الإعلام بين التهويل والتهوين

محمد بن حمد البادي

Mohd.Albadi1@moe.om

تطرَّقت صحيفة "نوليدج تايم" العلمية المتخصِّصة إلى التسلسل التاريخي للأوبئة؛ منذ العام 1700 للميلاد حتى اليوم؛ حيث ذكرت الصحيفة أنَّ هناك وباءً يضرب البشرية كل 100 عام، وتحديداً في السنة العشرين من كل قرن.

حيث ضرب الطاعون العالم في العام 1720، والكوليرا في 1820، والإنفلونزا الإسبانية في 1920، وها نحن الآن في العام 2020، نشاهد بأم أعيننا فيروس كورونا يكاد يفتك بكل دول العالم.

ففي العام 1720، كان هناك وباء الطاعون المضاعف، والذي انتشر على نطاق واسع، وأُطلق عليه حينها "طاعون مرسيليا العظيم"؛ حيث تُظهِر السجلات أن البكتيريا قتلت نحو مائة ألف شخص في مرسيليا الفرنسية.

الوباء الثاني الكوليرا كان أول تسجيل له في العام 1820، والذي بدأ من بلدان شرق آسيا، في تايلند وإندونيسيا والفلبين، وتم تسجيل أكثر من مائة ألف حالة وفاة في آسيا لوحدها بسبب هذه البكتيريا.

الوباء الثالث الإنفلونزا الإسبانية ضرب إسبانيا العام 1920، في ذلك الوقت كان الناس يتعاملون مع فيروس إنفلونزا H1N1، الذي شهد طفرة جينية؛ مما جعله أكثر خطورة من الفيروس العادي، وأصاب هذا الفيروس 500 مليون شخص وقتل أكثر من 100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم؛ حيث يعدُّ هذا الوباء الأكثر دموية في التاريخ العلمي المسجل.

الوباء الرابع فيروس كورونا 2020 تزداد ضحاياه كل ساعة في أماكن متفرقة من العالم لتؤكد صحيفة "نوليدج تايم" أن التاريخ يعيد نفسه كل 100 عام.

إنَّ دول العالم بأكملها تخوض الآن -ليل نهار- حرباً ضروساً ضد هذا الوباء، على أمل الانتصار أو القضاء عليه بشكل تام، وهدفها الأسمى هو الخروج بأقل ما يمكن من الخسائر، ومن أجل ذلك سخرت كل مؤسساتها وطاقاتها وإمكاناتها المادية والبشرية.

ووسائل الإعلام بمختلف مسمياتها وألوانها وأشكالها؛ تعتبر عنصرًا مهمًّا في هذه المحنة الكونية؛ حيث تقع على عاتقها مسؤولياتٍ جسامٍ؛ فهي النافذة الرئيسية التي تطل على العالم في مجال التعريف بكيفية انتشار هذا الفيروس؛ ورصد تحركاته وتطوراته؛ وسبل الوقاية منه والتعاطي معه؛ واطلاعنا على آخر مستجدات نتائج أبحاث المختبرات العلمية العالمية؛ في سبيل إيجاد لقاح أو ترياق لمعالجة الوباء؛ أو التخلص منه بشكل نهائي.

إنَّ العالم الذي يعيش اليوم خلف أسوار العزل بسبب هذه الجائحة، بحاجةٍ شديدةٍ إلى إعلامٍ تقوده عقولٌ واعيةٌ، وأخلاقٌ راقيةٌ، وضمائر إنسانيةٌ حية، مع اختيار متقن لمحتوى الرسالة التوعوية؛ من أجل تحقيق الأهداف بكل كفاءة واقتدار، وليس إعلاماً غوغائيًّا -كما نراه جليًّا في معظم وسائل التواصل الاجتماعي- يبث الفوضى والشائعات والخوف والهلع في أوساط المجتمعات.

ومن هذا المنطلق، يجب على وسائل الإعلام التعامل مع هذه الجائحة بمنتهى الحرفية والحيادية والموضوعية في بسط الأحداث، دون تهويل أو تهوين؛ فلا يجب المبالغة في عرض الأحداث التي قد تؤدي إلى نشر الذعر والهلع المفرط بين الشعوب؛ مما قد يتسبب بنتائج عكسية، فربما يتسبب في إسقاط المعنويات إلى الحضيض، وما يصاحب ذلك من شللٍ في التفكير، أو عدم القدرة على اتخاذ القرارات بشكلٍ سليمٍ.

وفي الجانب الآخر، لا ينبغي التعامل مع الحدث بالتهوين الشديد وتبسيط الصورة وعدم أخذها بمحمل الجد، مما قد يؤدي إلى سوء العواقب التي تجر شرًّا للمجتمعات وللبشرية.

يجب على الإعلام خلال هذه الفترة تجاوز مرحلة نشر الإحصائيات اليومية، ليتغلغل في عمق التوعية؛ بأن يمارس دور المعلم، بتوجيه رسائل توعوية للفرد وللأسرة بشكلٍ مباشرٍ، من خلال استضافة متخصصين في هذا المضمار، أو أفراد متعافين من الوباء مروا بتجربة الإصابة به، وكذلك من خلال بث البرامج التثقيفية والمواد الإعلامية؛ مثل الفيديوهات التوعوية؛ أو نشرات الأخبار القصيرة؛ التي تحذر من فيروس كورونا وتحد من انتشاره أو تكاثره، وتبث الحماس في نفوس الشعوب والمجتمعات؛ من أجل التقيد بكافة التدابير الوقائية والاحترازية، وطريقة التعامل مع الوباء بأقصى درجات الحيطة والحذر.

كما تبرز اليوم -وبشكل لافت- الضرورة الملحة لوجود الإعلام الطبي؛ فالمجال الطبي يعج بالقضايا التي تحتاج إلى إلمام بجوانب دقيقة ومتخصصة، ومتى ما أرادت وسائل الإعلام توعية الناس بها لجأت إلى الاستعانة بأطباء متخصصين لتقديم المادة العلمية، غير أن عدم قدرة غالبيتهم على التعامل مع الوسيلة الإعلامية؛ وإفراطهم في استخدام مصطلحات طبية متخصّصة؛ يحول دون وصول الرسالة إلى الجمهور المستهدف رغم دقة المعلومة، وهو ما يتطلب ضرورة أن يكون هناك إعلاميون متخصصون ومؤهلون في هذا المجال.