الصلتي يواصل البحث عن ذاته في "وكنتُ أحفر في صدري".. ويلاقي ابن الملوح بين أبياته

الرؤية- ذكرى بنت راشد الهنائية

صدر عن مؤسسة دار اللبان للنشر، ديوان "وكنتُ أحفر في صدري" للشاعر طلال الصلتي، وهو الثاني للشاعر ويمثل امتداد للديوان الأول الذي حمل عنوان "تعال ننزع وجهك"، إذ يواصل الصلتي قراءته لتأملات الحياة، مقلبا ذاته فيها، ليقدم لمتذوقي القصيد تجربة شعرية فريدة.

A4252F41-10D4-4809-A830-ABA9BF1D1AFC.jpeg
 

"الرؤية" التقت الصلتي في حوار ثقافي شعري، للوقوف على تجربته الشعرية، وتسليط الضوء على جوانب من ديوانه الصادر حديثا.

وإلى نص الحوار...

من طلال الصلتي؟ وكيف عثر على ذاته الحائمة في الشعر؟

أرى في نفسي الإنسان البسيط العفويّ، الذي لطالما أحبّ الشعر في صغره، وشغف بقراءته كثيرا، فكانت أولى إرهاصاتي الشعرية في عام 2008.

 

رغم حداثة مسيرتك، إلا أن أبياتك الشعرية تنم عن شاعر من الزمن الجميل يعود إلى المستقبل.. فما العوامل التي شكلت التجربة الشعرية لديك؟

ثمة عاملان يشكلان الذات الشاعرة، الأول تجربة الشاعر الحقيقية نفسها وتجلي ذات الشاعر عبر التجارب الحياتية التي مرّ بها، علاوة على الظروف المعيشية التي عاصرها، والمواقف التي خاضها، والشخوص الذين التقى بهم والتقوا هم به، ومدى انعاكس ذلك على ذاته، وفي النهاية كيف اختمرت تلك التجربة الإنسانية وكيف يُطل من خلالها على العالم، فذات الشاعر هي نافذته الكونية!

أما العامل الثاني فيتمثل في تجربة الكتابة والتي تهذبها القراءة ويصقلها الاطلاع، لكن ينبغي على أي شاعر أن يمثل ذاته ويعبر عنها لا أن يعبر عما يقرأه، فيقع في فخ تكرار الآخرين ونسخ سابقيه.

 

في أحد الحوارات التلفزيونية ناديت بعدم التكرارات الذاتية في قول الشعر وتشابه الأشعار، كيف جسّدت المعنى ليظهر في حلة جديدة مميزة؟

أحاول أن أمثل نفسي دائما ولا أتوجه لما ينأى إليه الشعراء في جعل تجربتهم الشعرية مبنية على المقروء، إذ إن الأصل أن تكون مبنية على الواقع المُعاش.

 

ما ملمح التجديد الذي أدخلته إلى شِعرك؟

التجديد يتمثل في التعبير عن الذات الإنسانية المختلفة؛ فكل واحد يتفرد بذات مستقلة عن غيره، ولا يكون التجديد في اللغة والقالب.

 

فكرة التقاطعات في ديوان "وكنتُ أحفر في صدري" توحي بتمسكك بتقليد الآباء في الأمثال والترانيم والأشعار وهي مقاربة أيضا لفكرة الأوجه في ديوانك الأول "تعال ننزع وجهك".. كيف مزجت التقاطعات مع فكرة المجموعة الشعرية التي تقدمها في الديوان الجديد؟

وقع اختياري على فكرة التقاطعات لأجد ذاتي؛ حيث وُجدت هذه الذات من تقاطعات لأشخاص كُثُر، والآخرين الذين تقاطعوا معي هم الذين كان لهم أثر كبير في بنائي كذات وبنائي كشاعر.

وفكرة التقاطعات مقاربى للفكرة الأولى، فلو ركزنا على غلاف الديوان الجديد سنجد رجلا ذي ملامح مُعتمة ومشتت الفكر والتوجه، وكل الأوجه والتقاطعات والزوايا والجهات والوجهات ليست سوى تجمعات تلتقي في نقطة واحدة؛ وهي ذات الشاعر الإنسان.

فكلما حفر الإنسان في صدره يخرج له أمه وأبوه وجده وذويه ومواقفه؛ فكل القصائد هي قطع ذهبية ماسية وجدتها أثناء الحفر ثم رصصتها ونظمتها في عقد لؤلؤي، وهو هذا الديوان الذي يعد تجربة ذاتية شعورية.

 

قلتَ إنك تفضل شعر العملاق حسن المطروشي الذي تصفه الباحثة فتحية السيابية في حوار أجرته لها جريدة عُمان في دراستها لشعره "غادرت قصائده ما هو مألوف وتوغلت عميقا للإمساك باللحظات الهاربة، واتسمت بالغموض، غير أنه غموض شفاف يتيح للمتلقي مفاتيح للكشف عن أجواء تجاربه".. ذلك ما أراه جليا جدا في نصوصك التي تجد فيها المعاني سهلة وممتنعة.. ما ردُك؟

دائما أكتب بنمط الوضوح الخفي والغموض الواضح؛ حيث إن مدرسة الشاعر المطروشي قريبة لي وانتهجها، والمدارس التي أفضلها هي التي تتبع منهج الشعر الواضح الخفيف السهل الممتنع الذي يصل لجميع الفئات المجتمعية.

 

ما المواضع الذي يختلف بها هذا الديوان عن سابقه؟

لا يستطيع شاعر إلا أن يكون امتدادا لنفسه، ففيه أواصل سرد الذات والبحث عنها، لكن هذا الديوان تفرد في كونه أكثر نضجا من خلال المعاني المطروحة، ونضج التصورات عن الذات والآخرين، وعن الحياة ونضج طريقة التعبير؛ فقد كتبته في الفترة بين عامي 2015 و2020، أي أن الأمر استغرق 5 سنوات كاملة.

 

الطبيعة حاضرة في الحقل اللغوي لقصائدك؛ فنجد النخلة والجبل والقرية والبحر وغيرها من مصطلحات الطبيعة.. كيف ساهمت الطبيعة في تحديد رؤاك الشعرية؟

أتمثل في نصوصي ما أراه، فالبيئة التي أكون موجود فيها أدخل بعضا من مفرداتها في ما أكتبه فمثلا عندما أكتب عند الشاطئ تتمثل ألفاظ الأشياء التي أراها في الشاطئ.

فغالبا ما يكون تأثري باللحظة أكثر من المكونات؛ أي تأثير لحظي لما أراه  وما يقوقعه الشعور في داخلي ويثير معه العاطفة.

 

ذكرت في ديوانك قيس بن الملوّح.. ما سبب اختياره وتفرده بهكذا محاوره؟

محاورتي مع قيس بن الملوح الذي ينظر إلى الحب بمنظوره المثالي، وأنا أنظر له بمنظور وفكر منهدم، ويوجد في الديوان ما يؤكد هذا المعنى من جهتي في نص آخر اسمه حيرة أقول فيه: "لا في الوجود أنا ولا في العدم، رفعت معنى الحب حتى انهدم"، فأقول في محاورتي لقيس إنك تتوهم معاني الحب وما يتعلق به ولو أنك كنت مع ليلى وحظيت بها لما قلت هذا الشعر.

تعليق عبر الفيس بوك