◄ فاتك بن فهر يرعى انطلاق أعمال منتدى الرؤية الاقتصادي بعنوان "الطريق إلى رؤية عمان 2040"
◄ الطائي: رؤية "عمان 2040" تجسد الطموحات العظيمة لبناء مستقبل أكثر ازدهارا ونماءً
◄ المحرمي: الهدف الأسمى من "عمان 2040" توفير الحياة الكريمة والسعيدة للإنسان
◄ الزبير: قطاع الخدمات المالية يمثل العمود الفقري للاقتصادات.. والحاجة ماسة لتعزيز تنافسيته
◄ الغريبي: دور رائد لشركة تنمية نفط عمان في تعزيز ودعم الاقتصاد الوطني
الرؤية- نجلاء عبدالعال
رعى صاحب السمو السيد فاتك بن فهر آل سعيد المبعوث الخاص لجلالة السلطان اليوم الأربعاء انطلاق أعمال الدورة التاسعة من منتدى الرؤية الاقتصادي بعنوان "الطريق الى رؤية عمان 2040"، وذلك بمشاركة كوكبة من الخبراء والمختصين.
وأكد صاحب السمو السيد المبعوث الخاص لجلالة السلطان أنَّ انعقاد أعمال الدورة التاسعة من المنتدى تأتي في توقيتٍ زمني دقيق؛ إذ تستعد بلادنا للانطلاق نحو مستقبل حافل بالطموحات الوطنية، يتطلع بعُمان إلى مصاف الدول المتقدمة، كمستهدفٍ رئيسي لرؤية "عُمان 2040"، تلك الرؤية الوطنية المستقبلية التي تحظى برعاية واهتمام ساميين من لدن المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -أيَّده الله. وقال إن اهتمام جلالة السلطان المعظم بالرؤية المستقبلية، بدأ قبل أكثر من 7 سنوات عندما بدأت أولى خطواتها في رسم المستقبل الذي نُريد لعمان والأجيال القادمة، طريق يقود إلى وضع بلادنا في مراتب عُليا على المؤشرات العالمية.
واستحضر سموه إضاءات من النطق السامي لجلالة السلطان -أبقاه الله- في خطابه التأسيسي السامي، فبراير الماضي، حين قال -أعزه الله: "إننا نقف بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين على أعتاب مرحلة مهمة من مراحل التنمية والبناء في عمان"، موضحًا الأهمية التي يكتسبها انعقاد منتدى الرؤية الاقتصادي في هذا التوقيت، الذي يجسد هدف المشاركة المجتمعية المطلوبة في الوصول لأهداف الرؤية المستقبلية، وتحقيق طموحاتنا لمستقبل أكثر ازدهارًا ونماءً، والتغلب في سبيل ذلك على التحديات التي تمليها الظروف الراهنة.
ووجه صاحب السمو السيد المبعوث الخاص لجلالة السلطان شُكره للجهود المخلصة التي تكللت بخروج رؤية 2040 بهذا المستوى الذي يُحفز الهمم صَوب الأفضل، وما تحمله من مؤشرات أداء وسبل واضحة لتحقيق الغايات، سائلا المولى -جلت قدرته- أن يعين جلالة السلطان وأبناء عُمان على المضي قدما في الطريق إلى تحقيق أهداف المستقبل، يُسرع مسيرتنا فيه وضوح الهدف ودقته وتضافر جهود الجميع لتحقيقه.
الطريق إلى "الرؤية"
وبدأ المنتدى بكلمة افتتاحية يلقيها المكرم حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية الأمين العام للمنتدى، استهلها بالترحيب بصاحب السمو السيد المبعوث الخاص لجلالة السلطان راعي افتتاح أعمال المنتدى، وقال إن أعمال الدورة التاسعة من منتدى الرؤية الاقتصادي، تنعقد هذا العام افتراضيا، في ظل الإجراءات الاحترازية جراء تفشي جائحة كورونا، نسأل الله السلامة للجميع، وأن يحفظ عمان من كل مكروه. وأضاف الطائي أن أعمال المنتدى تلتئم تحت عنوان "الطريق إلى رؤية عمان 2040، اقتصاد معرفي، تنافسي، مندمج مع العالم"؛ حيث نتحاور مع المسؤولين والخبراء وأصحاب الاختصاص، حول العديد من القضايا ذات الصلة بالرؤية المستقبلية الطموحة، التي نؤمن يقينا بأنها ستقود وطننا الحبيب إلى مرافئ التقدم والازدهار.
وتابع الطائي قائلا إنه مع اقتراب العام ألفين وعشرين من الانتهاء، رغم ما نمر به من تحديات جسيمة، وغير مسبوقة على المستويات كافة.. أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من بدء تنفيذ هذه الرؤية التنموية العظيمة، الأمر الذي يفرض علينا أن نشمر عن سواعد الجد، ونلبي نداء الوطن لكي نباشر المهام والأدوار والمسؤوليات، التي تكفل السبل الممكنة لتطبيق أولويات وتوجهات وأهداف الرؤية.
حراك وطني واعد
وبين أن جريدة الرؤية، وكجزء من هذا الحراك الوطني الواعد، ارتأت أن يكون الموضوع الرئيسي لمنتدى الرؤية الاقتصادي، هذا العام، حول الطريق إلى الرؤية المستقبلية؛ امتثالا للتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة.. السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بأن "نعمل جميعا من أجل رفعة هذا البلد، وإعلاء شأنه، وأن نسير قدما نحو الارتقاء به إلى حياة أفضل"، مضيفا "لذا نجتمع اليوم في مسعى لتبيان المهام والأدوار والمسؤوليات، التي تمكننا من الوقوف على سبل تحقيق التطلعات والآمال، وبلوغ الأهداف المتوخاة.. والغايات المرجوة".
وأكد الطائي أنه منذ انطلاق الجهود متكاتفة من أجل الخروج برؤية إستراتيجية توافقية، ترسم ملامح المستقبل، وتحدد الأهداف المبتغاة خلال العقدين المقبلين، استبشر الجميع خيرا بها، وعم التفاؤل القطاعات الاقتصادية في السلطنة، وتعززت تنافسية وجاذبية عمان للاستثمارات الأجنبية، خاصة مع توالي الكشف عن مخرجاتها واحدة تلو الأخرى، وتضاعف التفاؤل بتولي حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -أيده الله- مقاليد الحكم بالبلاد، وتأكيد جلالته على تنفيذ هذه الرؤية بإرادة صلبة، وعزيمة لا تلين.
وأشار إلى أن تلك الرؤية -التي صاغها المواطن العماني، مسؤولا كان أو خبيرا، أو متخصصا أو مواطنا عاديا- تجسد الطموحات العظيمة لبناء مستقبل أكثر ازدهارا ونماء.. وعلى الرغم من التحديات التي تعصف بالعالم، ونتأثر بها، والظروف الإقليمية المحيطة بنا من كل جانب، إلا أن ذلك لن يثنينا -بإذن الله تعالى- عن تحقيقها وبلوغ أهدافها.
وبين المكرم حاتم الطائي أن رؤية "عمان 2040" جملة من الأولويات الوطنية، بدأت من التعليم والبحث العلمي، مرورا بالصحة والمواطنة والثقافة، وصولا إلى التنويع الاقتصادي والاستدامة المالية، والقطاع الخاص والاستثمار وسوق العمل، إلى جانب حوكمة الجهاز الحكومي والموارد والمشاريع... وغيرها من الأولويات.
الشراكة بين القطاعين
وأوضح الطائي أنه انطلاقا من الطبيعة الاقتصادية التخصصية للمنتدى، يتعين تسليط الضوء على مجموعة من النقاط، وثيقة الصلة بجهود تطبيق الرؤية الوطنية في شقها المتعلق بالاقتصاد، لافتا إلى أن النقطة الأولى تتمثل في تأكيد الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهذا جانب شديد الأهمية في مسيرة نهضتنا المتجددة.. ونحن عندما نتحدث عن الشراكة، لا نكتفي فقط بإبراز فوائدها في تنمية القطاع الخاص، من خلال المشاريع المشتركة، بل نركز على دورها الفاعل في نمو الاقتصاد بأكمله، وقدرتها على جذب المزيد من الاستثمارات الوطنية والأجنبية، بل والتخفيف من ضغط الإنفاق الحكومي على المالية العامة للدولة، علاوة على تحفيز شركات القطاع الخاص على تبني أفضل المعايير، واشتراطات الجودة وتوظيف التقنيات المتقدمة، ودعم وتطوير الابتكار، بما يضمن تأسيس مشاريع تشاركية مع القطاع العام، مشاريع متقدمة توفر أفضل وأرقى الخدمات للمستفيدين، وتعزز من دوران عجلة الاقتصاد. وبذلك تكون ثمار هذه الشراكة قد تجاوزت النتائج التقليدية، إلى نتائج أعم نفعا في مسيرة النماء والرخاء.
وعرج الطائي على نقطة أخرى، تتمثل في أهمية توظيف التقنيات الحديثة في ترجمة الرؤية المستقبلية، على أرض الواقع، ودعم الابتكار ومخرجات الثورة الصناعية الرابعة؛ فلا شك أن تقنيات مثل: البلوكتشين، والفينتك، وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، والبرمجيات المتطورة والروبوتات، كلها ستسهم بدور محوري في إنجاز المشاريع المستقبلية.
وأكد رئيس تحرير جريدة الرؤية أن المراسيم السلطانية السامية، التي صدرت خلال العام الجاري، وأهمها: المراسيم المتعلقة بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، مهدت الطريق نحو تطبيق رؤية عمان 2040، وفتحت آفاقا أرحب من أجل بناء جهاز إداري أكثر مرونة، مرتكزا على مبادئ الحوكمة الرشيدة، وأكثر كفاءة لإدارة مختلف الملفات ومعالجة شتى التحديات. وهذه المراسيم تتفق مع أحد أبرز الأولويات الوطنية للرؤية المستقبلية، وهي أولوية "حوكمة الجهاز الحكومي والموارد والمشاريع".. لذلك، لا نبالغ حين نقول إن ثورة التصحيح الإداري التي أطلقتها هذه المراسيم السلطانية السامية، بمثابة ضربة البداية لتطبيق أهداف وتطلعات الرؤية المستقبلية، وتوسيع نطاق اللامركزية.
واختتم الطائي كلمته بتوجيه الشكر الجزيل، إلى صاحب السمو السيد فاتك بن فهر آل سعيد المبعوث الخاص لجلالة السلطان، على تفضله برعاية أعمال المنتدى، والشكر موصول إلى كافة الرعاة والداعمين، والحضور الأفاضل، ومتابعينا عبر تقنيات الاتصال المرئي في كل مكان.
بيان المنتدى
وقدم المكرم الدكتور سعيد بن مبارك المحرمي أستاذ المالية بجامعة السلطان قابوس، عضو مجلس الدولة، بيان المنتدى بعنوان "الجدوى الاقتصادية لرؤية عمان 2040"؛ حيث أبرز العديد من الجوانب ذات الصلة بالرؤية المستقبلية وآفاق تحقيقها على أرض الواقع خلال العشرين عاما المقبلة. وأشار المحرمي إلى مكونات إجمالي الاستثمارات؛ حيث يتكون إجمالي الاستثمار لأي مشروع من 4 بنود تتمثل في التكاليف الرأسمالية (الاستثمارات في الأصول الثابتة)، ومصاريف التأسيس (النفقات في مرحلة ما قبل التشغيل)، وتكلفة التمويل في فترة التأسيس، ورأس المال العامل (لدورة واحدة أو لفترة زمنية)، مشيرا إلى أن المعادلة توضح مكونات إجمالي الاستثمار وهي أن إجمالي الاستثمار يساوي التكاليف الرأسمالية مضافا لها مصاريف التأسيس وأيضا تكلفة التمويل بفترة التأسيس علاوة على رأس المال العامل. وبين المحرمي أن مكونات الإيرادات لأي مشروع تتألف من بندين وهما: إجمالي مبيعات المنتجات أو الخدمات، وإيرادات أخرى غير تشغيلية، لافتا إلى أن المعادلة توضح مكونات الإيرادات بأن إجمالي الإيرادات يساوي إجمالي المبيعات مضافا لها إيرادات أخرى. وسلط المحرمي الضوء على مكونات المصروفات التشغيلية والتي تتشكل من بندين؛ هما: النفقات المباشرة (النفقات المباشرة الداخلة في تنفيذ المشروع)، والنفقات العامة (النفقات العامة الغير مباشرة في تنفيذ المشروع)، ولذلك، توضح المعادلة مكونات المصروفات التشغيلية بأنها إجمالي المصروفات التشغيلية يساوي النفقات المباشرة مضافا لها النفقات العامة.
ولفت المكرم أستاذ المالية بجامعة السلطان قابوس إلى أهداف الشركاء في المشاريع الاقتصادية، وقال إنها تسعى إلى تحقيق صافي الأرباح والعائد على الأصول والعائد على حقوق المساهمين وهامش الربح الصافي والقيمة الحالية الصافية ومعدل العائد الداخلي وفترة الاسترداد (Payback Period) والاستحواذ على نسبة محددة من السوق، ونسبة نمو سنوية مستهدفة، وترتيب الشركة بين بقية المنافسين بعد فترة زمنية محددة.
وشدد المحرمي على أن الرؤية في كل دول العالم عبارة عن الحلم والطموح، ومؤشراتها بمثابة البوصلة التي توجه الجميع لتحقيق ذلك الحلم والطموح، وأن هدف رؤية "عمان 2040" أن تكون عمان في مصاف الدول المتقدمة، كما إن الهدف الأسمى ليس الترتيب والتصنيف؛ وإنما الحياة الكريمة والسعيدة للإنسان.
النهج التشاركي
وأشار المحرمي إلى النهج التشاركي الذي تتبناه الرؤية المستقبلية، حيث تتبنى رؤية "عمان 2040" النهج التشاركي خلال مراحل تطوير المشروع، وأن الرؤية تسعى لتوافق مجتمعي حقيقي، من خلال إشراك كافة أطياف المجتمع سواء القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، وكذلك فئات الشباب والمرأة ومؤسسات المجتمع المدني. وتحدث المحرمي كذلك عن شركاء تحقيق الرؤية المستقبلية، وهم: مؤسسات المجتمع المدني، والأفراد، والحكومة، والقطاع الخاص. وأبرز المحرمي الأولويات الوطنية للشركاء، وهي: التعليم والتعلم والبحث العلمي والقدرات الوطنية، والصحة، والمواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية، والرفاه والحماية الاجتماعية، والقيادة والإدارة الاقتصادية، والتنويع الاقتصادي والاستدامة المالية، وسوق العمل والتشغيل، والقطاع الخاص والاستثمار والتعاون الدولي، وتنمية المحافظات والمدن المستدامة، والبيئة والموارد الطبيعية، ومنظومة التشريع والقضاء والرقابة، وحوكمة الجهاز الحكومي والموارد والمشاريع.
وأسهب المحرمي في شرح وتوضح كل أولوية خلال ورقة العمل، لافتا إلى أن رؤية "عمان 2040" تسعى لتحقيق أهداف متعددة، لا تقتصر على الأهداف الاقتصادية والعوائد المالية، موضحا أنه إضافة للعوائد الاقتصادية والمالية فإن هناك عوائد صحية وعلمية وبحثية وابتكار واجتماعية وسياسية وبيئية وتنموية للمحافظات والمدن المستدامة، مؤكدا أن هذه الأهداف والأولويات لا يمكن قياسها بعوائدها المالية فقط.
وأجاب المحرمي على سؤال: هل تقاس المشاريع دوما بجدواها الاقتصادية؟ وقال إن المشاريع لا تقاس فقط على أسس الربحية، بل تقاس دراسة جدوى المشاريع من وجهة نظر الربحية القومية (الوطنية)، من حيث مدى مساهمة المشروع في توفير فرص العمل، ومدى مساهمة المشروع في تحقيق القيمة المضافة، ومدى مساهمة المشروع في تحسين ميزان المدفوعات، ومدى مساهمة المشروع في زيادة إنتاجية العمل على المستوى الوطني، والآثار السلبية للمشروع على البيئة، ومعيار أدنى كثافة رأسمالية، ومعيار حجم المشروع.
وخلص المحرمي في نهاية ورقة عمله إلى أنه يجب أن لا تختزل الفوائد والمكاسب على العوائد المالية في تقييم جدوى مشاريع رؤية "عمان 2040"، لافتا إلى أن عوائد الحياة الكريمة ورفاهية الإنسان، المتوقعة من رؤية عمان 2040، لا تعادلها عوائد مالية ولا مكاسب مادية، مشددا على أن الهدف الأسمى للرؤية ليس الترتيب والتصنيف وإنما الحياة الكريمة والسعيدة للإنسان.
الكلمة الرئيسية
وقدم الكلمة الرئيسية الشيخ خالد بن محمد الزبير رئيس مجلس إدارة الشركة العمانية العالمية للتنمية والاستثمار "أومنفيست"، بعنوان "نحو تنمية اقتصادية مستدامة: مسارات ومبادرات استراتيجية". واستهل الزبير كلمته بالتأكيد على عميق الإجلال والتقدير للمغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وما حققته مسيرة النهضة العمانية الحديثة عبر خمسين عاما من السلام والنماء والرخاء، وضعت السلطنة في مصاف أكثر الدول احتراما وتقديرا بين الشعوب. وأضاف: "يشرفني في الوقت ذاته أن نجدد البيعة والولاء لقائدنا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- على مواصلة المسير بالأمة إلى آفاق متجددة ضمن رؤيته السامية نحو حاضر ومستقبل أكثر إشراقا ونماء ورخاء". وأكد الزبير أن خطاب جلالته- حفظه الله ورعاه- في فبراير الماضي خطاب تاريخي؛ رسم للجميع خارطة الطريق التي ينبغي لنا جميعا اتباعها في القطاعين العام والخاص؛ حيث أكد جلالته- أيده الله- على أهمية الكفاءة ودور الشباب والعلم والمعرفة الحديثة في التنمية، وحث على دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل عصب الاقتصاد الوطني، وعلى أهمية التعاون والتكاتف بين القطاعين العام والخاص. وأوضح أن السلطنة شهدت على مدى الشهرين الماضيين إعادة الهيكلة الإدارية لمؤسسات الدولة والشركات الحكومية التي أكدت عزم جلالته- حفظه الله- على المضي قدما في تنفيذ رؤية "عمان 2040" ليكون وطننا الغالي في مصاف الدول المتقدمة.
وأبرز الزبير جملة من الجوانب الاقتصادية ودور القطاع الخاص في التنمية وإمكانية أن تصبح عمان ضمن الاقتصادات الأكثر تنافسية عالميا. وقال: "لقد فوجئ العالم في بدايات هذا العام بوباء كورونا (كوفيد-19) الذي سبب أزمة صحية وإنسانية لم نشهدها منذ أكثر من 100 عام، ونجم عن هذه الجائحة أكثر من 31 مليون إصابة وما يقارب المليون حالة وفاة حتى الآن، وأحدثت تغييرات جذرية في سبل الحياة اليومية والعمل، كما تسببت الجائحة بأضرار اقتصادية هائلة أدت إلى شلل العديد من الصناعات وزيادة مستويات البطالة والضغوطات الاقتصادية والمجتمعية بشكل عام".
توقعات اقتصادية
وبين أنه على الصعيد الاقتصادي، يتوقع انخفاض الناتج المحلي الاجمالي عالميا بنسبة 5% في عام 2020، حيث قدرت منظمة الأمم المتحدة تضرر ما يقارب الثلاث مئة مليون وظيفة عالميا بسبب الجائحة، لافتا إلى أن العالم شهد كذلك دعما غير مسبوق من قبل الحكومات والبنوك المركزية عالميا وصلت إلى تسعة ترليون دولار من الدعم النقدي والمالي، مما ساهم في بعض من التعافي الاقتصادي. وأوضح أنه على المستوى العالمي، انهارت أسواق الأسهم بنسبة 35 في المئة خلال الربع الأول من العام؛ حيث تعد هذه الأسواق مؤشرا أساسيا للأداء الاقتصادي العالمي، لكن مع ازدياد الآمال بالوصول إلى لقاح للفيروس، لمست أسواق الأسهم تعافيا ملحوظا، انعكس على وصول المؤشرات المالية للتكنولوجيا الأمريكية على سبيل المثال إلى مستويات لافتة.
وأشار إلى أنه في دول مجلس التعاون الخليجي فإن الوضع الاقتصادي والأداء العام للأسواق يشكل تحديات أكثر تعقيدا، فبالرغم من الهبوط الملموس في سعر النفط بسبب انخفاض الطلب منذ العام المنصرم، أدت الجائحة إلى تدهور أسعار النفط بصورة أكبر. وبين أن السلطنة- كغيرها من دول المنطقة- اضطرت إلى التعامل مع التحديين معا: تراجع أسعار النفط، والتداعيات الصحية والاقتصادية للجائحة.
وأكد أن الحكومة الرشيدة لم تأل جهدا في السعي إلى تخفيض العجز في الموازنة وعبء الدين العام، وتخفيف تكاليف الاقتراض والضغوطات على الريال العماني، وتسهيل تدفق السيولة النقدية. وأكد أنه من المشجع أن نرى كيف ساهمت المبادرات الإصلاحية وإعادة الهيكلة التي قامت بها الحكومة في احتواء تداعيات هذه الأزمة بصورة واضحة.
دور القطاع الخاص
وأعرب الزبير عن يقينه بأن مواجهة التحديات الاقتصادية الوطنية تتطلب من القطاع الخاص أن يقوم بدوره على أكمل وجه وأن يعمل بشكل وثيق مع القطاع العام للمضي باقتصادنا وبلدنا الحبيب على طريق نماء تنافسي ومستدام.
وطرح الزبير بعض الأمثلة حول كيفية تبني القطاع الخاص لمبادرات وجهود فاعلة مع القطاع العام، وقال إنه في خضم جائحة كوفيد-19، قام بنك عمان العربي- إحدى الشركات التابعة لمجموعة أومنفيست- بتوقيع اتفاقية اندماج مع بنك العز الإسلامي. وأوضح أنه بالنظر إلى الظروف المحيطة في ذاك الوقت، والمتطلبات المتعددة لأصحاب العلاقة والجهات التنظيمية، فلقد كان من الصعب التفكير بإمكانية إتمام مثل هذه الإتفاقية، بل من الأسهل تأجيلها. ولكننا انتهجنا الخيار الأمثل بالرغم من صعوبته، حيث سعينا سوية لإتمام هذا الاندماج وفقا لأدق المعايير وبحسب موعد نهائي محدد.
وتابع قائلا: "قامت أومنفيست بالتعاون مع شريكنا الاستراتيجي "مجموعة البنك العربي" وتفاوضنا بنجاح مع بنك العز الإسلامي للوصول إلى نتائج متميزة لجميع الأطراف. ومن أهم ما قمنا به هو العمل بشكل وثيق مع الجهات التنظيمية حيث سعينا إلى الأخذ بمشورتهم والاستعانة بدعمهم موضحين لهم في كل فرصة أهمية هذا الاندماج للقطاع المصرفي في السلطنة بشكل عام".
وأكد أن دور الجهات التنظيمية لم ينحصر على دعم عملية الاندماج وتقديم النصح والإرشاد فحسب، بل وفرت أيضا حلولا عملية وزودتنا بكافة الاعتمادات والموافقات اللازمة، وبناء عليه نشأ عن عملية الاندماج كيان مصرفي أكثر قوة وقدرة، زاد من ثقة الاستثمار الأجنبي بالرغم من الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد؛ حيث قامت مجموعة البنك العربي بضخ رأسمال عال جدا للحفاظ على استثمارها في بنك عمان العربي بنسبة 49%، مؤكدة مواصلة تواجدها في السلطنة، الأمر الذي يعكس الثقة الكبيرة في اقتصادنا من قبل بنك ذات تواجد عالمي.
وقال الزبير إن هذه التجربة عززت ثقتنا في قدرتنا على تجاوز التحديات والنمو والمنافسة على المستوى المحلي والإقليمي بالرغم من صعوبة الظروف. وبين أنه على المستوى العالمي وكمثال آخر على التعاون بين القطاعات المختلفة، قامت شركة "أسترا زينيكا" بالتعاون مع جامعة أوكسفورد لصناعة وتوزيع لقاح لكوفيد-19، وقد ساهمت هذه الشراكة في ارتفاع سعر سهم "أسترا زينيكا"، مما وضعها في مصاف أهم الشركات البريطانية من حيث القيمة السوقية، ومن الواضح أن إيجاد حلول للتحديات المجتمعية والإنسانية من خلال التعاون ما بين القطاعات، يمكن أن ينجم عنه ازدهار فعلي للمجتمعات والأعمال في نفس الوقت.
التجربة الفيتنامية
وأضاف الزبير أنه كحالة دراسية لمنهجيات فاعلة أحرزت نتائج مميزة خلال عقود قليلة من الزمن، تأتي التجربة الفيتنامية لتعكس التطور الهائل في التنمية الاقتصادية الناتجة عن رؤى استراتيجية وتكامل الأدوار بين كافة القطاعات، مشيرا إلى أنه في عام 1975 كانت فيتنام إحدى الدول الأشد فقرا في العالم، وفي منتصف الثمانينيات، كان الناتج المحلي الإجمالي للفرد عالقا حول 200 دولار أمريكي، لكنه ارتفع في عام 2018 إلى ما يقارب 2,600 دولار مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للدولة من 6.5 مليار دولار في عام 1990 إلى 238 مليار دولار في عام 2018، كما شهدت مستويات الفقر انخفاضا من 50% في بداية التسعينيات إلى ما دون 3% حاليا بسبب التطور الصناعي. وأضاف أنه بعد معاناة من شح الطعام في بداية الثمانينيات، انتقلت الدولة في التسعينيات إلى تصدر دول العالم في المرتبة الثالثة في توريد الأرز، كما تحتل اليوم المرتبة الأولى عالميا في تصدير الفلفل الأسود والثانية عالميا في تصدير القهوة.
وتابع القول إنه منذ عام 2009 عندما نقلت شركة سامسونج معظم إنتاجها إلى فيتنام، أصبحت الدولة ثاني أكبر منتج للهواتف النقالة في العالم، كما استقطبت فيتنام ما يقارب 350 مليار دولار أمريكي من الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال 26 ألف مشروع أجنبي؛ حيث يساهم قطاع الاستثمار الأجنبي حالية بنسبة 20% من إجمالي الناتج المحلي.
ولخص الزبير بعض أسباب إنجاز فيتنام لمثل هذا النمو الاقتصادي الملفت، مشيرا إلى أنه في عام 1986 تم إطلاق مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، تلاها إقرار قانون الاستثمار الأجنبي المباشر، وقامت الدولة بتوفير التعليم الأساسي والشامل للجميع وعلى مستوى عال من الجودة، كما تم التوقيع على اتفاقيات تجارية أكثر من أي دولة أخرى في جنوب شرق آسيا، مما ساهم في انخفاض التعرفة والرسوم، وقامت فيتنام أيضا بتطبيق التشريعات والسياسات الداعمة لريادة الأعمال، والاستثمار بشكل واسع في نظام الرعاية الصحية.
وقال الزبير إنه لكي نتمكن من تحقيق الرؤية بأن تكون السلطنة من أكثر الدول المتقدمة اقتصاديا خلال العشرين سنة المقبلة، فالأمر يتطلب تطبيق إصلاحات جوهرية في القطاعات الأساسية، إضافة إلى تطبيق مبادرات استراتيجية للتحول إلى الاقتصاد الرقمي. وتابع أنه بينما تتعدد عوامل التمكين الفاعلة نحو تحقيق الرؤى الوطنية، سأتطرق هنا بشكل مختصر إلى أهمية الإصلاحات في قطاع الخدمات المالية في السلطنة.
وأوضح الزبير أن قطاع الخدمات المالية يعد العمود الفقري لأي اقتصاد، ومحور أساسي للأنشطة التجارية، كما يعد القطاع المصرفي في السلطنة صغيرا ومتفرقا نسبيا، ويحتاج إلى أن يصبح أكثر تنافسية، مشيرا إلى أن هناك حاجة إلى مؤسسات مالية ومصرفية أقل، ولكن أكبر حجما وأكثر جاهزية وتمكينا تقنيا. وأوضح أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال اندماجات مدروسة بعناية، إضافة إلى نقلة نوعية إلى الصيرفة الرقمية. ودعا البنوك إلى تبني التكنولوجيا المالية (fintech)، وإنشاء الشراكات مع المشاريع الاستثمارية في هذا المجال؛ حيث إن تبني هذا التوجه من شأنه أن يخفض التكاليف التشغيلية، ويحسن من إنتاجية وفاعلية الخدمات المصرفية والعائد على رأس مال البنوك، كما سيكون هذا النهج بمثابة خطوة رئيسية نحو تحقيق الاندماجية لقطاعنا المصرفي واقتصادنا بشكل عام مع الاقتصاد الرقمي العالمي الذي يتطور بشكل سريع.
وأوضح الزبير أن رقمنة القطاع المصرفي ستنعكس على باقي القطاعات مثل قطاع التأمين والتأجير والفندقة والسفر والترفيه وغيرها من القطاعات الخدمية والاستهلاكية؛ فعند بناء وتفعيل المنصات المتكاملة من قبل القطاع المصرفي وباقي القطاعات، سينعكس ذلك إيجابيا على قدرات الاقتصاد بشكل عام والقطاع المصرفي بشكل خاص، ممن سيساهم في إمكانية توسع المؤسسات المالية العمانية إلى الأسواق العالمية.
وشدد الزبير أنه لا تكتمل أية منظومة اقتصادية ناجحة من دون موارد بشرية كفؤة تلبي احتياجات السوق المتجددة، مشيرا إلى الحاجة الملحة لخلق المزيد من فرص العمل من خلال النمو الاقتصادي، لكن في الوقت نفسه هناك حاجة للتجديد في مخرجات المنظومة التعليمية وإيجاد برامج لتنمية المهارات المهنية الأساسية التي تزيد من تنافسية الخريجين في سوق العمل.
وقال الزبير إن السلطنة أحرزت تقدما وتطورا متميزا منذ فجر النهضة الحديثة لعمان وبشكل خاص في مجال الصحة والتعليم والبنية الأساسية والعدل والتنمية والاقتصاد والبيئة. وبين أنه لاستكمال المزيد من النجاحات في مسيرة التنمية المستدامة جاءت "رؤية عمان 2040" لترسم طريقا واضحا مدروسا مبنيا على سياسات ومبادرات وبرامج استراتيجية شاملة.
وأضاف الزبير قائلا: "لقد حبا الله سبحانه وتعالى عمان بموارد عديدة من أهمها مواردها البشرية. فمع النهضة المتجددة وعملية الإصلاح القائمة، فإنني على يقين من أننا سنرى عمان أكثر قوة ورخاء وسلاما في المستقبل القريب ".
قاطرة المسير
إلى ذلك، قدم المهندس محمد بن أحمد الغريبي مدير الشؤون الخارجية والاتصالات بشركة تنمية نفط عمان، ورقة العمل الرئيسية بعنوان "قاطرة المسير نحو 2040"، استهلها بالتأكيد على أن رؤية عمان 2040 تجسد الطموحات العظيمة والمستقبل الباهر لهذا البلد العزيز وأهله الكرام في ظل الرعاية الكريمة والتوجيه السديد من قبل مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه. وأبرز الغريبي في ورقة العمل دور قطاع النفط والغاز في الاقتصاد الوطني، والمسؤولية التي تقع على عاتق شركات النفط لتعزيز القطاعات الأخرى، مسلطا الضوء على تجربة شركة تنمية نفط عمان-بوصفها رائدة في هذا المجال- وما تضطلع به من مبادرات ومشاريع خلاقة، ودورها الكبير في توفير فرص العمل وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وقال إن لقطاع النفط والغاز أهمية بالغة في الاقتصاد الوطني حاليا، إذ تشكل عائدات هذا القطاع أكثر من ثلثي الإيرادات العامة في السلطنة، ومن هنا كان لزاما على شركات النفط والغاز أن تسهم بكامل دورها في تحريك عجلة الاقتصاد، والاستثمار في القطاعات الأخرى لتنمو وتصبح داعما رئيسيا، ورافدا بديلا لقطاع النفط في المستقبل القريب. وأضاف أن شركة تنمية نفط عمان- لكونها المنتج الرئيسي في البلاد والمحرك الفاعل لاقتصاده- حازت قصب السبق في مبادرات متنوعة المشارب غير مقتصرة على مجال دون آخر.
وأوضح أن الحاجة إلى توفير فرص العمل للشباب العماني وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من أولويات الشركة الرئيسية؛ إذ بهم تواصل عمان البناء على نهضتها الأولى، وتمضي قدما لتحقيق غاياتها الأسمى، التي تضمنتها وثيقة رؤية "عمان 2040"، ومن ثم، أخذت الشركة على عاتقها تبني الكثير من المبادرات الرامية إلى تعزيز القيمة المحلية المضافة عن طريق توطين الكثير من الوظائف والصناعات التخصصية، وتوفير الدعم الكبير للموردين والمصنعين والمؤسسات الناشئة فنيا وماديا.
وتابع أنه في عام 2019، وفرت الشركة أكثر من 21 ألف فرصة وظيفية وتدريبية للعمانيين في شتى المجالات، وبلغ إنفاقها المباشر على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة 288 مليون دولار أمريكي، أما القيمة المحتفظ بها في البلاد من عوائد النفط والغاز فقد بلغت 46%.
القيمة المحلية المضافة
وتابع بالقول: إن نظرنا إلى وثيقة استراتيجية القيمة المحلية المضافة في قطاع النفط والغاز، فسنجد أن الشركة تتبوأ زمام الريادة بتنفيذها لـ43 فرصة من أصل 53، وقد حقق منها حتى الآن 32 فرصة في مجالات تصنيعية متباينة وفرت فرص عمل كثيرة للعمانيين. وذكر على سبيل المثال، افتتاح مركز عمان للتجميع والإصلاح والفحص المختص بإنتاج معدات الرفع الاصطناعي، وذلك بالتعاون مع شركة شلمبرجير عمان، وكذلك افتتاح مرفق تصنيع مستلزمات تبطين الآبار بالتعاون مع الشركة الخليجية للطاقة، الذي سيكون له بالغ الأثر في توفير المعدات والخدمات المتعلقة بآبار النفط محليا، فضلا عن توظيف العمانيين؛ إذ يبلغ معدل التعمين فيه 92%.
وشدد الغريبي على أن تحقيق الرؤى والاستراتيجيات يتطلب عملا دؤوبا لا ينقطع، وفق مراحل، كلما حقق منها واحدة أمكن الانتقال إلى الأخرى، ومن هنا ابتنى استعداد الشركة لتحقيق محاور هذه الرؤية على عدة مرتكزات أساسية ومبادرات فاعلة. وذكر الغريبي منها أولا: تهيئة الشباب؛ حيث إن عامل تمكين الشباب وتهيئتهم لا يمكن إغفاله أبدا في سبيل تحقيق الرؤية المنشودة، ومن هذا المنطلق، حرصت الشركة على بذل غاية وسعها في سبيل تمكين شباب واع بأبرز المتطلبات القادمة، مزودين بمهارات تخصصية وتحدوهم رغبة عارمة في التغيير للأحسن. وعرج الغريبي على بعض من مبادرات الشركة ومشاريعها التي تتوخى هذه الغاية، ومنها: برنامج تطوير الخريجين من حملة شهادات البكالوريوس الذي يرمي إلى تسريع تزويد الشباب الذين التحقوا بركب العمل بالمهارات اللازمة والقدرات المطلوبة في الصناعة بأسرع طريقة ممكنة ليكونوا خير عون في مسيرة البناء والتنمية، وزاد عدد من التحق بهذا البرنامج عن 1900 خريج منذ تدشينه في عام 2013، ويشمل هذا البرنامج مختلف التخصصات سواء الفنية منها أو غير الفنية، إلى جانب برنامج تعمين الوظائف الفنية الذي يشمل حملة شهادات الدبلوم الفني للتدريب على رأس العمل، ويهدف هذا البرنامج إلى مد الملتحقين به بمهارات فنية دقيقة عن طريق تدريب مكثف ومنظم يؤهلهم للعمل في شتى مجالات استكشاف النفط والغاز وإنتاجهما.
وقال إن الشركة تحرص على إتاحة شتى الفرص التدريبية لموظفيها في مجالات متباينة، وعلى غرس ثقافة التعلم المستمر ليكون منهج حياة لا متطلبا مفروضا، مشيرا إلى أن ذلك سيُوجد شبابا قادرين بما لديهم من معارف وخبرات على تحقيق ما يناط بهم من آمال عظام.
الثورة الصناعية الرابعة
وأبرز الغريبي التكنولوجيا والثورة الصناعية الرابعة، وقال إن المستشرف للمستقبل والناظر بعين البصيرة إلى الحاضر ليجد أن السعي وراء ابتكار التقنيات الجديدة وتطبيقها في شتى مجالات العمل أمر حتمي لمن أراد التقدم ومواكبة هذا العصر الذي لا تفتر ملامحه عن التغير والتجدد، لذلك حرصت الشركة على إيلاء هذا الجانب قدرا كبيرا من الاهتمام، نظرا لطبيعة عملها المحفوفة بالتحديات الفنية الكبيرة، فأصبحت التقنيات الجديدة نسيجا متينا من أعمال الشركة، وفتحت الأبواب مشرعة أمام الموظفين والجهات الخارجية المعنية بالابتكار لتطوير التقنيات والإتيان بالحلول التكنولوجية التي تسهل العمليات وتزيد من كفاءتها. وأضاف أنه في عام 2019 فقط، بلغ عدد التقنيات الحديثة التي وصلت مرحلة النضج 65 تقنية، طبق منها 10 تقنيات، وكثير غيرها في مرحلة التجارب الميدانية.
وأوضح أنه من الأمثلة الفريدة والأولى من نوعها في السلطنة، أنظمة الطائرات بدون طيار بعيدة المدى (والتي تعرف بالطائرات خارج حدود الرؤية)، مشيرا إلى أن هذه التقنية ستساعد على جمع البيانات من مختلف أصول الشركة وتقليل التعرض لمخاطر الصحة والسلامة والبيئة.
وتابع أنه في عام 2019، دشنت الشركة برنامج تبني التكنولوجيا وذلك ابتغاء تلبية احتياجاتها في مجالات تقنية المعلومات والاتصالات والتحول الرقمي عن طريق المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات الناشئة. وهذه المبادرة تساعد الشركات العمانية الحديثة على التطور وذلك بمنحها عملا تحت الإشراف وتدريبا متخصصا في مجالات حيوية في إدارة المعلومات والأنظمة الرقمية.
وتحدث الغريبي عن تأثير الثورة الصناعية الرابعة على وظائف قطاع النفط والغاز، وقال إنه استشرافا للمستقبل، أجرت الشركة دراسة حول التأثير الكلي للثورة الصناعية الرابعة على الوظائف في قطاع النفط والغاز بالتعاون مع مبادرة "إيجاد"، التي سأتطرق إليها بعد قليل. وتابع أن الدراسة تتناول تأثير الثورة الصناعية الرابعة على اتجاهات التوظيف والمناصب المستقرة والناشئة والمتراجعة وفرص العمل على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة في الشركة ومتعاقديها المباشرين.
بناء الكفاءات
وأوضح أن الدراسة تتكون من 3 مراحل؛ وستحدد المرحلة الأولى الوظائف المحتملة التي ستختفي أو تطور أو تنشأ بسبب استخدام تقنيات الثورة الصناعية الرابعة المختلفة في الشركة ولدى المتعاقدين معها، وستركز المرحلتان الثانية والثالثة على بناء إطار الكفاءات في الشركة للوظائف الناشئة بالإضافة إلى تقديم مقترحات بناء القدرات والتوصيات وخطط التنفيذ فيما يتعلق بالقوى العاملة الحالية والمستقبلية للشركة والمتعاقدين معها. والشركة الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة لنتائج الدراسة من المرحلة الأولى.
وانتقل الغريبي للحديث عن منصة "إيجاد"، وقال إن من المبادرات الأخرى المميزة والرامية إلى تعزيز التعاون بين القطاعين الأكاديمي والصناعي هي منصة "إيجاد" التي وقعت الشركة بروتوكولها في عام 2017 بالتعاون مع وزارة الطاقة والمعادن ومجلس البحث العلمي، ومن ثم تأسست في عام 2018 بمشاركة أكثر من 50 جهة من القطاعات الصناعية والأكاديمية والحكومية وفق رؤية مشتركة. وقد أسندت الشركة-حتى عام 2019- ثمانية مشاريع مشتركة إلى جامعات مختلفة للتعامل مع التحديات الفنية التي تواجه الشركة.
وأكد أن هذه المنصة ستسهم بدور فاعل في رفد الاقتصاد الوطني، وتعزيز مؤشر الابتكار العالمي للسلطنة، لا سيما إن علمنا بأن تطلعات هذه المنصة منسجمة مع أولويات رؤية عمان 2040 بما لا يقل عن نسبة 69%.
وتابع: "إننا في شركة تنمية نفط عمان نرى فرصا كبيرة للدفع قدما بالاقتصاد الوطني وتحقيق المنشود في رؤية عمان 2040، ومن ذلك التحول الإلكتروني في إدارة العمليات والخدمات المقدمة، وقد ذكرت سابقا حرص الشركة على تبني التكنولوجيا الجديدة في كافة أطياف عملها، ونحن نرى بوادر التحول الإلكتروني تلوح في مختلف المؤسسات في القطاعين العام والخاص، وهو الأمر الذي نأمل أن تزداد وتيرة تطبيقه سرعة، وأن يكون في صميم أولويات جميع مؤسسات الوطن".
وأشار إلى أن من الفرص الأخرى التي تكللت بنجاح باهر في شركة تنمية نفط عمان، اتباع منهجية "لين" للتحسين المستمر، وأن هذه المنهجية- التي تعنى بتسهيل العمليات، وتقليل الوقت وإزالة الهدر- أصبحت الآن تطبق في جميع ربوع الشركة، وفي عام 2019، بلغت القيمة التي حققت بفضلها أكثر من 250 مليون دولار أمريكي، وقد أسهمت في تغيير أساليب العمل التي اعتدنا القيام بها، وتبني ثقافة تنشد الإبداع والتحسين دائما، ولا شك في أن تطبيق هذه المنهجية سيعود بالنفع الكبير على مؤسسات الوطن اقتصاديا وفكريا.
التحديات الكبيرة
لكنه قال إن كل ذلك لا ينسينا التحديات الكبيرة التي تواجهنا في سبيل تحقيق أهداف الرؤية؛ منها تذبذب أسعار النفط، حيث إن خطط التنويع الاقتصادي وما بذل حتى الآن ليس كافيا بعد للاستغناء عن عائدات النفط والغاز، بل لا يزال هذا القطاع المصدر الأساسي لتغذية الاقتصاد وتمويل المشاريع التنموية، ومن ثم أصبح من اللازم تسريع جميع خطط التنويع الاقتصادي وتطوير القطاعات الأخرى لكي لا نظل رهينين بتقلبات أسعار النفط العالمية لا سيما في هذه الأوقات التي تعصف فيها جائحة كورونا في الاقتصاد العالمي.
وشدد على أن الثورة الصناعية الرابعة تشكل تحديا لا محيد عن مواجهته، فتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي غيرت كثيرا-وما زالت- من أنماط عملنا، بل أحدثت مجالات عمل جديدة وألغت أخرى. وتابع أن المعادلة هنا ربما تبدو في المتناول؛ لكنها بحاجة إلى جهود كبيرة: إما أن نلحق بركب هذه الموجة وأن نستغل ما تتيحه لنا في تنمية قطاعاتنا الاقتصادية وتحسين أعمالنا، وإما أن نظل مكتوفي الأيدي نراقب عن كثب دون أي حراك يذكر، مشددا على أن السلطنة آخذة في التحول الرقمي بشتى صوره وأشكاله، وهو ما ينبغي لنا البناء عليه وأن نضعه على رأس أولوياتنا.
الجلسة النقاشية
عقب ذلك، انطلقت الجلسة النقاشية للمنتدى تحت عنوان "الانطلاق نحو الهدف"، وتضمنت تقديم ورقتي عمل؛ حيث قدمت انتصار بنت عبدالله الوهيبية مدير عام التخطيط التنموي بوزارة الاقتصاد، ورقة عمل: "الخطة الخمسية العاشرة.. نقطة الانطلاق"، فيما قدم المهندس خالد بن حمدون البطاشي رئيس قسم الدراسات الفنية المكلف بأعمال مدير أول إدارة التخطيط بالمديرية العامة للأصول في حيا للمياه ورقة عمل: "مشاريع للشراكة بين القطاعين".
ثم عقدت جلسة نقاشية بعنوان "الخطة الخمسية العاشرة تحديات وفرص"، شاركت فيها انتصار بنت عبدالله بن مبارك الوهيبية مدير عام التخطيط التنموي بوزارة الاقتصاد ومديرة مشروع الخطة الخمسية العاشرة ورئيسة مجموعة عمل القيادة والإدارة الاقتصادية، إلى جانب الدكتورة شريفة بنت حمود الحارثية مديرة مشروع الاستراتيجية الوطنية للابتكار، رئيسة فريق أولوية التعليم والتعلم والبحث العلمي والقدرات الوطنية، والمهندس محمد بن أبوبكر الغساني الرئيس التنفيذي للشركة الدولية العمانية للتنمية العمرانية والاستثمار، رئيس أولوية الحوكمة والأداء المؤسسي بالخطة الخمسية العاشرة، والعميد ناصر بن جمعة الزدجالي موجه استراتيجي بكلية الدفاع سابقا، الرئيس التنفيذي لمجموعة الجرواني العالمية، رئيس أولوية سوق العمل والتشغيل بالخطة الخمسية العاشرة، فيما أدار الجلسة الإعلامي أحمد الكندي.