أهلا.. بالكاتب الكبير!

 

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

 

"الفضيلة الحقيقية هي الحياة تحت توجيه المنطق"، باروخ سبينوزا.

 

لا أعلم ماهو قياس مستوى الكاتب- أقصد كاتب المقال الصحفي- في مُجتمعنا، لأنه لا توجد مقاييس مُعتمدة أوجهات تقيم الكُتّاب (بضم الكاف) وحتى النُّقاد غير موجودين، اذكر لي اسم ناقد مقالات واحد؟

لا يُوجد نقاد على الساحة يرجع إليهم لنقد وتقييم الأعمال الصحفية (على حد علمي) لذلك تكون مقاييس ومسميات الكاتب الكبير والكاتب العالمي والكاتب المُعجزة وغيرها من المسميات التي لم ينزل الله بها من سلطان مجرد مجاملات لا أكثر!

قبل فترة كنت في أحد الأسواق وصادفت أحد الأصدقاء فإذا هو يُرحب بي بصوت مسموع لجميع من كانوا بالمكان: أهلاً بالكاتب الكبير، واستمر بالمدح حتى شعرت أني جمال عبدالناصر! بالرغم من ثقتي بنفسي إلا أنَّ كلمة الكاتب الكبير "واسعة شوية"، كما يلفظها أهلنا في مصر.

هذا قادني للتفكر في المجاملات التي أرهقت حياتنا الاجتماعية والثقافية، يأتي شخص لم يكتب سوى عدة مقالات وبصحف متفرقة (وممكن جداً هناك من يكتب له!) ويتم نعته بالكاتب الكبير، حتى في المهن الأخرى أحدهم لم يدخل في حياته كلية جامعية في تخصصه المزعوم، ومع هذا يلبس اللبس الخاص بالمهنة ويضع لنفسه لقباً مهنياً وبعدها يتطور الحال ويترقى (هو من يرقي نفسه!) لمسمى مهني رفيع.

المجاملات في المجتمع أحيانًا تعطي فكرة غير سوية عنه، عندنا غالبًا لانسمي الأمور بمُسمياتها، تخيل يأتي أحدهم بشهادة علمية مرموقة يعلم حاملها أنها غير حقيقية ومن يناديه بلقبه العلمي يعلم كذلك أنها غير حقيقية، ومع ذلك القافلة تسير وتجده نهاية المشوار يترشح لمناصب ويصل إلى أعلاها وهو لا فكر لا تفكير لا تفكر ولا رأي مجرد فترينة حاملة شهادة لاتساوي ثمن الحبر الذي كتبت به.

لا أود أن أنكأ الجراح أكثر لكني أتذكر أيضاً قبل سنوات أن أحدهم وهو شخصية شهيرة في مجال ديني كان المُتعارف أن تتم مناداته بلقب علمي عالٍ، وكان يتقبل ذلك بل ويكتب قبل اسمه حرفاً يدل على شهادته العلمية، وكان رعاه الله يقدم الدروس والمواعظ، وبعد ذلك تم اكتشاف أنَّ شهادته العلمية من جامعة لا وجود لها على الإطلاق (جامعة وهمية!) وأنه أخذها من مكتب ترجمة (أي والله) في إحدى العواصم العربية!

أيضاً هناك تساؤل هل الصحف والقنوات الإعلامية عندما تستضيف أحدهم ممن يحمل ظاهرياً مؤهلاً علمياً، هل تسأل عن شهادته وهل هي معترف بها أم من إحدى الدكاكين؟ (كذا جهة إعلامية استضافت أشخاصاً من هذه الشاكلة وتتم مخاطبتهم بالألقاب الكاذبة!)

أن لا تحمل شهادة علمية ليس عيبًا، أساسًا هناك من لا يفك الخط وفي مجالسته تتعلم الكثير من دروس الحياة، وأحيلك إلى مثل شعبي شهير: "اسأل مجرب ولا تسأل طبيبا"، أي أنَّ العيب ليس في عدم الحصول على مؤهل علمي،  بل خداع الناس بلقب غير صحيح، أي أحدثك عن محتال، وللأسف القوانين في كثير من الدول ليست رادعة لمثل هذه الاحتيالات!

تخيل تتفق مع مهندس لبناء بيت العمر ثم تكتشف أنَّ شهادته غير صحيحة، أو طبيب يُعالجك وشهادته ليست صحيحة، أوغير ذلك من الافتراضات، المسألة ليست سهلة بل تتطلب حراكا حقيقيا ليكون ردع ووقف لمثل هذه الممارسات الانتهازية.