هستيريا الشوارع وثمارها

 

 

غصن بن هلال العبري

عَلَى مَدَى عَقديْن مِنَ الزَّمان، ظهرتْ لنا في العالم العربي حالة من هستيريا الشوارع، وقد أسماها البعض الربيع العربي.

هلَّل لها الكثيرون، وكنتُ أحد المتفائلين في بداية الحالة، إلى أنْ التقيتُ أحد كبار الساسة والمخابرات، ودار حديث بين يديه حول ظاهرة الربيع العربي؛ فقال تقصدون هستيريا الشوارع؟ أجبناه جميعنا بصوت واحد بل الربيع العربي.

فَقَال: ما علامات الربيع؟ أليس اعتدال الطقس وتفتُّح الأزهار ونمو الثمار؟ قُلنا له: ذلك صحيح، فقال: وكم مُدة الربيع؟ قلنا: على أطول حد ثلاثة أشهر وعندنا أقل من شهر. فقال: أعطيكم ثلاثة أشهر على أن تجلبوا لي من ثمار قطفتموها من الربيع العربي.

ابتسم كلٌّ منا ابتسامة صفراء، وربما أن بعضنا خامره في نفسه أن هذا الرجل يريد إحباطنا.

ولأنَّ الرجل ذو حِنكة ودراية، فقد قرأ في وجوهنا ما كانت تحدثنا به نفوسنا، وقال: دعوني أحدثكم بما سيؤول إليه ما يسمونه الربيع العربي، ومن أين تهبُّ رياحه، لا يوجد شيء اسمه الربيع، واذ لم يكن هناك ربيع فوصفه بالعربي هو محض افتراء، هناك رغبة من دول كبيرة في التخلص من حكومات هي في الأصل قد نصَّبتها على تلك الشعوب، ومع الزمن استمدت تلك الحكومات بعض الشرعية من شعوبها بسبب العِشْرَة لا بسبب عظم منجزاتها، ولأن عنجهية الكبار لا تستسيغ أن يكون هناك نظام لا يكون انقياده لهيمنتها، قررت أن تستبدل تلك الأنظمة عن بكرة أبيها، ولأنَّ قبضتها على تلك الأقطار ليست بتلك القوة، لم تجد إلا أن تعيد تجنيد نفر من الفارين إليها، وَاعِدَةً إياهم أنهم سيكونون الزعماء، وأطلقت لهم الأموال لينفقوها على الحانقين والحاقدين في بلدانهم التي تولت هي إكثارهم من خلال إفساد الأنظمة أكثر فأكثر.

وتلك هي منهجية الدول الاستعمارية أنْ يصل الفساد في الحكومات إلى حدِّ أنْ يتمنى الناس أن يحكمهم الشيطان من غير تلك الحكومات.

لذلك؛ لن تجدوا بلادا هبت عليها تلكم الرياح إلا وقد أصبحت دولة فاشلة. كان هذا التوصيف للربيع العربي في أسابيعه الأولى، فكم دولة فاشلة اليوم في عالمنا العربي؟ وكم دولة في طريقها إلى الفشل؟  وما حدث في لبنان الشقيق ليس ببعيد عمَّا يُسمَّى بـ"الربيع العربي" وإن كان بأسلوب جديد؛ أسلوب الهدم أولا لرفع مستوى الغضب؛ فقد يكون ذلك الطريق الأقرب ليصبح لبنان في قائمة الدول الفاشلة؛ فعلى الاخوة اللبنانيين أن يفيقوا من صدمتهم، وأن يوقفوا هستيريا الشوارع، والقول بإسقاط الحكومة ليس هذا وقته، فالحكومة هي الوعاء الذي ستصب فيه المعونات الدولية، وبغير الحكومة لن تستقر الأوضاع، وأنَّى لأحد أن يقدم معونات ومساعدات لبلد لا تحكمه حكومة.

والقول إنَّ الحكومة فاسدة ويجب إسقاطها هي دعوة للفراغ المؤدي إلى مزيد من المماحكات بين الجهويات والأحزاب؛ وذلك مُؤداه الدخول في إنهاء مؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى، وعندها يحلم اللبنانيون بإعادة لبنان المحبة والسلام والرفاه.

تعليق عبر الفيس بوك