خُور روي

طفول سالم

مال برأسه ليرى خطيبته مودعاً، ثم أغلق الباب متمتما: "الحياة لا تثبت على حال، كأنها لفظت اسمك ليقع على الأرض ‏ويتبعثر".

لم يكن يظن أنَّها ستكون نظراته الأخيرة لها.. انتظر صديقه مسلم الذي رافقه منذ طفولته، فقد حصلا على وظيفة لم يكن ليحلما بها يوما؛ الراتب فوق الـ600 ريال؛ وعليهما أن يحرسا في مكان ناء بعض "مكائن" شركة تعمل في الحفريات هناك؛ لم يكن عليٌّ على معرفة بالمكان؛ فقد قرر مسلم أن يتركه يواجه الأمر الواقع؛ فهو يعلم أنَّه جبان، ولن يوافق أن يذهب معه ولو دفع له مليون ريال.

نَزَل علي مذهولا عندما وجد نفسه واقفا على حافة وادي خور روري؛ يراقب الأفق البعيد ويحدق بالرمال الفضية؛ يظن للوهلة أنها فضية لفرط لمعان حبيباتها تحت أشعة الشمس الساطعة، نادى على صاحبه مستغربا: ماذا نفعل هنا يا مسلم؟". ابتسم مسلم ورمقه بنظرة خاطفة وحاول ألا يرد عليه؛ نزل علي مندهشا إلى الشاطئ عند ملامسة قدميه للرمال رآها سوداء كظلام الليل المعتم، هل تخدع الرمال العيون وانعكاسها الغريب، هذا ما يتحدث عنه الأهالي في ذلك الجزء المخيف الذي لا يقترب منه أنسي على الأقل.

نزلَا إلى أن وصل علي عند مكان الحراسة، ولا يعلمان سبب حراستهما في تلك البقعة البعيدة عن الناس، سوى أنه عمل مربح لرفض الكثير الحراسة فيه، أمسك حفنة من الرمال وقال بصوت جهوري: "انظر، إنَّها رمال سوداء، فكيف نراها فضية.. هاه"، ورماها بعيدا وأخذ يصفق يديه ببعضهما إلا أن بعض الرمال التصقت بكفيه.

هزَّ مسلم رأسه متوجسا من كلام علي المستنكر: "لا بأس كلنا يرى الشيء بعينه غير؛ اهدأ ودعنا نبحث عن مكان مناسب نبيت فيه".

صرخ علي وهو يشير بيده إلى المكان: "وكيف نبيت في هذا المكان؟ هل جننت لن تغرب علينا الشمس إلا وقد هلكنا؟". نظر له مسلم بهدوء يحاول أن يطمئنه: "أغلق كل تلك المنافذ السلبية حولك، واجعل السلام ينساب لقلبك".

قد يكون المعنى الحقيقي أن تشعر برهبة في مكان مجهول؛ حيث لا يوجد فيه أحد سوى أطلال الماضي وقصص كئيبة قد تكون دموية حدثت فيه. ‏وتشعر بأنك تتحدث بكل شيء وبمعرفة كل أمر ‏دون أن تخاف من تلك اللحظة"!

هكذا تمتَم علي لصاحبه وهو يجول ببصره حول الوادي. وقف يصارع قلبه الذي أخذ يدق في الثانية ألف دقة والهواجس تتزاحم برأسه.

أشعل مسلم النار ورتَّب مكانا ليبيتا فيه، بينما علي رجع إلى السيارة وأغلق نوافذها، ناداه مسلم أن ينزل: "الأفضل أن نكون بجوار بعضنا البعض قبل غروب الشمس".

لوح علي بيده رافضا النزول. واستمرَّ على تلك الحالة إلى أن رأى شيئا يلمع على الشاطئ قبيل الغروب بدقائق بجنون دون أن يخبر صديقة ركض إليه.

وعندما مدَّ يده ليلتقطه، تحرَّكت أصابع من موجة قادمة سحبت مسلم إلى عالم مجهول فاختفى عن الأنظار.

تعليق عبر الفيس بوك