متى ينتهي احتكار "الهوامير"؟!

 

فايزة بنت سويلم الكلبانية

تهدفُ خطة التوازن المالي متوسطة المدى (2020-2024) والتي حظيت بالمباركة السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- إلى تحقيق مستويات مستدامة للتوازن المالي وتهيئة الظروف المالية الداعمة لرؤية عُمان 2040، كما أنَّ السلطنة تسعى من خلال تطبيق حزمة المبادرات والسياسات المالية إلى تجنب الاستمرار في تحقيق عجوزات مالية وتجنب تراجع التصنيف الائتماني للسلطنة، والسعي لتحسينه، وصولًا لتحقيق مستويات آمنة وجاذبة للاستثمار.

كلُّ هذه الأهداف تحتاج أن يصاحبها المزيد من التحفيز للقطاع الخاص من جهة ليكون قادرا على المبادرة والصمود أمام التحديات واستيعاب الباحثين عن عمل وتحقيق الأهداف المرجوة، إضافة لتكثيف الرقابة أيضا عليهم في تطبيق "الإحلال"، والذي اتضحت ملامحه بشكل أكبر خلال المراحل الأخيرة، ويبقى الدخول حيز التنفيذ بشكل أكثر جدية، إلى جانب الاهتمام بشكل أكبر لتنمية قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تعتبر داعما رئيسيا لنمو القطاع الخاص واقتصاد الدول، لا سيما في ظل الظروف الراهنة التي أثرت على الكثير منهم سلبا نتيجة الأزمات المتعاقبة من تراجع أسعار النفط، وتلتها تبعات انتشار فيروس كورونا، إلى جانب وجود عامل أكثر أهمية وهو "الاحتكار" سواء في قطاعات الصيدلة والأدوية أو قطاعات السيارات أو غيرها، هذا إلى جانب التحفيز أيضا والتسهيلات التي لابد أن يكون لقطاع البنوك والصرافة بشكل عام دور في الوقوف مع الشباب للتوسع بمشاريعهم ليتمكنوا من "كسر الاحتكار" والمنافسة بالسوق مع كبار الشركات المتحكمة بالأسعار محققة أرباحا طائلة على حساب المستهلك.

جميعنا يعلم اليوم أن قانون الوكالات التجارية الجديد، بعد ما طرأ عليه من تعديلات فإنه يسمح اليوم بتعدد الوكيل للمنتج نفسه، وإلغاء الوكالات الحصرية؛ بحيث لا يتم منع استيراد أي نوع من أنواع السلع من مختلف دول العالم؛ بما أنه لها وكيل بالسلطنة بدون أية قيود.

إنَّ "كسر الاحتكار" من شأنه المساعدة في زيادة التنافس وضخ عدد أكبر من رواد الأعمال في السوق للعمل في هذه القطاعات، لا سيما قطاع السيارات والأدوية التي كانت ولا تزال مستمرة في أخذ طابع الاحتكار بشكل أو بآخر، اليوم لابد من السيطرة على الارتفاع المبالغ فيه بالأسعار والذي يتحكم فيه المصنع الأجنبي. أما أصحاب الشركات الكبرى ممن يواصلون أساليب الاحتكار المختلفة بالسوق لتحقيق أرباح طائلة على حساب المستهلك، مما يمنع دخول المنافسين من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتظل حِكرًا على شركات "الهوامير"، أو كما يطلق عليهم البعض "الحيتان" من كبار الشركات، مُستغلين علاقاتهم المتوارثة أو نفوذهم، آمنين من دخول أي منافس صغير لهم في ظل علاقاتهم الموثقة محليًّا وخارجيًّا.

ولكن، وبالرغم من ذلك، يشتكي البعض من وجود إشكالية في نظام "الوكالة" وتطبيقه واقعا في السلطنة، وغالبًا ما يضرب البعض المثالب قطاع الصحة ممثلا بالأدوية والصيدليات، فالأسعار المرتفعة للأدوية تشير إلى أنَّ هناك سياسة الاحتكار لقلة دخول المنافسين مما سيساعد على تخفيض أسعار الأدوية، ولا نبالغ إذا قلنا إن نسبة 90% من الأدوية تحتكرها صيدلية واحدة، فالأدوية نموذج متعارف عليه في الاحتكار، إلى جانب قطاع السيارات، فنجد اليوم السيارة التي تباع بالسلطنة بسعر 14 ألف ريال لدى أحد الوكلاء، نفس السيارة في الدول المجاورة قد يبلغ سعرها 8500 ريال تقريبا على سبيل المثال، وهذا ليس من صالح المستهلك، وقد يعد شكلا من أشكال "الغش التجاري"، والرابح فيها والمتحكم الأول هو "المصنع" الأجنبي، مهما كانت جنسيته فهو يفرض على الوكيل السعر مهما يكون مبالغا فيه، ونتيجة لعدم وجود وكلاء متنافسين على عروض الأسعار؛ فلا تنافس أو بديل لقبول عرض السعر المحدد من المصنع الياباني أو الكوري أو الأمريكي وما شابه مهما كان مرتفعا؛ وبالتالي يستمر السوق تحت رحمة نفس الشركات وآليات التعاطي مع العملاء.

من هنا، لا بُد أن تتكاتف الجهود بين جميع الجهات المختصة كوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، ومجلس المناقصات، ووزارة المالية، وغرفة التجارة والصناعة... وغيرها من الجهات المختصة لكسر الاحتكار، ومتابعة إيجاد فرص لتحفيز قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ودعمهم لدخول مثل هذه الأعمال، فيتحول ما يزيد على 50 رائد عمل كشركات ترفد القطاع الخاص على سبيل المثال، ونكسر الاحتكار الذي ظل متواصلا على مدار خمسين عاما تحت إدارة نفس العقول والشركات، وأغلبها تديرها العمالة الوافدة، تحت غطاء "التجارة المستترة"، ويظل المصنع مُتحكِّما في أسعار السلع بالسوق، والتي تأبى أن تتراجع نتيجة "الاحتكار"، وعدم دخول متنافسين لاستيراد هذه السلع، فنحن بحاجة للمنافسة بوجود عدد شركات يزيد على الأربعة أو الخمسة لضمان تقليل الأسعار بالسوق لبعض السلع.