أنيسة الهوتية
كنَّا نسمع من شيابنا –رحمهم الله- أنه في زمن السلطان سعيد بن تيمور –رحمه الله- كان الخروج من المنزل بعد صلاة المغرب يعُد جريمةً يُعاقب عليها بالضرب بالخيزران ما لايقل عن عشرين ضربة، وبالسجن لتلك الليلة والإفراج عنه الصباح التالي، وأن السجن ذلك لم يكن يشمل الماء والطعام والفراش فتفادياً لتلك المذلة كان يتجنب الأغلب الخروج من البيت إلا المصلون والذين يجتمعون للصلاة في مسجد الحارة التي ينتمون لها، ولا يتحركون إليها ومنها فرادى.
وبتلك الطريقة كانت الحكومة المسؤولة آنذاك تتجنب وقوع السرقات، ومُمارسة الفسق والفجور، وغيرها من الأمور التي كانت تتقيها من وجهة نظرها كَكيان مسؤول عن الشعب، ومن جانب الرعية كانت النساء هن الأكثر راحة بال فلم تكن إحداهن تسهر الليالي تفكر متى يرجع زوجها أو ابنها أو ابنتها من السهر!
وأعتقد هذه الراحة الآن تشعر بها كل أم وزوجة مع الحظر الحالي.
وتعمقت التفكير في شيابنا الذين أتذكرهم شخصياً نساءً كانوا أم رجالاً، بأنهم كانوا أقوياء البنية وصحيين، فإنني لم أر أبداً أحدهم نائماً في فراشه لإصابته بحمى أو زكام، أما موضوع الاكتئاب والأمراض النفسية فكانت معدومة وتراهم مشرقين بالسعادة نابضين بالحياة في كل لحظاتهم وإن كانت مُرة، ولم يَكن منهم ذو وزنٍ زائد لربما كان منهم الممتلئ قليلاً ولكن ليس السمين، ولا ضعاف الذاكرة.
ولربما كل ذلك بسبب الهرمونات الإيجابية التي يفرزها الجسم مع برامج الغذاء والنوم الصحي، مثل هرمون الميلاتونين الذي يساعد على ارتفاع نسبة الشعور بالسعادة والتفاؤل، والذي يتكون ويُفرز بشكل مطلق خلال ساعات الليل فقط وتزيد أثناء النوم، والنوم الليلي بدون شك له فوائد كثيرة أخرى غير إفراز هذا الهرمون النادر والذي يعتبر هو ينبوع الشباب الذي لايحتاج إلى بحوث ومختبرات ومكملات غذائية وموازنات مالية وغيرها، بل يحتاج إلى النوم المُبكر والاستيقاظ المبكر فقط لاغير. والفوائد الأخرى للنوم المبكر أنه يحمي الجسم من النوبات، السكتات، الجلطات، والوقاية من الأمراض النفسية، تجديد خلايا الجسم، المحافظة على الرشاقة، تنظيم معدل السكر والضغط، والحفاظ على راحة وصحة العينين، التخلص من السموم المتراكمة في الدم والجسم، تحفيز الدماغ وتنشيطه، تنظيم عملية الأيض وحماية الجهاز الهضمي، عملية إعادة شحن الطاقة للجسم وتقليل الإجهاد المتراكم، تقوية الذاكرة من الزهايمر، وأهم شيء هو تقوية الجهاز المناعي للجسم.
والأخيرة هي الأهم حالياً مع أزمة كورونا وهو قوة الجهاز المناعي للإنسان، فهو خط الدفاع الأول للجسم ضد الأمراض، فالنوم لساعات متكاملة وقت الليل يبني خطاً دفاعياً أقوى ضد الأزمات الصحية التي من الممكن أن يمر بها الإنسان، وكذلك يعزز صحته النفسية والعقلية والتي تشكل مع صحته الجسدية مثلث الاتزان والاستقرار بكل مكوناته الأساسية وهي العقل، النفس، والجسد.
وبثبات هذا المثلث يثبت مثلث الصحة العام وهو برنامج الإنسان اليومي المتخصص في تقسيم وقته بين كمية النوم، كمية الأكل، وكمية الحركة، ومع ثبات مثلث الصحة العام يستقر مثلث الدماغ مابين (الفِكر، الذِهن، العقل) وينتج منه مصوبات التفكير، ويبتعد عن مضللاته، ويتجه إلى منشطات التفكير الإيجابي مبتعداً عن معوقاته، ويعلم أيضاً متى يستخدم خاصية (اللاتفكير) لإراحة العقل والاستمتاع في الوجود الحالي بالموجود الحاضر.
والمثلثات تلك كانت دوائر روتينية لشيابنا ونجحوا في تدويرها.
ومع الحظر المسائي الحالي، أجدني نفسياً أكثر راحة وأتمنى أن نبرمج أنفسنا ونحول المثلثات تلك إلى دوائر روتينية ونقهر إصرار كورونا للبقاء، بتعايشنا الصحي معها.