15 دولة تتجمع في أكبر اتفاقية تجارية عالمية متعددة الأطراف

"الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة".. انتصار للنفوذ الصيني آسيويا و"انتكاسة" جديدة لأمريكا

ترجمة - الرؤية

قالتْ صحيفة "ذي إيكونوميست" البريطانية إنَّه يحقُّ للدول الآسيوية الخمسة عشر، التي وقعت أمس الأول على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، تهنئة نفسها على تحطيم الأرقام القياسية؛ إذ تعدُّ أكبر اتفاقية تجارية متعددة الأطراف في العالم؛ فهي اتفاقية تجارة حرة تجمع 10 دول أعضاء برابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" إلى جانب الصين واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلند، وهم أعضاء في اتفاقية التجارة الحرة.

وكان من الممكن أن تضم الاتفاقية عددا أكبر من الدول، ما لم تنسحب الهند قبل عام. فبعد ثماني سنوات مما وصفه وزير التجارة الماليزي محمد عزمين علي بـ"التفاوض بالدم والعرق والدموع"، حققت الدول الأخرى انتصارًا للتعاون الإقليمي في وقت دمر فيه فيروس كورونا الاقتصاد العالمي. لكنَّ الآراء تختلف بشدة حول أهمية هذا الإنجاز؛ حيث يرى البعض أن تلك الشراكة "غير طموحة إلى حد كبير"، وأنها رمزية إلى حد كبير. بينما يرى آخرون أنها "لبنة مهمة في نظام عالمي جديد"؛ حيث تحتل الصين الصدارة في جميع أنحاء آسيا.

وانسحبتْ الهند بسبب مخاوف من إغراق صناعتها المحلية بالواردات الصينية. وأعاق ذلك المأزق الرئيسي إمكانية التوصل إلى اتفاق. لكن نظرًا لأن الهند كانت ستصبح ثالث أكبر اقتصاد في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وهي طرف في عدد قليل جدًا من الاتفاقيات التجارية الثنائية، فإن مغادرتها الاتفاقية حرمتها من بعض مزايا فتح السوق الرئيسية. ولا يزال الباب مفتوحًا أمام الهند للانضمام، لكن في العام الماضي تدهورت علاقاتها مع الصين على عدد من الجبهات. وعبر ليو زونجيي -وهو أكاديمي صيني يكتب في صحيفة الحزب الشيوعي "جلوبال تايمز"- بشماتة عن أن الهند فوتت "فرصتها الأخيرة للاندماج في العولمة".

وتتداخل عضوية الشراكة مع عضوية اتفاقية تجارية إقليمية كبيرة أخرى، وهي الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP). وكانت تلك الصفقة، التي وقعتها 11 دولة في 2018، تسمى في الأصل "الشراكة عبر المحيط الهادئ"، وكان من المفترض أن تشمل أمريكا، لكن الرئيس دونالد ترامب انسحب بمجرد توليه منصبه في 2016. وخلال مرحلة التفاوض حول الاتفاقيتين، رفض المسؤولون الأمريكيون بشكل متعجِّل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة RCEP؛ باعتبارها اتفاقية غير مواتية، تركز على الرسوم وإجراءات تيسير التجارة الأولية، على عكس اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، مع تغطيتها لمجالات مثل البيئة ومعايير العمل وقواعد الشركات المملوكة للدولة.

ويبدو أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة كانت أقل طموحًا، كما هو متوقع من اتفاقية يتراوح موقعها بين الدول الثرية جدًا، مثل اليابان وسنغافورة، إلى الدول الفقيرة جدًّا، مثل لاوس وميانمار. وتلغي الاتفاقية، حسب التقديرات، حوالي 90% من الرسوم، لكن فقط خلال فترة 20 عامًا بعد دخولها حيز التنفيذ (الأمر الذي سيتطلب من جميع البلدان الخمسة عشر التصديق عليها). كما أن تغطيتها للخدمات غير مكتملة ولا تمس الزراعة. فاليابان، على سبيل المثال، ستحافظ على فرض رسوم استيراد عالية على بعض المنتجات الزراعية "الحساسة سياسيًا" (الأرز والقمح ولحم البقر ولحم الخنزير ومنتجات الألبان والسكر)، والتي يتم قطعها بموجب اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ.

لكن الاتفاقية تفتح آفاقًا جديدة في تنسيق أحكام قواعد المنشأ المتباينة في مختلف اتفاقيات التجارة الحرة لرابطة أمم جنوب شرق آسيا "آسيان"، مع وضع قواعد المحتوى الإقليمي بحيث يمكن الحصول على السلع الوسيطة من أي من البلدان الخمسة عشر. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن يكون لها تأثير اقتصادي ملحوظ.

وتستشهد ورقة بحثية من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أعدها بيتر بيتري ومايكل بلامر بالنمذجة التي تظهر أنها سترفع الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام 2030 بمعدل سنوي قدره 186 مليار دولار (مقارنة بمكاسب قدرها 147 مليار دولار من الاتفاقية الشاملة والمتقدمة للشراكة عبر المحيط الهادئ). وتقول الورقة البحثية إن الفوائد ستكون كبيرة بشكل خاص بالنسبة للصين واليابان وكوريا الجنوبية. كما ستعزز الجهود التي تبذلها تلك الدول الثلاث للتوصل إلى اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية الخاصة بها، والتي كانت قيد التفاوض منذ فترة اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة والتي تغرق في الاتهامات السياسية المتبادلة.

وسوف تستفيد الصين من نواحٍ أخرى أيضًا؛ فبالانضمام إلى أول اتفاقية تجارية متعددة الأطراف لها، يمكن أن تقدم بكين نفسها على أنها ملتزمة بتحرير التجارة في وقت تبدو فيه أمريكا منفصلة نسبيًا عن المنطقة، وتخوض حربًا تجارية مع الصين. وأبدى لي كه تشيانج رئيس وزراء الصين ابتهاجاً ​​بالتوقيع على الاتفاقية، واصفاً إياها بأنها "انتصار للتعددية والتجارة الحرة"، وبشكل أكثر غرابة "بصيص من الضوء والأمل وسط الغيوم".

وترى "ذي إيكونوميست" أنه على المدى الطويل، سيشعر بعض أعضاء الاتفاقية بالقلق أيضًا من الانجراف إلى عالم قد تهيمن فيه الصين الاقتصادية والسياسية والعسكرية على آسيا. ولهذا السبب -وحسب الصحيفة- يأمل الكثيرون في "آسيان" أن تعود أمريكا تحت قيادة جو بايدن إلى المشاركة بنشاط أكبر في المنطقة، إذ كان ذلك السبب وراء السعي الحثيث من جانب إدارة أوباما لتوقيع اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. لكن يبدو من غير المحتمل أن يحاول بايدن إدخال أمريكا في الاتفاقية، فلديه العديد من المعارك الأخرى ليخوضها، وستستمر آسيا في إعادة التشكُل بفعل الثقل الصيني المتزايد والإهمال الأمريكي لهذه المنطقة.

تعليق عبر الفيس بوك