تسهم في دعم جهود تعزيز التنويع الاقتصادي والاستفادة من المقومات الداخلية

وزارة التراث والسياحة.. توأمة تجسد الرؤية التنموية للتراث الوطني والطبيعة الخلابة

مسقط - الرؤية

وَصَفت الدكتورة هبة عبدالعزيز الأستاذة بكلية الاقتصاد وإدارة الأعمال بالجامعة الألمانية للتكنولوجيا في عمان "جيوتك"، دمج قطاعيْ التراث والسياحة في وزارة واحدة، بأنه مرحلة جديدة يشهدها قطاع السياحة في السلطنة.

وقالت -في دراسة أعدتها حول هذا الدمج- إنَّ هذه الخطوة تأتي تجسيدا لرؤية وفلسفة السلطنة التنموية لتراث أصيل وحاضر ومستقبل يوظفان هذا التراث ويحافظان عليه، مشيرة إلى أنَّ التراث الثقافي ظل قرينا للسياحة منذ بداية الاهتمام بقطاع السياحة في السلطنة والنظر إليها باعتبارها أداة للتنوع الاقتصادي، والذي عبر عنه بشكل واضح وصريح في كل من رُؤية 2020 والرؤية المستقبلية "عُمان 2040".

ولفتتْ هبة عبدالعزيز إلى أنَّه وعلى مدى الخمسين عاما الماضية، لم يختلف أي مخطط تنموي على أن ميزة عُمان التنافسية تكمن في تراثها وتاريخها وثقافتها، وقد كان هناك في الفترات الماضية مبادرات مختلفة للتعبير عن هذه التوأمة، وعلى سبيل المثال: تنقلت مسؤولية القلاع والحصون بين وزارتي السياحة والتراث والثقافة (سابقا)، إلى أن استقر بها المطاف في وزارة التراث والثقافة قبيل صدور التعديل الهيكلي. ولعل صدور قرار بترخيص النزل التراثية كأماكن للإقامة كان من أهم إنجازات وزارة السياحة (سابقا).

وقالتْ في الدراسة إنَّ مثل هذا القرار نتج عنه منتج سياحي جديد ومتفرد أضاف بالفعل إلى التجربة السياحية في السلطنة، ولعل تطوير حارة العقر في نزوى ومسفاة العبريين في ولاية الحمراء؛ وهما حاليا ضمن المقاصد السياحية الفريدة إقليميا إن لم يكن عالميا لخير مثال على هذا النهج. وتابعت أن هذا المزج العملي بين التراث والسياحة والذي قام به القطاع الخاص الأهلي مستبقا التعديل الهيكلي، يعد مؤشرا مبدئيا لما يمكن أن تقدمه وزارة التراث والسياحة من منتج سياحي فريد، محققا لأهداف التنمية المستدامة التي ترتكز عليها رؤية عمان 2040 وتلتزم بتحقيقها السلطنة.

وأكدت الدكتورة هبة عبدالعزيز أن المحلل لوثيقة "الرؤية 2040" ومحتواها يتكشف له أن وثيقة الرؤية تناولت التراث في ثلاثةٍ من محاورها الرئيسية؛ هي: محور التعليم والتعلم والبحث العلمي والقدرات الوطنية؛ إذ أكدت كذلك على ضرورة أن تستلهم المناهج مكوناتها من الإرث العماني الأصيل، ومحور المواطنة والهوية والتراث والثقافة الوطنية؛ الذي تناول موضوع اقتصاديات الإبداع والتراث ودوره في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز المواطنة، كما تم تناول التراث أيضا في محور تنمية المحافظات والمدن المستدامة والذي ركز على ضرورة الاهتمام بالتفرد والتنوع الإقليمي في الجانبين التراثي والطبيعي.

وقالتْ إنه بينما ذكرت الرؤية المستقبلية مكون السياحة في محور الاقتصاد المتنوع، بدت السياحة في موقعها كوسيلة وليست غاية في حد ذاتها؛ فهي وسيلة للنمو والتنوع والاقتصادي، وليس تبنيها هدفا في حد ذاته. واستدركت بالقول: كانت رؤية حكيمة أن يكون للسياحة وزارة في بدايات التركيز عليها كوسيلة للتنويع الاقتصادي حتى تولي الاهتمام المناسب لها، كما كان لها لجنة وزارية تنسيقية على أعلى مستوى، وكل هذا ضروري لفهم القطاع المتشابك جدا والمتداخل، لدرجة أن المنظرين لهذا القطاع يسردون أن هذا القطاع "هلامي" وصعب الإمساك به، فالسياحة تشمل النقل والطبيعة والتراث والفنادق والمطاعم والتسوق والحرف والفنون والأمن والشعب المضياف والمناخ المعتدل والخدمات الصحية والأمنية وغيرها الكثير، وكل هذا مجتمعا يصنع تجربة سياحية فريدة، ومن ثم؛ من غير الإنصاف أن تتحمل وزارة واحدة ليس لديها سلطة مباشرة على معظم هذه المكونات تلك المسؤولية.

ومضَت عبدالعزيز في دراستها قائلة إنَّ السياحة تجربة حياتية والتطور الحضري والإقليمي المميز يوفر تلك التجربة للسائح والمقيم على حدٍّ سواء، ومن ناحية حوكمتها، لا بُد أن يكون جزءا كبيرا من إدارتها يتم عبر كل تلك الجهات التي تدير هذه الملفات المتنوعة كجزء لا يتجزأ من مسؤوليتها.

وأوضحت أن ثمة توأمة وارتباطا بين التراث والسياحة، لأنه يكاد يكون مستحيلا وجود دول ليس لديها تراث، لكن توجد دول لم تستثمر في تراثها وثقافتها، قائلة إن مثل تلك الدول يستحيل أن تتبنى قطاعا سياحيا مستداما وتنافسيا، موضحة أن المتصفح لكتيبات الشركات السياحية الكبرى التي يروج فيها لإجازات "البحر والشمس والرمل" والتي تتمثل في المنتجعات شديدة الرفاهية وباهظة الثمن؛ سواء من حيث تطويرها وإنشائها -لكن ليس بالضرورة في مردودها الاقتصادي- يجد أن ثمة صعوبة شديدة في التمييز بين الوجهات السياحية التي تحتضنها، فمثلا تتشابه شرم الشيخ المصرية مع جنوب إسبانيا، وقبرص مع دبي، وتونس مع تركيا؛ فالكل يجلس على شاطئ البحر، مُستسلما لأشعة شمس، أمامه مارينا لليخوت وخلفه ملعب للجولف، وتؤكد الدكتورة هبة عبدالعزيز أن هذه الوجهات "وجهات بلا هوية".

وقالت: "يأتي مكون الثقافة بتفرده، فلا مقصد آخر يتيح للزائر فهم واستنشاق ارث قديم ومعاصر في ذات الوقت مثل موقع أرض اللبان، أو نظام مائي مركب من آلاف السنين ما يزال مسؤولا عن حياة مجتمعات ريفية إلى يومنا هذا مثل الأفلاج، إنه إرث ليس عمانيا فحسب وإنما إرث عالمي وفقا لمنظمة اليونسكو".

وأكدت هبة عبدالعزيز أنَّ المكونات الأصيلة في عُمان الممزوجة بشعب وأرض وتجارب فريدة، لا يمكن لأي وجهة سياحية أخرى أن تتنافس عليها، وفي قراءة لدوافع وسيكولوجية السياح يتأكد أن ما يبحث عنه السائح هو تجربة حياتية فريدة وليس مجرد عطلة على شاطئ البحر؛ إذ طرأت تغيرات جديدة على سيكولوجية السياح كلها تصب في صالح التعامل مع التراث كركيزة للسياحة.

واستطردت قائلة: إذا ما عدنا لمبررات تبني الدول للسياحة كقطاع اقتصادي فيأتي في المقام الأول القدرة التنافسية لهذا القطاع إذا ما قورن بقطاعات أخرى، وتتأتى هذه القدرة من تفرد الوجهة السياحية المرتقبة بعناصر إنتاج فريدة وموجودة بالفعل، وفي هذه الحال ينطبق الأمر على المقومات الثقافية والطبيعية مثل القلاع والحصون والحارات القديمة والأودية والجبال، ومن ثم تأتي المنتجعات والفنادق والمقاهي كمكمل لها وليس كمنتج أساسي.

وقالت إن هذا المنتج المكمل ينبغي أن يتولاه القطاع الخاص -وطني أو أجنبي- في هيئة مشروعات كبيرة، ومن الأفضل أن تكون مشروعات صغيرة ومتوسطة يقوم بها موطنو كل موقع. وأضافت أنه من هذا المنطلق فإن تبني القطاع السياحي كأحد القطاعات التنموية الرئيسة تتعاظم جدواه الاقتصادية في حال كان ركيزته التراث والثقافة، خاصة أن كل محافظة ومدينة في عمان تزخر بهذا المكون، وبذلك تتحقق التنمية الإقليمية المتوازنة التي هي أحد أهم أهداف رؤية عمان 2040.

وشرحت عبدالعزيز أنه في هذه الحالة تبدأ السياحة بمكون التراث الثقافي كعنصر جذب، إلا أن الإنفاق السياحي يمتد ليشمل الإنفاق على الفنادق ووسائل المواصلات والأطعمة والمشروبات والحرف والتذكارات، وكل هذه الصناعات مكملة وضرورية لهذا المنتج. وبهذا المنهج، نجد إن السياحة بهذا التناول تعطي مبررا اقتصاديا وليس عاطفيا للحفاظ على التراث -فلم يعد التراث حينئذ ترفًا يصعُب الدفاع عنه وعن احتياجاته المالية لأن له مردود اقتصادي واضح ويمكن قياسه. وإذا ما تم تناول التراث الثقافي في إطار منظومة اقتصاديات الثقافة والإبداع نجد أن لديه القدرة على المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي وعلى توفير فرص العمل التي تتفق وثقافة المجتمع وليست دخيلة عليه؛ فالاهتمام بالتراث الثقافي بكافة أشكاله المادي وغير المادي من خلال مبادرات تفسير الأثر وإعادة توظيفه يزيد من جاذبية المدن للاستثمار ويكون محركا للتنمية العمرانية.

واختتمت الدكتورة هبة عبدالعزيز دراستها بالقول إنَّ التراث الثقافي والسياحة وجهان لعملة واحدة؛ فما من مبرر للحفاظ على التراث وترميمه إن لم نقم بسرد حكايته لزواره مواطنين وسياحا على حد سواء، وفي هذه الحكاية ومرادفاتها المتنوعة يكمن الاقتصاد الإبداعي، والأمر ليس اقتصاديا فحسب، لكن هذا التناول لقطاعي التراث والسياحة يزيد من جاذبية الأماكن التراثية التي من خلال توظيفها وتناولها اقتصاديا، تكون أكثر جاذبية وحداثة، فيتولد وينمو شعور المواطنة والفخر والانتماء؛ وهو غاية وطنية سامية لأجيال عمان القادمة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة