فاطمة الحارثية
وجدت النساء منذ الخليقة، أنهن راعيات لهذه الحياة، ويقع على عاتقهن استدامة الإنسان، وإبقاء التوازن مستمرًا، سواء من خلال ولادة الأطفال، أو من خلال تربيتهم وصناعة المُستقبل بما يغرسنه فيهم من قيم ومبادئ وأخلاقيات، أو الأثر الذي تستطيع منه التأثير على تشكيل الفكر والمفاهيم وحتى طرق التنفيذ، هي المولد الحقيقي لكل ما نراه من حولنا، وإن آثر الرجل أن يدعي غير ذلك، ففي هذا الشأن لم تكن هي من تقف بالقرب من الرجل بل هو من كان "الداعم الثانوي"، ومع ذلك نجدها مُستضعفة، وتجانب الانكسار، وقبول دور الحلقة الأضعف، بالرغم من مكانتها وأهميتها في كل الأمور الحياتية، من صناعة موجبات المستقبل إلى تشكيل اللحظة؛ ورغم إقبالي على قراءة الكثير من كتب التاريخ، إلا أنني لم أستطع إلى الآن أن أدرك متى بدأ تهميش دورها، والاستخفاف به، أو العوامل التي أوجدت تلك المُطالبات الحقوقية الكثيرة والمُختلفة، متى فعلياً بدأ ظلم المرأة أو انتهاك حقوقها رغم عظيم دورها؟ متى بدأ عدم النظر إليها كحقيقة؟ أو تقدير دورها كضرورة تحقق الوجود والبقاء على الأرض.
من مختلف بقاع العالم، تأتي أصوات النساء لتُطالب الرجل بإنصافها من الرجل، ألا تشعر معي أنَّ في الأمر بعضاً من اللامنطق؟ كيف نجد في معظم تلك الدول، في بعض قوانينها تمييزا غريبا بين حقوق المرأة والرجل؟ ومع ذلك تطالب تلك الدول بأن تؤدي المرأة كافة واجباتها تجاهها، ولا تتهاون في ذلك أبدًا؛ علا صوتها من أجل حق إعلان دورها في صناعة القرار، وألا يبقى رغم نفاذه هامشا مستترا، ونيل حرية قرارها في تحديد مصيرها، استجاب لها البعض، وتصدى لها البعض الآخر، ومع حقيقة أنَّ الإنسانية جمعاء، الرجال والنساء وحتى الطبيعة، يتم في كثير من بقاع الأرض انتهاك حقوقها وتتجرع ذات الآلام، ولكن للأسف لا تحدث أية ضوضاء إلا عند حاجة ما، لنجد أنَّ قضايا المرأة بحد ذاتها تُثير الجدل، والمُثير للدهشة الكفاح الذي يلمسه متابع الأحداث عن بعض الحقوق التي أساسا لها من الطبيعة، بيد أنني أعتقد أنَّ الإشكاليات تكمن في المجاهرة أو التصريح بذلك! ألا يمكن أن يأتي الهدوء بنتائج إيجابية وربما أكثر شمولية من الضوضاء والدراما!.
إن همشنا قضايا الناس الحقوقية، العديدة والكثيرة، للرجال والأطفال مثلاً، وركنا قليلا إلى بعض قضايا المرأة، يحز في نفسي، ولا أتقبل كيف تؤخذ بعضهن كسلع دعائية، لبلوغ أهداف أو ترويج سياسي أو إشغال الرأي العام، عن بعض الأحداث أو المصالح المختلفة، ولا يختلف ذلك عن الترويج المخزي للطفل، للتأثير العام في الحروب؛ وكيف يُعاب الرجل إذا ما طالب بحقوق أو تقدم بشكوى، بالرغم مما قد يكون تعرض له من أمور تستوجب استحقاق العدالة له. للمرأة فكر مُتقد يمكنها من صناعة القرار وهي تبدأ باتخاذ القرارات منذ الصغر، فهي مستشارة أبيها، وسر إخوانها، وشريكة زوجها، ومُربية أبنائها، وحكيمة أحفادها وأسرتها، وغيرها من الأدوار التي لا تنتهي والتي تضعها في جوهر صناعة القرار، وهي في ذلك عنصر حيوي لكنه يبقى يُطالب ويُطالب.
"إن المرأة العمانية تتمتع بالحرية الكافية لتأخذ دورها كاملاً وتحقق تطلعاتها سواء في مجال التعليم أو العمل المهني، والمرأة العمانية تقوم بدور مهم في مجتمعنا وسوف تستمر في النهوض بهذا الدور" جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-.
في محيطنا وبيئتنا، نجد المرأة في متابعة حثيثة لنسب زيادة أقرانها في كافة المجالات وآلية تمكينها، وهذا ما يتناوله الإعلام، وإن رفعنا الستار عن الحقيقة، نجدها في جوهر الأمور كافة - مهما بلغ حجم وضعها، أو مسماها سواء الاجتماعي أو العملي الذي هي فيه-، حقيقة أن حقها في القرار لم يقل أو يتأثر عن مقدار حق الرجل، بل المنظومة التي لدينا فيها جمال وإجلال وتكامل، فالعُماني يأتي بقرار عقله إليها لتضفي فيه قرار العاطفة والحكمة، حتى يتبلور ويتحقق النهج العُماني المتوازن الأصيل. ولقد أصبغ لها القانون أمورها ونفاذ تطبيقها لمن تسول له نفسه انتهاكها، قدرها كريم لأنها في مجتمع كريم حكيم، ولا ينفي ذلك وجود بعض الشواذ لكنها قادرة على أن تقف وتردع كل تلك الإرهاصات بما كفله لها عقلها الراجع والقانون.
-------------------------
جسر...
"إنَّ شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب، في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية، التي لا محيد عنها ولا تساهل بشأنها" صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه-.