منظومة فنلندية عُمانية نحو جيل صاعد

 

ميمونة السالمية

يُعد التعليم ركناً أساسياً لبناء الحضارة، وتحقيق السعادة والرفاهية للمجتمعات، ولنا في الدول المتصدرة عالمياً في مجال التعليم خير مثال على أثر العلم في تطور المجتمعات ورفاهيتها، ومن هنا كان لابد أن نذكر أنفسنا دائماً بأهداف التعليم التي يعد أولها بناء اقتصاد جيِّد، وثانيها المحافظة على ثقافة البلد وتراثها. وهذا أساساً ما قامت عليه المدرسة الفنلندية العُمانية في رؤيتها ورسالتها التربوية، حيث انتهجت لتحقيق رسالتها وأهدافها التعليمية أساليب رائدة تنمي لدى الطالب أهم المهارات والركائز التي يحتاجها هذا العصر، ورواد المستقبل كالتفكير الإبداعي والضمير الأخلاقي ومهارات التواصل، وتشجيع تنمية المواهب الخاصة، بعيدًا عن نهج الحفظ والحشو والتلقين.

لقد قامت بنية المدرسة الفنلندية العمانية في فلسفتها التعليمية على فكرة أن الإبداع يكمن خلف خلق أفكار جديدة، وهذا بحد ذاته أهم بكثير من تلقي الطالب معلومات جديدة، كما أن تعليمه التفكير الابتكاري، والحرص على تنشئته مستقلاً متعلماً ذاتياً لا يقل أهمية عن تعلمه القراءة والكتابة والحساب. ومن هنا كان التوصيف الوظيفي للمدرس الفنلندي منوطاً بقدرته على إكساب الطالب المهارات التي تمنحه الاستقلالية الذاتية في التعلم والفهم والابتكار، كما أن هذه الاستقلالية ذاتها تعد معيارًا لتعلم الطالب، دون حاجة إلى ملاحقته بأداء الامتحانات الطويلة والقصيرة والمُفاجئة، أو مواسم الرعب النهائية.

ويمكننا أن نلحظ أن المحتوى الدراسي لهذه الفلسفة التعليمية الرائدة لا يتطلب استظهارا لمصطلحات جامدة قد لا يحتاجها الطالب، كما لا يستوجب حفظ نصوص مطوّلة لم يحفظها كتابها الأصليون أساسا، فضلاً عن أن يطلبوا من قرائهم فعل ذلك !

كما إنه معلوم أن مراعاة الجانب النفسي لها أثر كبير في تحقيق التعلم، فالطالب إذا اطمأن في يومياته الدراسية، استطاع أن يفكر ويعبِّر ويتطور. خلافاً للآثار النفسية والعواقب الانسحابية الخطيرة التي قد تخلفها الاختبارات، ابتداءً من مشاعر التوتر والقلق، مرورًا بالضغوطات النفسية الحادة، وصولا في حالات مؤسفة إلى المفاضلة بين التعليم أو الحياة.

هنا يكمن دور المدرسة في فلسفة التعليم الفنلندية فهو أكبر بكثير من أن تحكُم على طالب من خلال إجاباته في ورقة، كما أنَّه أسمى بكثير من تلك الأوسمة التي تُوزَّع على الصغار في بداية حياتهم، فليس هدفنا من التعليم التقييم، بل إن هذه الفلسفة الرائدة تمنع منح الطالب شهادات تصنف مستواه العلمي بالدرجات والتقديرات في مراحل التعليم الأولى تجنبًا للتصنيفات والمُقارنات المبكرة بين الأقران، (ممتاز، جيد، مقبول، راسب...) هذا ممنوع، فلكل خصائصه ومواهبه وحياته، هذا مبدأ التفريد، ريادة في الأهداف، وريادة في الأساليب والاستراتيجيات، وريادة في المحتوى، وريادة في النتائج نحو صدارة عالمية.

تعليق عبر الفيس بوك