علينا أن نرتدي عباءة الاتزان والقوة دائما مهما كان أنين قلوبنا.

ولأنَّه من الصعب تعديل وقائع الحياة المعاصرة ومعطيتها؛ فالحل يكمن في العودة إلى جوهر معاني الإسلام السامية فحديثه صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".. الحديث ابتدأ بتعجُّب وذلك لأن المؤمن يؤجر في كل الأحوال؛ فأمور حياة الإنسان كلها لا تخرج عن كونها سراء أو ضراء.. هذا الحديث يعيد الى النفس استقرارها، هذا الحديث يُخبرنا بأنَّ كل لحظات الألم وكل محطات المعاناة وكل هذه الدموع التي أخفيناها عن الجميع لن تذهب سُدى، وأننا سنكافأ على ذلك.. والمتأمل لتعاليم الإسلام بأسرها يجدها إنما أتت لطمأنينة النفس ولسكون القلب "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى".

وحده الإيمان العميق بهذه المعاني يُعيد للنفس اتزانها ويمنحها القوة والتحمل لمواصلة مشوار الحياة.

تعليق عبر الفيس بوك