قد قارب الزمان أن ينقلب!

ربيع بن صالح الأغبري

المُتفكر في الأمم، والشعوب، وفي الأرض وجميع الكواكب، سيصل إلى حقيقة مفادها، ليس هناك شيء يدوم، لأنَّ من سنن الله، دوران الأيام، وتعاقبها، مرة لك ومرة عليك، وإذا أسعدتك اليوم، أحزنتك غداً، وإذا أصبحت قويا فستمسي ضعيفا، وهذه حقيقة، لا مفر ولا مهرب منها وعلى هذا الأساس، لا يستتب أمر، ما، طوال العصور والدهور والجدال في هذه القضية لايُؤخر ولايُقدم.

ولو اجتهد من اجتهد، على أن يلغي هذه القاعدة، فليس هناك من سبيل، والذين يبحثون ويُخططون لاستتباب أمرهم، متكئين على ركن يحسبونه شديدا متزلفين إليه، مقدمين له الطاعة والولاء وفوق ذلك المزيد، معتقدين بأنه قادر على إيقاف عجلة التغيير، وعلى إبطال قاعدة الدواليك سيكتشفون حينها، أنهم يخدعون أنفسهم، وفي حقيقة الأمر أنَّ الأيام ستأتي على المتزلف والمُتزلف إليه إذا ماحان وقتهما وساعتهما، أي ستؤول، خططهما وأبحاثهما، وما قدموه إلى الفشل المحتوم.

ولنا في كوكبنا، الصغير قصص وعبر، لمن أراد أن يعتبر، فلننظر إلى مواقع بيوتنا ومساكننا، كيف كانت قبل آلاف السنين قد تكون مجاري للأنهار أو بحارا متلاطمة الأمواج، تسبح، فيها الأسماك والحيتان، أو غابات ترتع فيها الكواسر والسباع ولكن نتيجة، تعاقب الأيام، أمست مساكن، لبني الإنسان، وقس على ذلك كيف تسللت رياح التغيير ولم تسلم منها، العجماوات، والأنعام، إذ أصبحت أنعام اليوم غير أنعام الأمس، كل شيء تبدل أشكالها أحجامها سلوكياتها، وأقصد من كل ماتقدم أن الكون بأسره خلق، على سنن ربانية لايُمكن التغلب عليها، أو تثبيتها بأي حال من الأحوال، ولم يخلق على نظريات، ركيكة متهاوية الأركان، بل خلق بنظام دقيق خالٍ من الصدف وسيطرة الطبيعة.

ومن هنا على القوي، أن لا يفرح كثيرًا بما أوتي من مقومات القوة والسيطرة، وعلى الضعيف، ألا ييأس ولا يبالغ في أحزانه على ما آل إليه أمره من ضعف وهوان والأكيد، أن الظلم لايدوم، وأن الذي إدلهم ليله، ستأتي له الأيام، بفجر مشرق جميل، وإذا ماحدث ذلك وسيحدث، عليه أن يتذكر من ظلمه ليس للانتقام، بل حتى لايقع في ما وقع فيه من ظلمه، إذ عليه استخلاص الدروس، من ما آل إليه ظالمه، بعد مادرات عليه الأيام.

لأنَّه إذا ما حان تداولها، مرة أخرى ستسقيه، من كأسها وتزيد، لأنَّ السنن الكونية ستظل تحرك العجلة، وستعكس الأمور، وستظل تدور، مادام لم ينفخ في الصور، ولم يبعثر مافي القبور، وسيظل الجميع يرددون دون أن يشعروا أن الأيام دواليك، يرددون المقولة، ذاك زمان لعبنا به، وهذا زمين بنا يلعب، وفي الأصل ليس للزمان ابن اسمه زمين، ولكن هكذا ينطق الذي أدبر عنه زمانه وقلبت له المجن أيامه.

وقد لايُؤمن بهذا من لا يدين بما ندين، بسبب ما يدين، أو رغبة منه في الهروب عن الحقيقة، لأسباب هو يعلمها، أو نتيجة قلة علمه وتخلفه، أو قد يكون من الذين يعزون ذلك إلى الطبيعة والتي هي المسؤولة عن مايقع للكون والخلق من أحداث وتغيرات،على حسب ما يعتقد.

وهؤلاء ومن دار في أفلاكهم عتابنا لهم لا يجدي نفعاً؛ إذ صُمَّت آذانهم وسكِّرت أبصارهم وتعفت عقولهم، وتحجرت قلوبهم، وفسدت أنفسهم، بسب ماتقدم من أسباب، ولكن إن كان هناك عجب، وعتب نعجب، من الذين يدينون بدين الإسلام، ويزعمون أنهم من أهل القرآن، ولكنهم لم يتعظوا بما آلت إليه شعوب وأمم، بعد، انقلاب وتبدل الأيام.

فلننظر بتمعن إلى ما آلت إليه، أعظم الإمبراطوريات في الأرض قبل الإسلام، الأكاسرة والقياصرة، فقد حكمت بالنار والحديد، وبغطرستهم وجبروتهم حولوا كرام الناس وأحرارهم إلى عبيد، وقد يقول قائل كيف ذلك؟ والجواب أليس العرب هم كرام الناس وسادتهم على ما يعتقدون؟ ولكن فوق ذلك انقسمت العرب إلى قسمين قسم استعبدته الأكاسرة والقسم الآخر همه أن ترضى عنه القياصرة، وتفننت الإمبراطوريتان، في إذلالهم، مصوا ثرواتهم، وحولوهم إلى وقود حرب، في نزاعاتهم المسلحة، بل إذا ماخالف عاملهم العربي أمرهم والذي، يدعى بالملك، استدعوه إلى بلاطهم، ورموه تحت أقدام فيلتهم وداسته حتى لفظ أنفاسه، وبعد ما أذنت الأيام بالتداول هبَّت رياح التغيير، فدارت على المُتسلطين الغاشمين، الدوائر. فأصبحوا قصصًا يحكيها الأولون، بعد أن تلاشت الإمبراطوريتان وأفلت شمسهما بسبب تدوال الأيام، فساد العرب بعد ظهور الإسلام وحكموا وسيطروا على معظم أصقاع الأرض، ومابقي من الدولتين العظمييتين أصبح، ينشد رضا العرب ويتقرب لهم، إذن التغير بتداول الأيام آت وقادم لامحاله، ولم ولن يبقى شيء على حالة، وبسبب تداول الأيام لابد من تبادل الأدوار.

وقد يكابر من يكابر في هذه المسألة ليهرب عن الحقيقة، ولكن أذكره مرة أخرى بالتاريخ الحديث، أين أصبحت بعض الدول المعاصرة والتي امتد حكمها طويلا وسيطرت سيطرة تامة وقهرت من قهرت بالنار والحديد وكان حكمها وسطوتها لايقل عن الأكاسرة والقياصرة، ولكن بعد ماجاء دورها، وجدت نفسها كقطرة في بحر متلاطم لايرحم، فتقزمت، وتقسمت بقدرة القادر، وأصبحت اليوم، تحاول، مجاراة الدول التي لم يأتِ عليها عصر التغيير والتبديل بعد، إذن ليس هناك من هو سالم من تداول الأيام، وحتى الدولة الإسلامية، العظمى، والتي وصل حكمها إلى أوسع رقعة في هذه البسيطة.

وبالرغم كون حكمها رحيما بالبشرية بل وبالشجر والحجر وكل من عاش ودب في الأرض، قد تنعم بعدلها وفضلها وإحسانها، ومساواتها، حتى في ميدان النزال والقتال كانت رحيمة بعدوها، ولكن تداول الأيام لم يوفرها، وقد أخذت نصيبها كافيا ووافيا، إذ انقلب حالها رأسا على عقب وأسأل زمانك الحالي يأتيك بالخبر اليقين، لذلك ليس هناك من شك في تداول الأيام، وأن عجلتها تظل تدور ويدور العالم بأسره معها، ولايملك من أمره شيئاً في إيقافها، ونعيش أيامنا هذه، ونحن نرى بأم العين ما آلت إليه شعوب ودول، وكيف لعب الزمان بها.

وأقول للجبابرة الغاشمين، الذين ترسموا خطى أسلافهم الظالمين شبرا بشبر وذراع بذراع وقد سبقوهم إلى جحر الضب، أقول قد قارب الزمان أن ينقلب عليكم، كما انقلب على غيركم لصالحكم، وبما أن الدوائر تدور، والأيام دول، عليكم أن تعملوا ليس لإيقافها، بل تحاولوا تلطيف دورانها، ولايكون ذلك إلا بقدر أعمالكم، أي إن كانت أعمالكم، متجردة من المروة والرحمة والأخلاق، دارت عليكم، دورة الأسد على فريسته.

وستطحنكم دون رحمة وهوادة ولاتراعي فيكم إلا ولاذمة، لأن قاعدة الأيام قضت، إذا ماكست أوكست، وإذا حلت أوحلت، وإذا دنت أودنت، وأما إذا ماكنتم، أهل رحمة ومروة وإحسان، تعملون أجل، الأزدهار والاستقرار، بالطبع كل هذا لن يوقف تداول الأيام، ولكن إذا مادارت، ستكون بكم وبأسلافكم، لطيفة رحيمة تحفظ لكم ماكان منكم، من شمائل حميدة ومياه وجوهكم لن تراق، وسيظل التاريخ يتغنى بفعلكم، ويحفظ لكم ما كان منكم من أجل الأعمال وأسمى المعاني.

تعليق عبر الفيس بوك