◄ ترامب يحاكي "المستبدين" في عدم الثقة بمؤسسات الدولة بأكملها
ترجمة - رنا عبدالحكيم
اتَّهمَ مقالٌ بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، الرئيس دونالد ترامب بالسعي لتقويض خدمات البريد وكل مؤسسة رئيسية في الولايات المتحدة؛ لتحقيق أهداف شخصية تساعده على إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية المقررة نوفمبر المقبل.
ويستذكرُ كاتبُ المقال ويليام إتش ماكرافين، وهو أميرال متقاعد في البحرية الأمريكية، في هذا السياق، أحداث فيلم "The Postman" أو "ساعي البريد" الذي أُنتِج عام 1997، وتدور أحداثه في الولايات المتحدة ما بعد نهاية العالم، حيث يلعب كيفن كوستنر دور المتسكع في محاولة لإعادة النظام إلى الولايات المتحدة من خلال تقديم خدمة أساسية واحدة، وهي تسليم البريد. وفي قصة الفيلم، تسببت جرائم الكراهية والهجمات ذات الدوافع العنصرية والطاعون في انهيار المجتمع الذي نعرفه، لكن في سعيه لاستعادة النظام والكرامة للأمة، يحاول ساعي البريد توظيف عمال بريد آخرين للمساعدة في إعادة بناء حكومة الولايات المتحدة، غير أنَّ شخصية كوستنر تعارضها شخصية الجنرال الشرير، الذي يُقاتل لقمع شركات البريد حتى يتمكن من إقامة حكومة شمولية، ولحسن الحظ، يعكف البطل على محاربة الجنرال وينقذ البلاد.
ويرى ماكرافين أنه ليس من المستغرب أن يوجه النقاد سهامهم تجاه الفيلم وكأن كارثة مالية قد وقعت. إذ تعجّب النقاد من أن الفتنة العنصرية والطاعون من السوء، لدرجة أنها هددت المجتمع الأمريكي، وحتى لو حدث ذلك، فمن سيحاول تدمير خدمة البريد؟ من أين يأتون بهذه المؤامرات المجنونة؟ هكذا كان رأي النقاد آنذاك.
غير أنَّه يرى أن الوضع بات سيئا في الولايات المتحدة؛ حيث تنتشر في أمريكا الاضطرابات الاجتماعية، والديون المتفاقمة، كما تشهد معدلات بطالة قياسية، ووباءً جامحًا، وتهديدات متزايدة من الصين وروسيا.
وقال ماكرافين إنَّ ترامب غرس بذور الشك في أذهان العديد من الأمريكيين، عندما صرح بأنَّ مؤسساتنا لا تعمل بشكل صحيح. وإذا كان الرئيس لا يثق في مجتمع الاستخبارات، ومؤسسات إنفاذ القانون، والصحافة، والجيش، والمحكمة العليا، والمهنيين الطبيين، ومسؤولي الانتخابات، وعُمَّال البريد، ففِي مَن يثق إذن؟ وإذا توقف الأمريكيون عن الإيمان بنظام المؤسسات، فماذا يتبقى سوى الفوضى؟ ومن يستطيع أن يخرج النظام الأمريكي من الفوضى؟ لكن ترامب يرى أنه فقط القادر على ذلك، وهذا ما يسعى إليه ويؤكده كل مستبد استولى على السلطة أو يسعى للتشبث بها.
ويؤكِّد الكاتب أنَّ مُؤسسات الدولة الأمريكية تمثل أساس الديمقراطية الفاعلة، وعلى الرغم من أنها لا تعمل بصورة مثالية، إلا أنها لا تزال أقوى حصن ضد المتهورين من السلطويين. وهذه المؤسسات هي صوت الناس؛ فهناك صوت في المعلومات التي نتلقاها، وصوت في القوانين التي نمررها، وصوت في الحروب التي نخوضها، والأموال التي ننفقها والعدالة التي ندعمها وصوت في الأشخاص الذين ننتخبهم.
ويضيف الكاتب أنه وفي الوقت الذي يسعى فيه ترامب إلى تقويض خدمة البريد الأمريكية ووقف التصويت عبر البريد، فإنه يسحب صوتنا لتحديد من سيقود أمريكا، وليس من المبالغة القول إن مستقبل أمريكا يمكن أن يعتمد على هؤلاء الرجال والنساء الرائعين الذين يتحلون بالشجاعة من أجل إحضار بريدنا وتقديم أصواتنا. فدعونا نتأكد من أن لديهم كل الموارد الممكنة لتزويد مواطني هذا البلد بالمعلومات التي يحتاجون إليها، وبطاقات الاقتراع التي يطلبونها وخدمة البريد التي يستحقونها.
ويختتم الكاتب مقالته بالعودة إلى نهاية فيلم "ساعي البريد"، حيث تكشف ابنة البطل، عن تمثال لأبيها، وتثني على شجاعة ومثابرة شركة البريد لإنقاذ البلاد. ويضيف أنَّ بعض نقاد موقع "روتن توميتوز" -موقع إلكتروني متخصص في تقييم الأخبار والأفلام- رفضوا الفيلم، وقالوا إن "الفيلم ربما كان سيحظى بمشاهدة أكبر ما لم يكن شديد الجدية"، ليرد عليهم قائلا: "حسنًا، ربما حان الوقت لأن نتحلى ببعض الجدية الذاتية، قبل أن تكون تصرفات ترامب قاتلة لمؤسساتنا وديمقراطيتنا".