كتاب جديد يرصد "مآلات الأيديولوجيا والاقتصاد"

"كورونا" يرسم ملامح نظام عالمي جديد ومختلف.. ومحور "بكين- موسكو" يكتب نهاية "الهيمنة الأمريكية"

 

الجزائر- العمانية

يأتي كتاب "عالم ما بعد جائحة كوفيد 19.. مآلات الأيديولوجيا والاقتصاد"، في مرحلة تعيش فيها البشرية جائحة هي الأولى في القرن الحادي والعشرين.

وتتقاطع في الكتاب الصادر عن دار ميم للنشر، عدّة علوم، أهمُّها التاريخ، والفلسفة، والاقتصاد، والسياسة والاجتماع، وتثير محتوياته الكثير من الأسئلة حول العالم بعد الجائحة. ويؤكد المؤلف عثمان عثمانية لوكالة الأنباء العمانية، أنّ هذه الجائحة غيّرت العالم، وخلقت "وضعا عاديّا" جديدا، وأن التغيُّرات المرتبطة بها تتعدّى التأثيرات المادية التي نحسُّ بها في حياتنا اليومية، كارتداء الأقنعة، والالتزام بالمعايير الصحيّة، إلى أسلوب الحياة، كالأفكار والأيديولوجيا. ويسلّط الكتاب الضوء على التحوُّلات التي يشهدها العالم اليوم، موضحًا أن أولى ضحايا الجائحة هي العقيدة النيوليبرالية، التي كان يُعتقد إلى زمن قريب أنّها وراء النجاح الاقتصادي الذي حقّقه الغرب منذ ثمانينات القرن العشرين. لكنّ السعي المبالغ فيه إلى تحقيق الأرباح وجّه عمل الأنظمة الاجتماعية والصحيّة ومؤسّسات البحث نحو الأنشطة المدرّة للأرباح فقط، لكن الجائحة عرّت هذا الواقع، فلم يكن بمقدور تلك الدول أن تتحمّل عدد الإصابات المتزايد، ولا أن تجد حلولا مختلفة عن تلك التي لجأت إليها الدول أثناء جائحة الأنفلونزا الإسبانية قبل قرن من الزمان.

كما إنّ إجراءات الإغلاق والحجر الصحّي التي طالت قطاعات عدة مثل السياحة والنقل، أدّت بحسب المؤلف إلى إفلاس الكثير من الشركات، ما يضطرُّها لقبول المساعدات وحزم الإنقاذ الحكومية، التي ستتدخل أكثر في عملها، بما يتعارض وأسس النيوليبرالية.

ويرى عثمانية أن العولمة ومناصريها، أو أيديولوجيا العالمية، تواجه هي الأخرى "أسوأ كوابيسها"؛ فمنذ البداية أغلقت الدول حدودها، وتحوّلت "القرية العالمية الصغيرة"، المترابطة، إلى جزر متباعدة ومنفصلة، فضلا عن الجائحة أثبتت أن "سلاسل القيمة" التي تعدّ أهمّ محرّكات العولمة للقرن العشرين، قد تصبح مكلفة، مثلما حدث لشركات مثل "هيونداي" الكورية الجنوبية التي توقّفت عن العمل جرّاء توقُّف إمدادات مدخلات إنتاجها.

ومن هنا، لا مفرّ، كما يرى المؤلف، من نظام عالمي جديد يختلف عن ذلك الذي نتج بعد الحرب العالمية الثانية، وتوطّد بعد الحرب الباردة، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد، لأنّ هذه الجائحة أعادت رسم الخريطة الجيوسياسية من جديد؛ فالصين تتقدّم بخطى ثابتة نحو الريادة، مُحوّلة العالم إلى متعدّد الأقطاب يُعلن فيه محور (بكين-موسكو) نهاية الهيمنة الأمريكية. ويوضح المؤلف أن الجائحة بينت أنّ الحوكمة العالمية الحالية عفا عنها الزمن، وما كان صالحا لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد صالحا الآن، وأن المسائل التي تواجه الإنسانية في مجموعها، مثل التغيُّرات المناخية والتهديدات النووية، والجائحة أهمُّها اليوم، تتطلب تنسيقا دوليا يفترض أن تؤدّيه المؤسّسات فوق الدولية، كالأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، التي أكدت الجائحة أنّها أسّست لعالم غير هذا العالم، ووفق موازين قوى مختلفة عن الموجودة اليوم.

ولعلّ أحد أبرز آثار الجائحة الأكثر وضوحا، وفقًا للكتاب، تسريع التحوُّل نحو التكنولوجيا، خاصة الحلول التي اتّضح تزايد استخدامها خلال الفترة الراهنة، مثل الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، ومنصّات التواصل، والتعليم عن بُعد. ويؤكد المؤلف أن الجائحة سرّعت من تبنّي هذا التوجه، ووضعت الشركات التي تعمل فيه في مرتبة عالية، بحيث أصبح هذا القطاع هو أكثر القطاعات استفادة من هذه الأزمة، على اعتبار أنّ الاقتصاد العالمي تضرّر كثيرا جرّاء تراجع الطلب والإغلاق الاقتصادي الذي طال الكثير من القطاعات؛ فمعدّلات نموّ الاقتصاد، خلال الشهور الأولى من عام 2020، جاءت كلُّها سالبة تقريبا، ومعدلات البطالة ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة، وأسعار النفط تراجعت بشكل كبير، وأصبح الركود نتيجة لا مفر منها.

ويرى المؤلف في هذا السياق أن الركود الذي تحدث عنه الكثيرون، على غرار الحائز على نوبل "كينثر وغوف"، وذهبوا إلى أنه "الأسوأ في التاريخ"، لن يحدث، موردًا مجموعة من الحجج التي تدلُّ على ذلك.

تعليق عبر الفيس بوك