الواقع الافتراضي والواقع المعزز (1 - 3)

عبيدلي العبيدلي

 

أفرز تفشي فيروس الكورونا الكثير من الظواهر السلبية التي بلغت درجة المأساوية غير المسبوقة، وعلى الصعد كافة، الاقتصادية والاجتماعية، بل وحتى السياسية. لكن من أبرز تلك الظواهر التي يُمكن تناولها، نظراً للتأثير العميق الذي أحدثته في الحاضر المعاصر، والمتوقع له أن يكون أشد وقعاً في المستقبل هو التواصل عن بعد، ليس في الإطار الاجتماعي الترفيهي فحسب، وإنما في مجالات الأنشطة الإنسانية المختلفة مثل العمل، والتعليم، والصحة أيضًا. حيث سيطر مقطع "عن بعد"، على الأنشطة الإنسانية تلك، وتحول معظمها من مجرد تصرف استثنائي معزول، إلى سلوك إنساني معهود، وقابل للنمو والتطور.

ومن المقاطع المتداولة التي شاعت ورافقت هذه الظاهرة اللجوء إلى العديد من البرمجيات التي انتشرت في الأسواق، تلبية للاحتياجات الآنية المُباشرة التي ولدتها إفرازات تفشي فيروس الكورونا، وأبرزها اضطرار المجتمعات البشرية برمتها، ودون أي استثناء، إلى ما أصبح اليوم يعرف باسم "الإغلاق العام"، الذي يؤدي إلى حجر المواطن في المنزل، وتقليص نسبة الاختلاط إلى الحدود الدنيا، وأخذ مجموعة من الاحتياطات الضرورية التي غيرت من العلاقات الاجتماعية المتوارثة، والمهنية المزاولة (بفتح الواو).

أبرز ما رافق مثل التحولات التي ما تزال في طورها الآني، والتي يتوهم البعض منِّا أنها مؤقتة، وسوف تتلاشى بإنتاج لقاح جديد فعَّال لمواجهة ذلك الفيروس، إن لم يكن للقضاء عليه، هي الدعوة لأن يكون الأمر مقبولاً بمحاصرته، وتضييق دائرة انتشاره.

لكن اللافت للنظر، هو رواج تلك النظريات التي تتوقع، ميلان السلوك الإنساني نحو العديد من السلوكيات التي ما تزال اليوم مصنفة في فئة المُؤقتة، ويتوهم البعض عودة الإنسان إلى سابق عهده، نحو الديمومة والسيطرة. فبتنا نسمع، ونقرأ، بل ونشاهد من يقول إنَّ هناك تحولا بشريا جماعيا، وفي أقل الأحوال، عالي النسبة، نحو ما جرى تجربته خلال أزمة كوفيد-19 الأخيرة. ومن المتوقع أن يميل ما شاهدناه ما أعتقد أنَّه مؤقت، نحو الديمومة كي يصبح حالة مستمرة متقبلة.

إن العنصر المشترك فيها، والعامل الأكثر تأثيرا في المسار الذي سيختاره هذا الميلان، هو ذلك التفاعل الإيجابي المؤثر، والقادر على الاستمرار والنمو في آن بين التقدم التكنولوجي من جهة والفئة الشابة من المجتمع من جهة أخرى. هذه الفئة من المجتمع التي سيكون لها الكلمة الأكثر تأثيرا في صياغة الهيئة التي سيتشكل منها ذلك المجتمع، التي ستشكل هي النسبة الأعلى بين فئاته، بل والمسيرة لأكثر آلياته.

وليس هناك من دليل أقوى على الحضور المجتمعي لذلك "العامل المشترك"، الذي نتحدث عنه هو ذلك النمو غير المتوقع في الأرباح، وفي زيادة القوى البشرية العاملة، الذي عمَّ شركات تقنية المعلومات والاتصالات، وعلى وجه الخصوص تلك التي استثمرت في مرحلة مبكرة في صناعة الاتصالات، وفي الأنشطة المرافقة لما يعرف باسم "إنترنت الأشياء (IoT)".

هذا التحول يخاطب المُستقبل، ولا يلتفت نحو التاريخ. تلك المخاطبة تعتمد في تحليلاتها على ما ذهبت إليه العديد من الدراسات التي تتوقع أنه "بحلول عام 2025 سيكون عدد سكان العالم من الجيل الثاني أو ما يُعرف بـ (جيل ألفا) حوالي المليارين، ويُقصد بجيل ألفا، هو الجيل الذي ولد بين عامي 2010 و2025، وهو الجيل الذي نشأ بين أكناف التكنولوجيا منذ نعومة أظافره، فهم نموا جنباً إلى جنب مع أجهزة iPhone وiPad والتطبيقات الذكية".

الغالبية العظمى من هذا الجيل، وكما يرد في دراسات أخرى "يعيش في منازل ذكية ويتحدثون إلى مساعد صوت ذكي كل صباح قبل الذهاب إلى المدرسة، لم يعرفوا الحياة دون الإنترنت أو ألعاب الفيديو، ولايمكنهم تخيل كيف كانت الحياة بدونهم. إذ كان التعليم من أكثر من المجالات تأثرًا بالتكنولوجيا والرقمنة، فاليوم لم يعد طلاب المدارس والجامعات يرغبون في التعلم من خلال قراءة الكتب ونسخ النصوص، وإنما يُريدون استغلال امتيازات التكنولوجيا لاستخدامها في الفصول الدراسية".

وتتوقع المعلمة المهنية والعضو المؤسس لمدرسة كرافورد المرموقة والموظفة في لوتشيا التابعة لمجموعة ADvTECH، جيني كوتزي، أن "هؤلاء الأطفال هم الجيل الأكثر ارتباطًا وتعليماً وتطوراً على الإطلاق، لذلك عند التعليم، ينبغي للمدرسة أن توفر بيئة تعزز التعليم لدى هؤلاء". ولكن، قد تجد بعض المؤسسات التعليمية والمعلمون صعوبة في تلبية متطلبات أطفال جيل ألفا إذا أهملوا تحديث أنفسهم ومنهجيتهم ومناهجهم الدراسية من أجل تبني نهج جديد في التعليم".

جيل " ألفا، أو جيل "الألفية"، هم الذي سيُشكلون الطفرة السكانية القادمة، وهم الذين سيرسمون معالم الثورة التقنية القادمة التي ستأتي مخرجاتها منصبة على تلبية احتياجات ذلك الجيل وسلوكياته المنبثقة عن تلك الاحتياجات.

وبخلاف تلك الصورة السلبية التي يُحاول البعض من الفئات التي لا تنتمي لهذا الجيل أن ترسمها عنه. فهذا الجيل، كما تتوقع له العديد من الدراسات الرصينة، وكما تنقل مجلة "رواد الأعمال"، سوف يكون "أكبر جيل منذ جيل مواليد الخمسينيات، ويقدر عددهم بنحو 5 مليارات عالمياً من المجموع الكلي للسكان، البالغ أقل بقليل من 7 مليارات نسمة، بينما يقدر عددهم في العالم العربي بنصف العدد الكلي للسكان تقريباً.  ويتميز جيل الألفية بخصائص عدة، منها: 1- ينخرط في المشاركة الحضارية وتبادل الثقافات. و2- مهتم بالبذل والعطاء. و3- متاحون طوال الوقت على جميع المنابر. و4 - يفضل الأحاديث غير الرسمية. و5- يجمع التبرعات من أجل الأعمال الخيرية. و6 - تواقون للعمل الأكثر عددا من جهة أخرى.

وكما أشار موقع" The Council of Economic Advisors "، إلى أن جيل الألفية حاليا، "هو الأكثر عددا وتنوعا في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم تشكيله عن طريق التكنولوجيا، وهو جيل يقدر المجتمع والعائلة، ومبدع في أعماله، مؤكدًا أن هذا الجيل استثمر في الإنسانية أكثر من الجيل السابق، وهو أكثر ميلاً لدراسة العلوم الاجتماعية والمجالات التطبيقية".

هذا يعني أنَّ جيل المستقبل سيكون هو الجيل القادر على التعامل المستمر والقادر على النمو في آن مع التحول الذي سوف تشهده ثورة التكنولوجيا، والتي ستحتل تطبيقات " الواقع الافتراضي (Virtual Reality) والواقع المعزز (Augmented Reality)" موقع القلب منها.