الرُّوتين الثمين!!

أم كلثوم الفارسية

سامَح الله علماء النفس وتطوير الذات، ومن على شاكلتهم، ممن جعلوا من كلمة الروتين كلمة مرعبة كأنها الإرهاب في عالم السياسة؛ فلا ننفك نسمع نصيحتهم الذهبية "كلما قللت من الروتين نَعِمت بمزيد من الحياة في عمرك القصير".. ليتهم سكتوا!

أكاد أُجزم بأنَّ معظمنا لديه هذه الفكرة حول الروتين اليومي، ولكن دعني أقنعك بفكرة مضادة قد تنسف حقائق سيَّرت حياتنا للوجهة الخطأ.. فقط لأننا سلمنا عقولنا لغيرنا.

أثبتتْ الدراسات لعدد ليس بقليل من المبدعين الذين وجدوا في الروتين المنتظم الوسيلة المثلى لتسيير أيامهم، ومن ثمَّ التفرُّغ بعدها للعملية الإبداعية الشاقة وإعطاؤها كل ما تحتاج إليه من وقت ومجهود، مرتاحين من عبء تنظيم الوقت في كل يوم من جديد.

قد يبدو ما أقوله لك مُخَالِفا للصورة النمطية الراسخة للروتين في عقلك الآن، ولكن وفي الحقيقة كلُّ الشخصيات التي حققت نجاحا كبيرا في مجالات مختلفة هي شخصيات ملتزمة بروتين يومي دقيق لا يتخلون ولا يتنازلون عنه، ويحاولون عدم كسره والتمسك به؛ لأنهم يعلمون أنه أحد أسباب نجاحهم.

فالكاتب الياباني الشهير الذي يعد من الشخصيات المائية المؤثرة على العالم حسب مجلة "التايمز" الأمريكية للعام 2015، والذي حصل على العديد من الجوائز العريقة؛ من ضمنها: جائزة فرانز كافكا الدولية للأدب في العام 2006 "موراكامي" يقول: تغيّرت حياتي كليا بعد أن أصبحت روائيا؛ حيث تركت عملي السابق في نادي الجاز الذي كنت أمتلكه وأديره، بعد أن أمّن نجاح رواياتي دخلا ثابتا، جعل من السهل عليَّ أن أعتمد على الكتابة وحدها كوظيفة أساسية. لكنه منذ أن فعل هذا وقع في مشكلة كبيرة؛ غرق يومه وجسده في فوضى لا تطاق. يقول موراكامي: "إدارة النادي كانت تطلب مني عملا بدنيا كبيرا، لكن ما إن بدأت أجلس على المكتب وأكتب طوال اليوم حتى بدأ وزني يزيد. كنت أدخن أيضا كثيرا ستين سيجارة في اليوم. أصابعي صارت صفراء وفاح من جسدي رائحة الدخان؛ لا يمكن أن يكون هذا جيدا". وأعدت الاتزان لحياتي مرة أخرى عبر شيئين: اتباع روتين صارم، والجري كل يوم. ولم أجد حلا أفضل من اتباع روتين منضبط والالتزام به لتنساب إيقاعات أيامي في يسر وتناسق.

وقد تبدو كلمة "الروتين" في حد ذاتها للوهلة الأولى كلمة باعثة على الملل والرتابة، لكنها إذا ما أُحسن تطبيقها تعطي كلًّا منا الفرصة كي ينظم مهام يومه بشكل فعال، دون أن يغرق في فوضى المهام المتأخرة التي يوقعنا فيها ترك الأمور تسير بلا نظام، فأن تكون قادراً على خلق روتين إيجابي هو نوع من الاستثمار الذاتي ووسيلة لحثك على إعطاء أفضل ما لديك. هذا الروتين قد يجعلك أكثر تنظيماً وقادراً على المضي قدماً، حتى في الأيام التي تشعر فيها بأنّك عاجز عن فعل أي شيء.

وتذكَّر دائما.. نحن ما نفعله باستمرار؛ لأنك حينها تخلق لنفسك عادة وليس هناك شيء أقوى من أن تمتلك عادة. لذلك إذا أردت أن تكون شخصا ناجحا، فعليك وضع روتين يومي منظم وفقا لأولوياتك ومهامك اليومية، تمزج فيه ما بين العمل وما بين حياتك الخاصة بشكل متناغم.

تعليق عبر الفيس بوك