فاطمة الحارثية
من أخفض نقطة على أرضها الغنية كهف الجن، إلى أعلى قممها الشامخة جبل شمس، من أريج شمالها إلى لبان جنوبها، من خيرات بحرها إلى سلام صحرائها، نزهو بك يا جنة على شبه الجزيرة العربية عُمان.
ولج صيتك منذ فجر الحضارة الحديثة أركان الأرض، ودنت إليك دول العالم تقربًا وسعيًا للقرب من سلامك وأمنك وفضلك الفائض على الإنسانية والنقاء، وأتاكِ طالب العلم والعُلا ليقتد بكِ وينهل من ينابيع ثقافتك وحضارتك، لا تشبهين أحدًا يا درة خُلقت في تميز يزهو بها كل من زارها، ويلهج اللسان شعرًا ونثراً شاهداً على جمالك، يا مزون الخليج ومجان التاريخ وعُمان العالم، صاغت حضارتك الحديثة نهجاً عُمانيا أصيلاً، وبنى صروحك أيادٍ عمانية وعربية وعالمية، الكل كان ومازال لك قرة عين؛ منذ فجر الحكمة ازدانت أرضك الأبية بالأصالة والعراقة، يا قبلة للسلام الدولي ومكتبة للحكمة السياسية والعلاقات الإنسانية، ترفرف راياتك على صُرُح ومنابر دور الوحدة الدولية، من منظمات ومجالس ومراكز ومؤسسات واتحادات وصناديق ومصارف ووكالات، وغيرها من الكيانات التي تمثل الكيان الاجتماعي والإنساني والاقتصادي.
بالأمس كانت الحاجة إلى وجود بنية ثابتة، نرتكز عليها في علونا وبناء نهضتنا أمر لابد من الاشتغال عليه لنكمل المسير بثبات، كان البناء متزامنًا مع رؤيتنا لحاضر وغد مُتوافق ومتجانس "الاستدامة" للحيلولة دون شقاق يُؤخر المسير، كان لابد من لبنة قوية تحتوي القادم والمستقبل، وقادرة على رفع الركائز الهامة، سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي، من نبذ التعصب والقبلية، وتوفير الرعاية الصحية، إلى الوحدة الاجتماعية والانصهار الإنساني، ومن الاحتكار الجرافيكي والتبادل التجاري المحدود، إلى الانفتاح والتوسع الاقتصادي العالمي، ولقد شهدنا الكثير من العُمران والنمو، فلقد شُيدت المصانع والمراكز والمؤسسات والشركات، وأُقيمت قبلها الهيئات الإدارية والأنظمة السياسية والقوانين، ليكون باستطاعتنا الانتقال من مرحلة الأساس إلى الوجود الراسخ والحصاد، تمت التهيئة وحان وقت التجديد، لمواكبة فصول الحضارات ومتغيراته، بما يناسب الوقت الراهن، وبما يُحقق الرخاء للمستقبل على المدى القريب والبعيد. لم يعد هناك متسع للأحلام، بل للرؤى والجد في تحقيق تلك الرؤى، بما يُحقق طموح العُماني واستثمار الموارد العمانية بالشكل الأمثل، لبلوغ مبتغانا، وأهدافنا ودون أن نشبه أحدًا، أي بعيداً عن التقليد الأعمى والتكرار، لسنا كأي أحد ولن نكون، فمنذ الأزل كانت عُمان أرضاً فريدة من نوعها، وشعبها شعب راسخ الفكر والأدب والقيم والخُلق وحكيم.
إننا لا نرى في عُمان الغد مسائل تتكل على الوقت لتتم وتكتمل، بل نرى سواعد لا تكل ولا تمل وقرارات تدعم تلك السواعد بقيادة حكيمة وإرشاد سديد؛ مُمثلة في الرؤية الفردية التي نستنير بها كأعضاء من شعب قادر وعازم، على توحيد تلك الرؤى الفردية وتجميع الأهداف لبلورة أهداف الوطن التي بها نُحقق الحاضر ونقود المستقبل، هكذا تُرى الأمور وليس غير ذلك، نرى اقتصادا ذكياً ينشأ ويتكئ على مؤسسات وشركات ذكية، يعي التوازن بين الحاجات المُختلفة الحاضرة له ولأبناء الوطن والمقيم، يُدرك من خلال خطط واضحة أنَّ ثمَّة كوادر قادمة بإمكانيات مختلفة، وقدرات متعددة لتعزز خططها الطويلة الأمد وتعتمد أساساً على ذلك في استراتيجياتها، نرى مؤسسات تعليمية تعمل بخطى واضحة قوية، وليس على حياء وتململ، بل تدرك الحاجة الإنسانية والسوقية، وتوجه القوى الصغيرة التي تتولى أمورها، نحو تلك الآفاق بجد واجتهاد، نابذة الروتين والوقت الطويل المُهلك، فتلقي العلم ليس بطول الوقت -ما بين 14 إلى 20 سنة- بل بالتقدير الفكري، والذكاء المُقيم والاستثمار السليم للعقول، بمنظومة تخدم المجتمع وتُحقق الطموح. أرى مؤسسات تدرك العجز والفجوات وتعلم كيف تعالجها، والبعد الذي يؤدي إلى الاستفادة منها واستثمار كل ما هو سلبي ليأتي بخيره، هذا ليس حُلماً أفلاطونياً بل هي رؤية من مكونين أساسيين فقط استثمار "الكوادر والموارد" وهذا ليس بالصعب ولا المُستحيل.
جسر...
حفظنا الكثير على مقاعد الدارسة، لكننا لم نفهم لماذا وجب أن نمضي سنوات طوال لنتعلم، بل وسخطنا على سنوات التعليم أثناء البحث عن الوظائف، ولماذا تمَّ تلقيننا أننا نتعلم من أجل وظائف بأجور عالية؟، وليس من أجل أن نبني لشعبنا والنَّاس من حولنا حياة الكرامة والرخاء، كانت الأنا حاضرة بقوة وليس "نحن" أما حان وقت التغيير والتجديد؟.
علينا النظر إلى البصمة الحقيقية النافعة التي نضعها في عملنا وليس ما نأخذه، فعُمان تستحق.