الطاقة الشمسية في عمان.. استشراف المستقبل

 

د. حسين كاظم الوائلي **

** خبير طاقة، رئيس مجموعة أبحاث الطاقة المتجددة وتكنولوجيا الاستدامة

 

انطلاقاً من رؤية عُمان 2040 وأهمية التخطيط لبناء المستقبل وفي ضوء توجيهات حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في كلمته ضمن انطلاق فعاليات ملتقى استشراف المستقبل؛ حيث قال جلالته "لقد بات استشراف المستقبل أو صناعة الغد من أساسيات ازدهار المجتمعات وتقدمها، وهو أحد سبل المعرفة والعمل الجاد والتعاون الهادف لبناء مشرق إذا أحسنا صناعته بإيجابية دون التخلي أو الحياد عن هويتنا الوطنية وموروثنا الأصيل الذي يعد أحد أسرار تفردنا وقوتنا في زمن التطورات الكبرى المُتلاحقة" نجد أنَّ هناك قطاعا أساسيا جديرا بالاهتمام لأنه سيمثل أهم أعمدة الاقتصاد العماني في القادم من الأيام ألا وهو قطاع الطاقة المُتجددة".

الطاقات المتجددة والطاقة الشمسية على وجه الخصوص ليست جديدة على العالم حيث تعود إلى آلاف السنين في التدفئة والطبخ وغيرها كثير، وقد يكون التطور الأكبر عندما تم اكتشاف التأثير الضوئي عام 1839 بواسطة أبيقرل وتم تفسيرها علميا بواسطة العالم اينشتاين عام 1905 ثم تمَّ تصنيع أول خلية شمسية من السليكون عام 1954 وتمَّ استخدامها لاحقاً عام 1958 في مشروع القمر الصناعي فينجارد 2. وقد تطورت صناعة الخلايا والمنظومات الشمسية خلال الأعوام اللاحقة وبدأت تأخذ حيزاً في التطبيقات المتوسطة والكبيرة لتجهيز الطاقة الكهربائية في المنازل والشوارع والقرى والمدن حتى باتت شريكاً أساسياً مع مصادر الطاقة الأخرى والتي تعتمد على الوقود الأحفوري كالنفط والغاز غالباً.

استخدمت الخلايا الشمسية في عُمان منذ ثمانينيات القرن الماضي لتجهيز الكهرباء في تطبيقات بسيطة مثل الإنارة والإشارات الضوئية ومضخات المياه وغيرها. أما اليوم فنحن أمام رؤية جديدة حيث يتوقع أن تصل مساهمة الطاقة المتجددة إلى 10% عام 2025 وصولاً إلى 30% عام 2030. هذا أمر مميز وتخطيط راق في الاتجاه الصحيح وبناء على الدراسة التي أجرتها الهيئة العامة لتنظيم الكهرباء عام 2008 حيث خلصت الدراسة إلى أنَّ الطاقة الشمسية ثم الرياح هم أولوية قياسا بالطاقات المتجددة الأخرى في عمان، وبناءً على الدراسات التي أجريتها بدعم من مجلس البحث العلمي منذ عام 2011 إلى الآن نجد أن واقع الطاقة الشمسية واعد في عُمان وقد ألخص أهم نتائج أبحاثي هنا للقارئ الكريم:

-     أن الطاقة الشمسية في عُمان تعتبر من أعلى مستويات الطاقة عالمياً حيث يتغير الإشعاع الشمسي في عمان خلال العام من أدنى مستوى 2.37 كيلو واط ساعة / متر مربع / يوم إلى 7.34 كيلو واط ساعة / متر مربع / يوم مع يوم شمسي طويل يتراوح بين 8.6 إلى 11.4 ساعة / يوم وتوفر 243 يوما مشمسا صافيا خلال العام ويصل الإشعاع الشمسي إلى أعلى حالاته في المنطقة.

-     توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية في عمان أرخص منه باستخدام الغاز الطبيعي وذلك لشدة الإشعاع الشمسي وطول ساعات النهار وصفاء الجو الذي تحظى به السلطنة، حيث إن سعر الكيلوواط ساعة يصل إلى 40 بيسة علمًا بأن السعر الحالي للكيلوواط ساعة هو 10 بيسات بعد الدعم الحكومي والسعر الحقيقي بدون دعم هو 70 بيسة أي أنه أرخص بنسبة 43. %

-     مشاركة الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء سيوفر مبالغ كبيرة لدعم الاقتصاد سنوياً يمكن استخدامها لإنشاء العديد من المشاريع التي تنعكس إيجاباً على الاقتصاد. فإذا أضفنا إلى ذلك توفير الطاقة الكهربائية باستخدام الرياح فإنِّه من المتوقع أن تولد السلطنة ما يكفي من الكهرباء لعُمان وتصدير الباقي لدول الجوار، هذا أيضا بدوره ينعكس على ارتفاع صادرات الغاز الطبيعي بدلاً من استخدامه لتوليد الكهرباء مما يؤدي إلى توفير عملة صعبة تدعم الاقتصاد.

-     إن سلطنة عُمان من أكثر الدول محافظة على البيئة فإذا ما أخذنا التزايد والنمو والتوجه نحو مختلف الصناعات في عُمان نجد أن التلوث الصناعي البيئي يتزايد والذي لابد من معالجته من خلال سن قوانين تنظم نسبة الإشعاع المقبول وفرض ضرائب على الصناعات التي تشع أكثر من الحد الطبيعي هذا من جانب، ومن جانب آخر استخدام الطاقات المتجددة يؤدي إلى تقليل هذه الإشعاعات والحفاظ على البيئة ودعم الاقتصاد عن طريق زيادة صادرات الطاقات غير المتجددة كالغاز والنفط.

-     إن أثر الغبار في عُمان والتقادم أو ما يعبر عنه بالشيخوخة للخلايا الشمسية والذي يعد من أهم معوقات استخدام الخلايا الشمسية كان في أضعف حالاته في عُمان مقارنة بباقي دول مجلس التعاون الخليجي وقد تمَّ بحثه ونشره بالتفصيل في مجلات علمية عالمية مرموقة في التخصص. وبالتالي هذا يصب في جانب استخدام الطاقة الشمسية على نطاق واسع في عُمان.

وقد نجد أن هناك مشاريع عملاقة لاستخدام الطاقة الشمسية كمثال محطة عبري 2 وغيرها وقد يتبادر إلى الذهن أن الموضوع يتم بإنشاء منظومات شمسية كبيرة فقط وهذا مُغاير لما يقوله العلم والتجربة في العديد من دول العالم، حيث يكون المشروع ناجحا أو أقل نجاحا مع مضي الوقت واسترجاع أموال الاستثمار وجني الأرباح قد يحدث وقد لايحدث هذا إذا كان التخطيط ليس بالشكل الصحيح وعودة على بدء لابد من "استشراف المستقبل".

في عام 2019 تم وضع التشريعات التي تحدد استخدام طاقة الألواح الشمسية فوق أسطح المنازل في عمان ونجد بعد مضي عام أي عام 2020 أنَّ هذا القطاع لم ينشط بالمستوى المطلوب ومن ثم جاءت مبادرة "ساهم" للطاقة المتجددة لتشجيع استخدام الطاقة الشمسية ولكن لايزال هذا القطاع يسير بتباطؤ شديد. ومن المهم بمكان أن يتم تقييم هذه المبادرات على أسس علمية وفي نطاق التجارب العالمية للنهوض بهذا القطاع نحو تحقيق رؤية عُمان 2040 لملف الطاقة.

أود أن أشير إلى بعض المقترحات التي قد تُسهم في تطوير هذا القطاع بشكل كبير ودفع عجلة الاقتصاد مع توفير فرص عمل وتنمية الخبرات كالتالي:

-     التشجيع على تنصيب منظومات الطاقة الشمسية بعد مراجعة وتطوير التشريعات المعتمدة في العديد من دول العالم وتقييم التجربة منذ عام 2019 في ضوء تجارب الدول كما في أوربا وأمريكا وأستراليا وغيرها.

-     تشريع قانون خاص بعزل المباني حراريًا في ضوء التجربة الأوروبية.

-     تقديم دعم مالي بسيط من خلال قروض ألفين إلى ثلاثة آلاف ريال للمنازل التي يتم تنصيب منظومات الطاقة الشمسية بها والتي ترغب باستخدام الخلايا الشمسية أو\والعزل الحراري. على أن تكون القروض ميسرة أو بدون فوائد تماماً. وهنا يأتي دور القطاع الخاص والبنوك.

-     تنصيب منظومات طاقة شمسية بقدرة 10 و 20 كيكاواط في أماكن مختلفة في عمان وربطها بالشبكة الكهربائية فإنه سيساعد على تقوية الشبكة العمانية بشكل كبير مع تقليل الفاقد من النقل.

-     استخدام الخلايا الشمسية فوق المنازل سيُقلل من الحاجة إلى التبريد إلى النصف تقريباً. لابد من توعية المجتمع بكل الطرق لتشجيعه على المشاركة في هذا الاتجاه.

-     إجراء دراسات علمية تفصيلة لتحديد المكان والتكنولوجيا المناسبة للطاقة الشمسية و"استشراف المستقبل" بشكل دقيق لمعرفة جدوى من عدم جدوى المشروع والاعتماد في هذه الدراسات على متخصصين من داخل عمان بالتعاون مع المؤسسات الأكاديمية ومجلس البحث العلمي.

إن تكاتف الجميع من مؤسسات وهيئات ومجتمع سيكون له الدور البارز في تحقيق رؤية عمان للطاقة المتجددة 2040 وأنا استشرف بعين التفاؤل غدا مليئا بالإنجازات. دمتم بخير

تعليق عبر الفيس بوك