علي بن مسعود المعشني
يُمكن التمييز بين مُستويين للأمن الغذائي: مطلق ونسبي؛ فالأمن الغذائي المُطلق يعني إنتاج الغذاء داخل الدولة الواحدة بما يُعادل أو يفوق الطلب المحلي، وهذا المستوى مرادف للاكتفاء الذاتي الكامل ويعرف أيضاً بالأمن الغذائي الذاتي. ومن الواضح أنَّ مثل هذا التحديد المطلق الواسع للأمن الغذائي توجه له انتقادات كثيرة إضافة إلى أنَّه غير واقعي، كما أنه يفوت على الدولة أو القطر المعني إمكانية الاستفادة من التجارة الدولية القائمة على التخصص وتقسيم العمل واستغلال المزايا النسبية.
أما الأمن الغذائي النسبي فيعني قدرة دولة ما أو مجموعة من الدول على توفير السلع والمواد الغذائية كليًا أو جزئيًا. ويعرّف أيضاً بأنَّه قدرة قطر ما أو مجموعة أقطار على توفير احتياجات مجتمعهم أو مجتمعاتهم من السلع الغذائية الأساسية كليا أو جزئيا وضمان الحد الأدنى من تلك الاحتياجات بانتظام.
وبناءً على هذا التعريف السابق فإنَّ مفهوم الأمن الغذائي النسبي لا يعني بالضرورة إنتاج كل الاحتياجات الغذائية الأساسية، بل يقصد به أساسًا توفير المواد اللازمة لتوفير هذه الاحتياجات من خلال منتجات أخرى يتمتع فيها القطر المعني أو الأقطار المعنية بميزة نسبية على الأقطار الأخرى. وبالتالي فإنَّ المفهوم النسبي للأمن الغذائي يعني تأمين الغذاء بالتعاون مع الآخرين. (محمد ولد عبد الدائم/ الجزيرة نت).
ما دفعني للكتابة عن أهمية الأمن الغذائي للبلدان هو الحصار الأمريكي الأخير عبر قانون قيصر لتجويع كلا الشعبين العربيين الشقيقين السوري واللبناني والإضرار المُخل باقتصادات جوارهم الحيوي والمتمثل في الأردن والعراق وإيران.
الاقتصاد لا يعني وفرة المال بل يعني النشاط الاقتصادي الشامل والمتنوع المُدر للمال، فالمال وحده- وكما علمتنا البلطجة الأمريكية- يُمكن الحجر عليه ومصادرته سواءً كان منقولًا أو أصولاً، ولنا في تجربتي إيران وليبيا خير مثال على هذه البلطجة الجلية.
أمريكا اليوم تستخدم الاقتصاد كسلاح بقصد الإضرار بالبلدان ومُحاصرة الشعوب وتجويعها، وفي منطقتنا العربية على وجه الدقة والتحديد يمثل الحصار الاقتصادي الأمريكي لـ سوريا ولبنان امتدادًا للحرب على المُقاومة ومحورها وفي المُقابل كذلك يمثل اللجوء إلى سلاح الاقتصاد الاعتراف صراحة بفشل الخيارات العسكرية والأدوات الأمريكية في المنطقة بإحداث أي شرخ أو إضعاف أو تغيير في جسد المقاومة أو تغيير بوصلتها.
كانت دعوة سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير للشعب اللبناني بضرورة مُواجهة هذا الحصار عبر ثورة شعبية زراعية صناعية تُعيد للبنان مصيره وسيادته وقراره، دعوة صريحة ومُؤثرة وفاعلة، كما نصح الحكومة اللبنانية بضرورة التوجه نحو الشرق (إيران والصين) الحليف والمتعاون مع لبنان دون المساس بسيادته وكرامة شعبه.
ما يحتاجه لبنان وغيره من البلدان التي تتعرض أو قد تتعرض للبلطجة الأمريكية هو تحقيق الأمن الغذائي النسبي والمُتمثل في المنتجات الضرورية للمواطن كالمحاصيل الاستراتيجية (القمح مثلًا) والفواكة والخضار والبقول... إلخ، إضافة إلى توفير الضروري من الصناعات الوطنية البديلة والمُلبية لحاجات النَّاس والتي يمكن توفيرها بتشجيع الحرفيين والصناعيين من مخرجات المعاهد والمؤسسات التعليمية المتخصصة والتي تعج بهم لبنان خصوصًا وأقطار الشام عمومًا.
الأمن الغذائي اليوم لم يعُد من أدوات الاقتصاد للدول فحسب بل سلاحاً ذا حدين، سلاح للهجوم والتأثير على الخصم، وسلاح مضاد لهجوم الخصم بالحصار والتجويع. وفي لحظة تاريخية فارقة قد يستغني الإنسان عن الكثير من أدوات ومظاهر المدنية من وسائل نقل واتصال وتقنية ومقتنيات شخصية لكنه وبكل تأكيد لن يستغني عن الغذاء، خاصة إذا كان هذا الغذاء بطعم الكرامة وإكسير الحياة.
قبل اللقاء.. علينا أن نفهم اليوم وقبل كل شيء، سبب ترويج الغرب الاستعماري لمقولات كاذبة أنطلت على الكثير من النُخب والعامة، وتمثلت في مقولة نُدرة المياه وحروب المياه، والمجاعات حول العالم، فقد تبين للعقلاء اليوم أنَّ نُدرة المياه أكذوبة لمنع الدول والشعوب من الزراعة وتحقيق أمنها الغذائي، فمصادر المياه اليوم لا تُحصى، بينما المجاعات في حقيقتها تجارة رابحة لتسويق المنتج الغربي عبر المنظمات الدولية تحت شعار الإنسانية!!
وبالشكر تدوم النعم..