بناء الوعي المجتمعي

حاتم الطائي

◄ تعزيز الوعي يدفعنا نحو مزيد من التقدم والإنجاز على طريق "عُمان 2040"

◄ مسؤولية وطنية كبيرة على كل فرد في المجتمع لإنجاح الرؤية المستقبلية

◄ لا وعي دون مؤسسات إعلامية تتوافر لها عناصر القوة والتأثير والاتصال الفاعل

معركة الوعي هي أم المعارك على مدى التاريخ؛ إذ لم تنجح أمَّة من الأمم في إحراز التقدم والازدهار دون تسلُّحها بالوعي الحقيقي والمعرفة التامة بمُقتضيات الواقع ومتطلبات المستقبل؛ فبالوعي نستطيع أن نحقق النجاح في كل تجاربنا، ونكتب لها الريادة على الدوام، في حين أنَّ غياب الوعي سيُعِيقنا عن التقدُّم ولو قيد أُنملة، وما نجاح مسيرة النهضة العُمانية إلا بفضل وعي المواطن واستيعابه لما هو مطلوب منه ومُلزَم به، إضافة للدَّور الذي قام به الإعلام الوطني على مدى العقود الخمسة الماضية.

وقبل أيام، انعقدتْ الدورة التاسعة لـ"منتدى الرؤية الاقتصادي"، برعاية كريمة من صاحب السمو السيد فاتك بن فهر آل سعيد المبعوث الخاص لجلالة السلطان، وهي الدورة الاستثنائية الافتراضية للمنتدى هذا العام، والتي حملت عنوان "الطريق إلى رؤية عُمان 2040". وشهد المنتدى الكثير من المعلومات والأرقام التي تُعلن لأول مرة، فضلا عن إبراز جوانب عدة من جهود إعداد الرؤية المستقبلية وما ينتظرها من تحديات، وآليات تجاوزها، إلى جانب تسليط الضوء على آخر الاستعدادات لتطبيق هذه الرؤية، وكذلك الحديث عن خطة التنمية الخمسية العاشرة التي تعد أولى الخطط الخمسية -من بين 4 خطط خمسية أخرى- المُشكلة للرؤية المستقبلية.

ولا نبالغ حين نقول إن الرؤية المستقبلية هي مشروع الوطن خلال العشرين عاما المقبلة؛ فهي تتجاوز مفهوم الإستراتيجية لتكون مشروع عُمان للعقدين المقبلين، مشروعٌ سيدفع بوطننا نحو آفاق أرحب من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية؛ فالرؤية المستقبلية لا ترتكز وحسب على الجانب الاقتصادي -وله نصيب الأسد- لكن أيضا مُرتبطة ارتباطا وثيقا للغاية بالجوانب التنموية الأخرى؛ من تعليم وابتكار وصحة ورياضة وثقافة، وغيرها الكثير. وتلك العلاقة بين التنمية الاقتصادية والتنمية المجتمعية في جوانبها المختلفة، تستلزم بناء وعي مجتمعي لطبيعة أولويات ومرتكزات الرؤية المستقبلية؛ إذ لا يجب أن يتوقف الأمر عند حدود التغطيات الإخبارية والبرامج التليفزيونية والإذاعية عن رؤية 2040، ولكن في الوقت نفسه التوسُّع في عملية التوعية، عبر أُطر وآليات مبتكرة تضمن الابتعاد عن الآليات التقليدية في التوعية!

والحديث عن دور وسائل الإعلام في بناء الوعي المجتمعي بالرؤية المستقبلية "عُمان 2040"، يفرض علينا نحن -أهل الإعلام- أن نوظِّف منصاتنا وقنواتنا ومطبوعاتنا من أجل الترويج لهذه الرؤية الواعدة، بهدف أن يُدرك المواطن أولا حجم الجهد الذي بُذل على مدى سنوات بمشاركة مختلف فئات المجتمع، وثانيا ما ينتظر مجتمعنا من تحديات ومسؤوليات تضمن تنفيذ أهداف الرؤية وفق التطلعات المنشودة والغايات المرجوة.

ونحنُ في جريدة "الرؤية"، ومنذ مطلع العام الجاري، عقدنا العزم على إطلاق مشروع توعوي متكامل الأركان للرؤية المستقبلية، ارتكَز في جوهره على تضمين محاور الرؤية وأهدافها ومرتكزاتها في مختلف مبادرات الجريدة التي نُنظِّمها سنويًّا، لكن في ظل ظروف "كورونا" تأجَّل المشروع، لكن مع تنظيم "منتدى الرؤية الاقتصادي"، بدأنا تنفيذ هذا المشروع التوعوي، الذي نسعى فيه للخروج من التصور التقليدي للحملات التوعوية عبر المنشورات المليئة بالعبارات المُعدَّة سلفا، أو مقاطع الفيديو التي تُشيد بما بُذل من جهود لإعداد الخطة، وغير ذلك. ويستند المشروع التوعوي لجريدة "الرؤية" على تقديم محتوى إعلامي ومعرفي بلغة صحفية سهلة الاستيعاب ومباشرة في مصطلحاتها، بعيدا عن التعقيدات التي تتسم بها مثل هذه القضايا ذات الطابع التخصصي.

لذا؛ فمن الضروري على مُؤسَّسات الإعلام والجهات المنظِّمة لهذا القطاع الحيوي، أن تتبنَّى فِكرا ابتكاريا في رفع مستوى الوعي المجتمعي برؤية عمان 2040، يدعمهم في ذلك مختلف دوائر الإعلام بمؤسسات الدولة، من وزارات وهيئات، والسعي لإبراز مضامين تلك الرؤية وربطها بما يتم إنجازه على أرض الواقع، خصوصا وأن تنفيذ الرؤية سيرتبط بمؤشرات قياس أداء ذكية متصلة بمنصة واحدة. وهنا دور كبير يقع على عاتق الصحفيين ودوائر الإعلام في كل وزارة وجهة حكومية؛ من خلال تنفيذ متابعة شهرية وفصلية لنتائج هذه المؤشرات، وإعلام الرأي العام بها؛ فهي من جهة تضمن تعريف المواطنين بما تحقق على أرض الواقع، ومن جهة ثانية تُشعر المسؤولين بأن ثمة رقابة حكومية ومجتمعية على ما ينجزونه من أهداف ذات صلة بالرؤية المستقبلية.

وفي هذا السياق، أيضا، لا بد لكل مواطن أن يُدرك جيدا حجم المسؤوليات الواقعة عليه من أجل تنفيذ الرؤية، فلا يظن أي مواطن أن تطبيق أهداف الرؤية مرتبط وحسب بالوزراء والمسؤولين والحكومة بشكل عام، بل إن المواطن هو العنصر الأكثر فاعلية في إنجاحها. فمثلا عندما تسعى الحكومة لتنفيذ أهداف التعمين وزيادة أعداد المواطنين في القطاع الخاص، لا ينبغي أن يظل بعض الشباب متمسكين بفكرة العمل في القطاع الحكومي، رافضا أي وظيفة في شركات ومؤسسات القطاع الخاص. وكذلك الحال فيما يتعلق بأهداف استدامة البيئة وتنويع الاقتصاد وزيادة إسهام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي، ورفع تصنيف السلطنة في مؤشرات الابتكار والتعليم والبحث العلمي، أو فيما يتعلق بالأنشطة الرياضية والثقافية...وغيرها. كل هذه الأهداف ينبغي على المواطن أن يعلم يقينا أنها لن تتحقق دون القيام بدوره الأصيل والمتأصل في هذه الرؤية المستقبلية الطموحة.

وعندما تَضَع الرؤية المستقبلية محورها الأول "مجتمع إنسانُه مبدع"، فهذا يعني أن الإنسان (المواطن) هو هدفها الأسمى، وهو ما يبرهن عن دقة المنظور الإستراتيجي تجاه كل مواطن؛ فمسيرة التنمية تمضي في طريقها مُستَهدِفة الإنسان، وجهود التحديث والتطوير تسعى لتعزيز استفادة هذا الإنسان مما هو قائم من خدمات ومشاريع.

وختاما.. إنَّ سعيَ الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" لبناء مُجتمع إنسانه مبدع، يستلزم قبل كل شيء النهوض بوعي ومعارف هذا الإنسان، والعمل على تبصيره بمختلف مسؤولياته تجاه هذه الرؤية، ومن منطلق كونه إنسانا مبدعا، فيتعين عليه الإخلاص في العمل والاجتهاد بكل ما أُوتِي من قوَّة للمساهمة في بناء وطنه؛ فتحقيق التطلعات وبلوغ الأهداف يستلزم البذل والعطاء، ولا عطاء دون معرفة، ولا معرفة دون وعي، ولا وعي دون مُؤسَّسات إعلامية تتوافر لها عناصر القوة والتأثير والاتصال الفاعل مع المجتمع، عِندئذ سنكون قد نجحنا في بناء وعي شعبنا ومجتمعنا على أسس متينة من المعارف والمسؤوليات.