مسؤولية الأفراد تجاه القانون

ظافر بن عبدالله الحارثي

القانون والإنسان عُنصران لهدف واحد ألا وهو النظام، والذي يعدُّ عاملًا أساسيًّا للاستمرارية والإنتاجية والتقدُّم؛ وإن أهم ما يميز هذه العلاقة هو ضرورة تواجدهما معًا؛ فمن غير العنصر البشري لا يتصور وجود قانون، ومن هذا المنطلق نستنتج احتياجنا له؛ مما يجعل إرادتنا تنصاع لقواعده طواعية.

إن من أهم خصائص القاعدة القانونية أنها تُقوِّم سلوك البشر؛ فهي لا تعتبر قاعدة تقريرية (أي أنها تكتفي بتوقيع الجزاء على المخالف)، بل هي تُسهم في تقويم سلوكهم وتنظيمها، حتى لا ينتج عن تصرفاتنا أي شكل من أشكال الانتهاك والتعدي على حقوق الآخرين. ومع ذلك، تقترن قواعدها مع عنصري الإلزام والعقاب؛ وذلك لضمان فاعليتها، وسد ثغرات التسيُّب والتهرُّب من تطبيقها.

إنَّ النشرَ والإعلانَ من مراحل القانون المهمة والأخيرة لكي يصبح القانون نافذا؛ والتي تحدد من خلالها كذلك موعد العمل بها، ونظرًا للأهمية التي تودعها القوانين في المجتمع حرص المشرع على ضرورة عدم تعذر الجهل بها؛ وذلك بصريح نص المادة الخامسة من قانون الجزاء التي نصت على أنه "لا يعد الجهل بالقانون عذرا"، ومنها تنطلق مسؤولية الأفراد والتي تتمثل في التعرف عليها وإلمام مضمونها، ومن فئتها المخاطبة، وهل تنطبق فيهم تلك الصفات؟ فإنَّ علم القانون علم افتراضي يفترض فيه المشرع حسن سيرة وسلوك الإشخاص، كما يفترض علم الكافة به؛ ولا يتصوَّر أو يُعقل أن يدق المشرع أبوابَ الأفراد كي يعلمنا؛ فطالما تمَّ بَذل العناية اللازمة منه، تبقى مسألة تحقيق غاية العلم علينا نحن، ويستثنى من ذلك بعض الظروف الاستثنائية القاهرة.

علاوة على ذلك؛ هناك الكثير من الجهود الواضحة والملموسة من مختلف الجهات الحكومية والخاصة ومبادرات الأفراد نحو رفد المجتمع بالثقافة القانونية، وبذل الجهود لتوعية الأفراد بمستجداتها وتفسير نصوصها وتسهيل توصيل مضمونها، إلا أنَّ رغم ذلك لا يمكن أن نتجاهل قضية المسؤولية الفردية النابعة من داخل كل فرد فينا؛ والتي تنطلق من مبادرتنا ومن الفضول المعرفي فينا ومن فهمنا الصحيح لجوهرالقانون؛ فالقانون يمدنا بالوعي ويعلمنا القوة ويذكرنا بواجباتنا وما هي حقوقنا.

أُضِيف إلى ذلك أن معرفة القوانين على الأقل ذات العلاقة بمعاملاتنا اليومية والمختصة بمهنتنا؛ يترتب عليها آثار تتمثل في: ثقتنا بما نقوم به، وحرصنا على التعامل بحذر وعدم الوقوع في مخالفات، كما أنَّ من أهم الآثار -من وجهة نظري- معرفة الحقوق، وكيفية المطالبة بها؛ فالحقوق غالبا إنْ كانت مُقرَّرة لا تأتي إلى الأشخاص بيُسر، بل تحتاج جهدًا ومتابعة، وأحيانا يقتضي الأمر أن نسعى لانتزاعه.

تعليق عبر الفيس بوك