كيف يسهم التطوير العقاري في نمو الاقتصاد الوطني؟!

محمد بن عيسى البلوشي

جمعني حديث مطول مع الزميل خالد بن محمد المسني وهو خبير في مجال التنمية الاقتصادية والابتكار، وتناقشنا حول الفرص المتاحة أمام الحكومة لتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال ملف التطوير العقاري، وطرحنا سؤالا جدليا حول نوعية تلك الفرص، وكيف للحكومة بأن تعيد زاوية الاهتمام لتتناسب مع رؤيتها نحو "عمان 2040"؟

وبين جدلية النقاشات في مثل هذه المواضيع التي تحمل أبعادا اقتصادية واجتماعية، إلا أن بعض الرؤى أضحت  أكثر وضوحا.

وزارة الإسكان يعمل فيها 3091 موظفا حسب الكتاب الإحصائي السنوي 2020 الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، منهم 89 وافدا، ويتوزعون على ديوان عام الوزارة في الخوير بمسقط، وأيضا المبنى المستأجر الجديد، ومديريات تشرف على 11 محافظة، فضلا عن دوائر الولايات، ومن هنا يتضح أن هذه الوزارة تشرف على عدد كبير من المهام والخدمات والأنشطة، الأمر الذي يحتم عليها توفير كوادر مؤهلة ومدربة لتقديم تلك الخدمات بالشكل المطلوب، إضافة إلى تطوير البنية المعلوماتية والتقنية لتواكب متطلبات العصر ولتسهيل إجراءات العمل.

ولا يزال هناك مجال واسع لتطوير الخدمات التي تقدمها الحكومة عبر وزارة الإسكان، بما يخدم التطلعات الحالية والمستقبلية للمواطن. ولتحقيق نوع من التوازن والاستقرار على الصعيد الإداري والمالي ولتتمكن الوزارة من الوفاء بكافة المهام والخدمات التي أنشأت من أجلها على أكمل وجه، يمكن هنا تبنى نموذج الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، من خلال قيام الوزارة بمنح تراخيص للأذرع الاستثمارية في الشركات الحكومية العاملة في مجال التطوير العقاري لممارسة بعض الأنشطة التي تقوم بها حاليا، بهدف رفع كفاءة تلك الأنشطة والخدمات وإتاحة المجال لوزارة الاسكان الإشراف على تلك المهام دون تزايد الكلف عليها؛ حيث ستتيح مثل هذه الشراكة المجال أمام الشركات الحكومية لتوسيع أنشطتها وتوفير خدمات ممتازة للمواطنين والمستثمرين.

ومن بين تلك الخدمات والأنشطة خدمات تقسيم الوحدات وإصدار الملكيات ومتابعة شؤون العقارات المباعة وتحصيل الرسوم التي تفرض من قبل الجهات الحكومية، إضافة إلى تثمين الممتلكات وتوزيع الأراضي المخططة من قبل الوزارة، كما بإمكان الشركات الحكومية العاملة في مجال التطوير العقاري التعاقد مع عدد من الشركات الصغيرة والمتوسطة لإنجاز بعض تلك المهام والأنشطة. وعلى هذا النحو ستتمكن وزارة الإسكان من التركيز على التوسع في الحلول السكنية وتطوير التشريعات الخاصة بقطاع العقارات واستحداث خدمات وإجراءات تساهم بالإرتقاء بعمل الوزارة.

وهناك فرصة إضافية جديدة يمكن من خلالها تعزيز إيرادات الاقتصاد الوطني، عبر فرض رسوم سنوية لايجار الأراضي التجارية والصناعية والسياحية، وهنا نشير إلى أن الحكومة قامت بجهود كبيرة في سبيل استكمال منظومة المؤسسات والتشريعات للدولة العصرية، وواكب ذلك نشاط متواصل وحثيث لتوفير المتطلبات والاحتياجات الضرورية لتفعيل منظومة الدولة العصرية.

وتتطلع الحكومة لتوظيف كل تلك الإنجازات لتحفيز الاقتصاد الوطني وتحقيق معدلات نمو تنافسية تضمن الاستقرار المالي لموازنة الدولة، ومن هذا المنطلق قامت الحكومة طوال الفترة الماضية بتمكين المؤسسات وتحفيز القطاع الخاص ورجال الأعمال، من خلال تسهيلات ومنح سخية تقديراً من الحكومة لأهمية دور تلك الكيانات في مسيرة التنمية.

ومع وصول تلك الكيانات إلى مراحل متقدمة من التجهيز واكتمال هيكليتها الإدارية والمالية لمواكبة متطلبات المرحلة، ولرفع كفاءة الأداء للمنظومة الاقتصادية في السلطنة، وجب البحث عن آليات تساهم في تحقيق الاستقرار المالي للموازنة العامة للدولة. وأحد الحلول المبتكرة في هذا المجال يتمثل في فرض رسوم رمزية على الأراضي التجارية والسياحية والصناعية والأراضي التابعة للمنشآت والجهات الحكومية، تكون عبارة عن إيجار سنوي يدفع لخزينة الدولة، ومن المؤمل أن يساهم هذا الإجراء في تعزيز الاستفادة من تلك الأراضي وتحفيز تلك الأطراف والكيانات على الاستفادة القصوى من هذه الأراضي، إلى جانب تحسين آلية الصرف لديها، ناهيك عن احتمالية إعادة بعض المساحات غير المستغلة، والتي يمكن توجيهها لأغراض ذات عائد استثماري مجدي.

لا شك أن بلادنا الغالية شهدت خلال فترات متتالية طفرات في مجال التطوير العقاري في كافة أرجائها، الأمر الذي نتج عنه توسع في المشاريع العمرانية، واكبه تطوير متلاحق من قبل الحكومة؛ حيث أصبح هناك توافر واسع للمساكن بمختلف أنواعها، وبالأخص الوحدات السكنية ضمن المجمعات السكنية المتوسطة والمتعددت الأغراض.. وهنا تبرز أهمية إعادة النظر في قطاع التطوير العقاري والذي يؤثر بشكل مباشر على عدد من القطاعات؛ مثل القطاع المصرفي والقطاع السياحي وقطاع تجارة التجزئة وغيرها من القطاعات التي تساهم في نمو وازدهار الاقتصاد الوطني.