مسقط - الرؤية
حلَّ مَعَالي الوزير المتقاعد يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية سابقا، ضيفا على الجلسة الحوارية التي نظمتها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس -ممثلة في جماعة التجارة، مجموعة العلوم السياسية- تحت رعاية صاحب السمو السيد الدكتور فهد بن الجلندى آل سعيد رئيس جامعة السلطان قابوس، وذلك ضمن ملتقى العلوم السياسية الرابع بعنوان "السياسة الخارجية العمانية خلال الخمسين عاماً الماضية"، وأدار الحوار الدكتور المعتصم بن محمد المعمري خريج ماجستير العلاقات الدولية والدراسات الأمنية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وطبيب في الطب السلوكي.
وألقى الدكتور المختار العبري عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، كلمة؛ قال فيها: "يسرنا في ذكرى افتتاح كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في العام 1993 على يد مؤسس هذه الجامعة وصانع مسيرتها السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- أن نستضيف شخصية بارزة خلال مسيرة النهضة المباركة، والتي أسهمت بشكل كبير في صياغة السياسة العماني". وأشار إلى أن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية حققت خلال السنوات الماضية العديد من الإنجازات المهمة في سبيل تحقيق رؤيتها لتكون وجهة دولية مرموقة للتعليم المتميز في إدارة الأعمال والاقتصاد والعلوم السياسية، كما تسعى الكلية من خلال مخرجاتها ودورها الفاعل في المجتمع إلى بلورة التطلعات التي اختطها جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- لتحقيق رؤية عُمان 2040.
وبدأ بن علوي حديثه قائلا: "لا بد أن المشاعر التي نشعر فيها ونحن نستعيد مسيرة خمسين عامًا، لا يمكن أن نقارنها بشيء كان قبل أو كان بعد"، مشيرًا إلى أنه التقى السلطان قابوس -رحمه الله-لأول مرة في شهر أكتوبر 1970، أي بعد ثلاثة أشهر من توليه السلطة". ويضيف معالي يوسف بن علوي: "لم نكن نعرف جلالة السلطان قابوس من قبل ولكنه -رحمه الله- كان يعرفنا قبل أن نعرفه، وكانت البلاد في حاجة إلى كل يد وعقل، وإلى كل ما يملكه الإنسان العماني لدعم سياسة السلطان الجديد. ولكنَّ الصورة لم تكن بتلك القتامة التي كان يتحدث عنها الناس، فجوارنا كان أيضًا في نفس الحالة، الخليج عموما، ولم يكن حال عمان في ذلك الوقت استثناء؛ لكن ما شكل صعابًا على القيادة العمانية أن طبيعة البلاد تختلف عن طبيعة بلدان الجوار".
وتحدَّث معالي يوسف بن علوي عن الطريقة التي قاد بها السلطان الراحل البلاد؛ حيث إنه -رحمه الله- شكل فكرة كاملة في ذهنه كيف يريد أن يرى عمان، وكيف يريد أن يرى شعب عمان وشبابها، وأضاف "في 1971 أمر -رحمه الله- بوفد الصداقة لعمان بعمل زيارة لكل الدول العربية، وكان جلالته يرى أن هذا واجبا على القيادة العمانية أن تعرف بنفسها على إخوانها وجيرانها، وكانت رحلة جيدة تم استقبالها بترحاب كبير، وأبدت كل الدول التي زارها الوفد استعدادها للتعاون واستعدادها لدعم النهضة في عمان؛ وبالتالي سوف يكتب العمانيون هذا التاريخ بفخر كبير".
وذكر معاليه: "لم تكن في عُمان تعقيدات في المجتمع حتى تنعكس على قدرة البلاد أن تتعايش مع جوارها، أو أن تتعاون مع غيرها من دول العالم. كان لدى جميع العمانيين اليقين بأن هذا عصر ذهبي بدأ، وأن على الجميع أن يعود بما لديه من خبرة ليُسهم في بناء البلاد، وكانت الاستجابة مبهرة لنداء السلطان قابوس -رحمة الله عليه- والحافز كان بناء الوطن وليس الحصول على مصالح". وتابع بن علوي القول: "خلال الخمسة عقود الماضية كانت رسالة عمان رسالة سلام ورسالة مودة، وعمان أصبحت بعد سنة من تولي السلطان قابوس -رحمه الله- الحكم عضوا في الأمم المتحدة، ووثائق الأمم المتحدة أكدت على احترام الجوار وعدم التدخل في الشؤون الخارجية والتعاون المفيد بين الشعوب، وعمان بدورها تفاعلت مع هذه المبادئ الأساسية في دستور الأمم المتحدة. وتوالت بعد ذلك كذلك منظمات كثيرة تابعة للأمم المتحدة، ونحن استفدنا منها، وظهرت عمان على الساحة الدولية من خلال هذه الفعاليات والتعاون مع منظمات الأمم المتحدة كلها بدون عوائق وبدون أية مشكلات تعكِّر صفو هذا التوجه الصافي في عمان. وسارعت عمان لفتح السفارات".
ولفتَ بن علوي إلى أنَّ كل المشكلات التي كانت تظهر في عمان حُلَت على مبدأ الصداقة والمودة والتعارف؛ حيث إنَّ كلَّ من شارك من أبناء محافظة ظفار في تلك الفترة الزمنية في الحرب تحولوا إلى قوة سميت بـ"قوة الفرقة الوطنية" للعمل على نقل عمان من حالة المواجهة إلى حالة العمل المفيد بين جميع الناس. وأضاف: "العماني بطبيعته إنسان مسالم، هذا ما شاهدناه وما شعرنا به وما شاركنا فيه".
وفي مسألة العلاقات الخارجية، صرح معالي يوسف بن علوي قائلا: "الواقع يبرز للآخرين مسلك هذه الدولة الفتية في تصرفاتها على المستوى الإقليمي أو المستوى الدولي، فعُمان لا تتدخل في شؤون الآخرين، وعلى مسافة في كل الصراعات بين الدول، لكن عندما يتم طلب الرأي من عمان يكون الرأي صادقا، ومتى ما كانت هناك فرصة لأن تساعد عمان في رأي فإنها تعطي للناس قناعة بأن هذا هو الطريق الذي ينبغي أن تسلكوه. وهذا حصل بصورة واضحة والجميع شهد ذلك، رغم أن بعض الأشقاء يرون في موقف عُمان التقاعس أو عدم دعم لموقف معين، لكن مع الأيام يعودون إلى ذلك الرأي، فنحن نحتفظ برأينا المؤسس على العدل والحق إلى أن يأتي الوقت المناسب". وأشار بن علوي إلى أن هذه هي السياسة المتبعة، مضيفًا: "أذكر في أول مؤتمر عقد لسفراء السلطنة في الخارج والتقاهم جلالته -رحمه الله- أوصاهم بأن يعملوا على بناء صداقات وأن يتجنبوا خلق المنافسات أو خلق الشعارات أو الدخول في مثل هذه الأشياء التي لا تتفق مع سياسة السلطنة الخارجية".
وعن العهد الجديد، قال معالي يوسف بن علوي: "كما أعلن جلالة السلطان هيثم بن طارق في خطاب التنصيب أن عُمان نهضة متجددة، وهكذا أيضا العلاقات الخارجية ستكون متجددة بآلياتها ومبادئها، في حين ستبقى المبادئ الأساسية ثابتة لن تتغير وهي الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والتعايش مع الناس". مضيفًا: "حتى هذه اللحظة عُمان مكانتها لم تهتز حتى بالطريقة التي تم خلالها انتقال السلطة، هذه الطريقة لا تحصل في أي مكان، وهذا دليل على أن هذا البلد بلد قوي وعاقل يستطيع أن يواجه أحلك الظروف بالحكمة والفكر، وهذه ثروة هائلة عند العمانيين".
وفي الأخير، قدم معالي الوزير المتقاعد يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية سابقا، نصيحة للطلبة المنخرطين في دراسة المجال السياسي قائلا: "ينبغي أن يكونوا هادئين، وأن يعطوا أنفسهم فرصة من التأمل والتفكير، وأن يقرأوا كثيرا عن الموضوع الذي هم في صدده، وأن لا يترددوا في أن يسألوا".