محرك التوصية في خدمة مواجهة كورونا (2 – 1)

 

 عبيدلي العبيدلي

الكثيرون ممن تابعوا دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شركة مايكروسوفت الأمريكية للاستحواذ على شركة "تيك توك" الصينية في انتظار يوم 15 سبتمبر المُقبل. فهو الموعد الذي ضربه ترامب "لوضع مُخطط لعملية استحواذ تحمي البيانات الشخصية للأمريكيين المخزنة على تطبيق الفيديو القصير، وأصدر أمرًا بحظره إن لم يكن هناك اتفاق بحلول ذلك الوقت".

وجوهر هذا الاستحواذ الذي يبدو في شكله الخارجي مجرد تقفي أثر معلومات بشأن تلك الشخصيات الأمريكية، يدور حول ما يُعرف باسم محرك التوصية. ويطلق عليه البعض نظام التوصية (Recommendation System).

وهناك تعريفات مختلفة لهذا النظام، البعض منها ينطلق من توصيف الخوارزميات التي يستخدمها البرنامج الذي يُحركه، في حين يكتفي البعض الآخر بالقول إنه "نظام يقترح المنتجات والخدمات والمعلومات للمستخدمين بناءً على تحليل البيانات. على الرغم من ذلك، يمكن أن تنبثق التوصية من مجموعة متنوعة من العوامل مثل تاريخ المستخدم وسلوك المستخدمين المماثلين".

لكن ما هو مهم في هذا النظام تحوله، وفي فترة قصيرة من حياته إلى الطريقة الأساسية للمستخدمين للكشف عن العالم الرقمي بأكمله من خلال عدسة تجاربهم وسلوكياتهم وتفضيلاتهم واهتماماتهم. وفي عالم يتسم بكثافة المعلومات والحمل الزائد للمُنتجات، يُوفر محرك التوصية وسيلة فعَّالة للشركات لتزويد المستهلكين بالمعلومات والحلول الشخصية، التي تساعدهم على تحويل عملية الإبحار على الإنترنت من مُجرد متعة، أو تسلية إلى ما هو أكثر تعقيدًا من ذلك.

وعلى المستوى التجاري المحض، يُمكن لهذا البرنامج أن يُمارس دورا في غاية الأهمية.  إذ يمكن للشركات التجارية التي تستخدم أحد تطبيقات مثل هذا النظام على مواقعها الإلكترونية، وعلى وجه الخصوص في أسواقها التجارية (emarketplace)، زيادة إيراداتها، من خلال التعرف على سلوك زبائنها التسوقي، باستخدام قُدرات البرنامج على دراسة السلوك التجاري للزائر، من خلال مُتابعة مشترياته من تلك الأسواق الإلكترونية، أو البضائع التي يحلو له التعرف على مُواصفاتها.

ومن أقرب الأسواق إلى ذهن القارئ هي تلك التي تسيرها شركات مثل أمازون، التي ما أن يشتري الزائر أحد كتبها، حتى تلفت نظره، إلى أنَّ من اقتنى ذلك الكتاب الذي اشتراه، اشترى أيضاً عناوين كتب أخرى يجد ذلك المتبضع قائمة منها على شاشاته. هذا بدوره يُشجعه على زيادة عدد الكتب التي كانت في بداية جولته مجرد عنوان واحد لا أكثر.

شركة أخرى تستخدم بكثافة مُحركات التوصية هي شركة نتفلكس (Netflix) للأفلام والمُسلسلات التلفزيونية، حيث تُوفر الكثير من الجهد على مشاهدي برامجها.  فبدلاً من الاضطرار إلى تصفح الآلاف من مجموعات من عناوين الأفلام، تُسارع الشركة من خلال استعانتها بأحد تطبيقات نظام التوصية باقتراح سلسلة من عناوين الأفلام التي زودها بها نظام التوصية الذي تستخدمه.

موقع آخر يلجأ إلى مُحركات التوصية من أجل رفع أرقام أعداد زواره، ومستخدمي خدماته، هو "إنستغرام". إذ يقوم محرك التوصية الذي يستخدمه الموقع بمقارنة الحسابات المتشابهة مع بعضها البعض من "خلال تكييف طريقة شائعة للتعلم الآلي تُعرف باسم (تضمين الكلمات)، حيث تدرس أنظمة تضمين الكلمات الترتيب الذي تظهر به الكلمات في النص لقياس مدى ارتباطها، وتستخدم المنصة طريقة مشابهة لتحديد مدى ارتباط أي حسابين ببعضهما البعض".

وبفضل تلك القدرة الفائقة على التعرف على سلوك الزبون، أو المتسوق، ومخاطبته عبر القناة التي تستجيب لرغباته، وتدله على أقرب الطرق، وأقلها كلفة، في بعض الأحيان، لاقتناء ما هو في حاجة له، نجحت شركات مثل أمازون ونتفلكس في زيادة عدد الزبائن الذين يتسوقون من مواقعهم، وفي الوقت ذاته، تضخيم حجم مشترياتهم، في كل مرة يزورون تلك المواقع، كما تمكن موقع انستغرام من مضاعفة عدد زواره.

ولكي تُحقق محركات التوصية أعلى درجات الدقة المُتوخاة في التعرف على شخصية الزبون بشكل أكثر شمولية، وبطريقة أفضل، تحتاج محركات البحث المُستخدمة إلى جمع أكبر كميات من المعلومات، وعلى فترات متكررة، ثمَّ دمجها بطرق معقدة تستند إلى خوارزميات هي الأخرى في غاية التعقيد، كي يتسنى لها بعد المُعالجة والدمج والتصنيف، إجراء المُقارنات المطلوبة التي تزاوج بين الزبون المعني، والتوصيات الأفضل التي يمكن أن تناسب ميوله.

ولتحقيق النتائج الأفضل القادرة على المواءمة الناجحة بين شخصية المتسوق ومقتنيات الشركة تلجأ محركات البحث إلى واحدة من طريقتين:

الأولى منهما تعرف باسم التصفية على أساس المحتوى (Content-based filtering).

وفي هذه الطريقة، يعتمد محرك الترشيح على أكبر كميات ممكنة مستقاة من تفاعلات المستخدم وتفضيلاته، معتمدا في ذلك على أكبر كمية ممكنة من البيانات الوصفية التي يتم جمعها من سجل رحلة المتسوق / المستخدم وتفاعلاته مع ما يشهده أو يقرأه على الموقع الذي يقوم بزيارته، أو يتردد عليه.

أما الطريقة الثانية فهي التي تعرف باسم التصفية التعاونية (Collaborative filtering).

والتصفية التعاونية هي تقنية أخرى شائعة الاستخدام. وتعتمد التصفية التعاونية على شبكة أوسع بكثير من "التصفية على أساس المحتوى"، حيث تعتمد على جمع المعلومات من التفاعلات المختلفة من العديد من المستخدمين الآخرين لاستخلاص اقتراحات لمستخدم آخر. ويعرض هذا النوع من محركات التوصية ما يُقدمه من توصيات اعتمادا على سلوك مستخدمين آخرين لديهم سلوكيات مُشابهة لمن سوف يوافونه بمُقترحاتهم التي تلائمه وتناسب احتياجاته تم استقاؤها من سلوك مستخدمين آخرين زاروا الموقع.

ويُواجه هذا النوع من محركات التوصية، مجموعة من المُشكلات التي تحد من كفاءة النتائج المُتوخاة، من بينها، كما يرد على موقع الموسوعة الإلكترونية ويكيبيديا هي:

  1. البداية الباردة: هذه الأنظمة تطلب كماً كبيراً من البيانات عن المستخدم حتى يتسنّى لها تقديم توصيات دقيقة.
  2. التوسع: في الكثير من استخدامات هذه الأنظمة، هناك الملايين من المستخدمين والمنتجات، لذلك؛ ستقوم بإجراء عمليات حسابية ضخمة لحساب التوصيات.
  3. التناثر: عدد المنتجات المَبيعة في المواقع التجارية كبير جدًا، حتى أن أكثر المستخدمين نشاطاً سيقومون بتقييم مجموعة صغيرة من قاعدة البيانات الكلية، لذلك فإنَّ حتى أشهر المنتجات ستحصل على تقييم قليل.