لماذا يجب أن نهتم بالتاريخ؟

 

مُحمَّد بن حمد البادي

Mohd.Albadi1@moe.om

رغم ما يحظى به علم التاريخ من اهتمامٍ بالغٍ من كافة الأمم والشعوب؛ باعتباره من أهم المعايير الدالة على تطورها وتحضرها، إلا أننا نحن أمة العرب؛ لا نزال حتى اليوم في دائرة الاتهام؛ بأننا أمة بارعة في البكاء على اللبن المسكوب، وعندما نتباهى بالأمجاد التاريخية التي حقَّقها أسلافنا؛ فإنَّ هذا الأمر يُنظر إليه على أنه يندرجُ تحت باب تحريك المشاعر وإلهاب العواطف والبكاء على الأطلال، أو ربما البحث عن الفردوس المفقود.

ولكنَّ المُتأمل في أحوال الشعوب، يجد أنها أولت اهتماماً بالغاً بهذا العلم، ومنطلق ذلك نظرتها الإيجابية للتاريخ؛ باعتباره دروسًا وخبراتٍ سابقةً وظَّفتها في تخطيطها الناجح للمستقبل.

فدراسة سيرة الحضارات السابقة؛ لمعرفة كيف قامت، وما هيَ عوامل ازدهارها ونهضتها، وما هيَ أسباب دمارها وزوالها؛ تُمكِّننا من الاطلاع على كمٍّ هائلٍ من التجارب، وبذلك نستطيع تحاشى الأخطاء التي وقعت فيها هذه الأمم، ونمضي قُدُماً نحوَ ما أراهُ التاريخ لنا مُناسباً، ونبدأ مسيرة البناء من النقطة التي توقف عندها الآخرون.

ولا شك أنَّ تاريخَ أي بلد يعدُّ علامة فارقة في صناعة حاضره واستشراف رُؤى مُستقبله، كما أنَّه يُمثل إرثاً حضاريًّا تتكئ عليه الأمم في بناء مستقبل مُشرق لأبنائها، وما من أمةٍ من الأمم إلا وتحرص على توثيق تاريخها خلال مختلف الحِقَب التاريخية التي تمر بها صعوداً وهبوطاً، نجاحاً وإخفاقاً.

ولأنَّ لعمان تاريخاً مشرقاً زاهراً مُوغِلاً في القدم، فقد ارتكزت نهضتها الحديثة التي أسسها المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيَّب الله ثراه- على أساسٍ تاريخيٍّ متينٍ، فكان ذلك من الدَّواعي الرئيسية لتضافر الجهود؛ من أجل إبراز وتوثيق التاريخ العُماني، فأنشئت المتاحف، ورُممت القلاع والحصون والأبراج؛ لتكون من أبرز الشواهد على ماضٍ مشرقٍ، ونال المتخصصون في التاريخ دعماً سخيًّا ليكون سنداً لهم في المساهمة في تحقيق الهدف، كما تمت الاستعانة بالخبرات الخارجية، وأُشرِكت كافة وسائل الإعلام المحلية والعالمية في نشر التاريخ العماني على أوسع نطاق، وزُرِع التاريخ في نفوس الطلاب من خلال المناهج الدراسية، وأدخلت التقنية الحديثة والتكنولوجيا في ميدان التعريف به، وأُجرِيت العديد من البحوث والدراسات، وأُصدِرت المزيد من المؤلفات التاريخية والمخطوطات لتوثيق الحاضر منه لكي تستفيد منه أجيال المستقبل.

واتِّباعاً لهذا النهج الراسخ والثابت، الذي تأسَّست عليه نهضة عُمان الحديثة؛ فقد واصل جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مسيرةَ الاهتمام بتاريخ السلطنة؛ حيث سجل نطقاً ساميًّا يكتب بماءٍ من ذهبٍ، حين أدلى -حفظه الله ورعاه- بتصريحٍ ممزوجٍ بمشاعرٍ ملؤها الفخر والاعتزاز بتاريخ عمان عبر الزمان، حيث قال فيه: "لقد كشفت الدراسات والبحوث المسمارية عن تواصلٍ ثقافيٍّ ومراسلاتٍ بين ملوك عمان وملوك الحضارات القديمة، ومن يُبحِر في تاريخ عمان سيجد أنها حَظِيَت بإحدى الرسائل التي وجهها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ملوك وقياصرة تلك الحضارات، ويكفينا عزًّا وفخراً أن تكون عُمان إحدى الحضارات العظيمة التي خاطبها النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا حصرنا مَن هم المخاطبين في ذلك الوقت نجدهم أعظم الملوك والقياصرة، وبالتالي كيان عُمان قديم قدم الزمان".

من هذا المنطلق، يجب علينا توجيه البوصلة نحو الاهتمام بالتاريخ العماني بشكل أعمق، ووضع الرؤى الكفيلة بتسويق هذا الإرث الحضاري عربيًّا وإقليميًّا وعالميًّا؛ والعمل بشكلٍ جادٍّ على توثيقه وتدوينه في مخطوطات خاصة؛ لضمان حفظه من التزييف والتحريف والتبديل والسرقة والضياع، وتضمين المناهج الدراسية كل ما يتعلق بالتاريخ العماني عبر كل الحقب التاريخية؛ لنضمن تعزيز قيم المواطنة في نفوس النشء، ولنخرج جيلاً مفتخراً بوطنيته وهُويته العُمانية، مُعتزاً بماضي أسلافه، ناظراً إلى حاضره، متطلعاً لبناء مستقبلٍ عمانيٍّ مشرقٍ.

ولتحقيقِ هذه الأهداف، لا بد من توحيد كافة الجهود، وتسخير كل الإمكانات والقدرات من أجل إبراز التاريخ المشرف للسلطنة بكل حيادية وموضوعية، والعمل على ربط حاضر السلطنة بماضيها الموغل في القدم، وقياس الغائب منه بالشاهد عليه.