124 مليار دولار قيمة محافظ هذا النوع من القروض حول العالم

"كورونا" يفجر أزمة ائتمانية للقروض المتناهية الصغر.. ودعم القطاع يعزز المكاسب

◄ على الحكومات اتخاذ إجراءات صارمة ضد "الإقراض المفترس"

ترجمة- رنا عبدالحكيم

دقت مجلة ذي إيكونوميست البريطانية جرس الإنذار تُجاه أزمة ائتمانية تلوح في الأفق مرتبطة بالقروض متناهية الصغر، في ظل ما يُواجهه العالم من تحديات غير مسبوقة فرضتها جائحة كورونا "كوفيد- 19".

وقالت المجلة في تقرير إنَّ جميع أنحاء العالم النامي، شهدت فقدان عدد كبير من الأشخاص وظائفهم أو تعرضوا لانخفاض في دخولهم. ويُجبر الكثيرون على بيع ممتلكاتهم البسيطة لدفع ثمن الطعام. ورغم أنَّه من شأن المنح الحكومية أن تسد الفجوة في الموارد المالية لهذه الأسر، إلا أنه في العديد من البلدان باتت الخزائن العامة خاوية. وغالبًا ما يُعاني الكثير من الأشخاص من الفقر المدقع، مما يشكل خطرًا ائتمانيًا، أو أو أنهم يعيشون في مناطق نائية، بحيث لا يمكنهم الحصول على المساعدات من البنوك. ويرى التقرير أن الائتمان المصرفي المتناهي الصغر، يواجه مصاعب جمة، رغم أنَّه كان من المفترض أن يكون أحد أبرز أشكال الإقراض المصمم خصيصًا للفقراء.

ففي تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان الائتمان المتناهي الصغر أحد العوامل الرئيسية في تعزيز مسيرة التنمية بالبلدان، وفي عام 2006، فاز "بنك الغارمين" البنجلاديشي ومؤسسة محمد يونس بجائزة نوبل للسلام نظير جهود إنشاء أول بنك للفقراء في العالم. وقالت المؤسستان إن السماح للفقراء بالاقتراض والاستثمار من شأنه أن يطلق العنان لرائد الأعمال بداخلهم وسيسمح لهم بالخروج من دائرة الفقر، ومن هنا ظهر نموذج ائتماني جديد؛ فبدلاً من المطالبة بضمانات بنكية إضافية، قرر موظفو البنك اعتبار الجدارة الائتمانية لهم من خلال تقييم الدخل المتوقع لمشاريعهم البسيطة. وغالبًا ما كان القرض يذهب إلى مجموعات من الأشخاص على علاقة بموظفي البنك، ما يتيح لهم رقابة أفضل على الأداء. وأدى ذلك أيضًا إلى توفير الوقت والجهد على موظفي البنك، وتأهيل الكوادر الكفؤة التي مكنت العملاء من اقتراض مبالغ صغيرة بأسعار معقولة.

وتبلغ قيمة محافظ الإقراض لمؤسسات التمويل المتناهي الصغر في الوقت الراهن 124 مليار دولار. ولكن القطاع في ورطة، في ظل ما يسببه كوفيد-19 من إجهاد لمواردها المالية. وتراجعت عمليات السداد، التي تتم عادة نقدًا وشخصيًا، لكن البنوك والمستثمرين الذين يزودون مؤسسات التمويل المتناهي الصغر بالأموال ما زالوا يتوقعون السداد. وثمَّة أزمة تلوح في الأفق؛ فأكثر من ثلثي مؤسسات التمويل المتناهي الصغر خفضت عمليات الإقراض غالبًا إلى النصف على الأقل، وفقًا لتقرير "CGAP" وهي مؤسسة استشارية لمساعدة الفقراء مقرها واشنطن. وما يقرب من الثلث لا يملكون النقود الكافية لمواجهة التدفقات الخارجة خلال هذا الربع. لكن ليست هذه هي المشكلة الوحيدة في قطاع التمويل متناهي الصغر، فمما يزيد الأمر تعقيدًا هو مجموعة من القضايا الأعمق والأطول أمدًا والتي بدأت تقوض سمعتها فيما يتعلق بالكفاءة والاستقامة.

ومع نمو القطاع من حيث الحجم، نمت أيضًا التعقيدات المُصاحبة، فتشعب القطاع من التأمين إلى التأجير، وجرى تحويل مجموعة من الخدمات الائتمانية المتناهية الصغر إلى التمويل المتناهي الصغر، ودخل لاعبون جدد إلى ساحة المنافسة. وكافحت الجهات التنظيمية لمواكبة المتغيرات، وأصبحت اللوائح المنظمة للقطاع- وهي غير مكتملة- والكثير من الثغرات القانونية مشكلة خطيرة، نظرًا لأنَّ معدلات السداد المرتفعة في القطاع- التي تزيد كثيرًا عن 90% في المتوسط ​​- اجتذبت المُقرضين الساعين للربح، وبعضهم يطلب سندات ملكية الأراضي كضمان، ويتقاضى أسعارًا باهظة، ويستخدم أساليب قاسية لتحصيل المدفوعات.

وتشير مجموعة مُتزايدة من الأبحاث الأكاديمية إلى أنَّ التمويل المتناهي الصغر دائمًا لا يرقى إلى مستوى التوقعات العالية المعترف بها. ومن بين الاقتصاديين الذين حققوا أمجادا في هذا الشأن، الفائزان بجائزة نوبل العام الماضي أبهيجيت بانيرجي وإستير دوفلو؛ حيث وجدا- وغيرهم- أن آثار التمويل المتناهي الصغر على الاستثمار والإيرادات والاستهلاك صغيرة وغير مؤكدة، وكانت النتيجة تراجع الاهتمام بهذا القطاع من قبل المستثمرين والمانحين.

ويلجأ العديد من الأشخاص إلى مؤسسات التمويل المتناهي الصغر لتلبية مجموعة متنوعة من الاحتياجات، من شراء السلع إلى مساعدة الأقارب. والجانب الأكثر أهمية في هذا القطاع، أن هذه الأموال يتم إنفاقها لمساعدة الأسر على المعيشة، خاصة في ظل المواسم السيئة أو الجوائح والأوبئة؛ فبدون الائتمان المتناهي الصغر، فمن شأن "كوفيد- 19" أن يدفع المزيد من الأشخاص الذين يواجهون أوضاعًا يائسة، إلى دائرة الخطر والوقوع في دوامة الديون.

لذلك تحتاج مؤسسات التمويل المتناهي الصغر القابلة للاستمرار إلى الدعم على المدى القصير، ويجب على المانحين والمستثمرين التفكير في تأجيل أو إعادة جدولة القروض أو ضخ رأس مال جديد. وما يقرب من نصف مؤسسات التمويل المتناهي الصغر يقولون إنِّهم لم يجروا أي نقاش مع الممولين حتى الآن. وقد تحتاج الجهات التنظيمية إلى تخفيف المتطلبات الاحتياطية لتوفير مساحة للتنفس، كما يجب التسامح والصبر مع العملاء المتعثرين، طالما أنَّ مؤسسات التمويل المتناهي الصغر ترسم مسارًا للعودة إلى الوضع الطبيعي عندما ينتهي الوباء.

وعلى المدى الطويل، تحتاج الحكومات إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الإقراض المفترس وجعل القواعد أكثر اتساقًا وتوحيدًا. ويرى التقرير أنَّ ذلك سيحول دون استغلال الأشخاص المُستضعفين ويُساعد أيضًا في استعادة الثقة في شركات الإقراض المتناهي الصغر.

ويختتم التقرير بالقول إنَّ الجهود التنظيمية للقطاع ليست بالأمر الهين، لكن بعض الإجراءات الواضحة تشمل مشاركة أفضل للمعلومات، والتزاماً بالتقييم المناسب لقدرة المقترضين على السداد، والشفافية بشأن الأسعار والرسوم، وآليات التظلم ذات المصداقية المعلن عنها في الحملات الإعلامية. وبالنسبة للحكومات التي تكافح ركودًا عميقًا، قد تبدو مشكلات التمويل المتناهي الصغر عرَضًا جانبيًا، لكن لدى جميع المؤسسات 140 مليون عميل، لذا فإنَّ إعادة تأهيل القطاع إلى وضعه الصحي سيُعزز المكاسب.

تعليق عبر الفيس بوك