تصريحات تنغسيري: المدلولات والأخطار (1-3)

 

 

عبيدلي العبيدلي

نشر مكتب "سي.إن.إن" على موقع المحطة الإلكتروني العربي، ترجمة مطولة لتصريحات قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي رضا تنغسيري، التي خص بها صحيفة "صباح صادق" الأسبوعية الإيرانية.

ونظرا للمدلولات الخطيرة التي تحملها هذه التصريحات، وعلى وجه التحديد تلك التي تمس البلدان العربية عموما، والخليجية منها على وجه الخصوص، ننشر نص ما جاء فيها على ذلك الموقع.

قال قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأدميرال علي رضا تنغسيري: "إن بلاده لديها مدن عائمة، وأنظمة صاروخية تحت الأرض بطول الساحل الإيراني، تغطي منطقة الخليج وبحر عُمان. يعرف عدونا أن هناك مُدنًا عائمة تحت الأرض (تابعة) للجيش والحرس الثوري في جميع أنحاء ساحل الخليج، لكن معلوماته ليست دقيقة، يمكنني قول شيء آخر، هو أننا في كل مكان في الخليج وبحر عمان... في البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، كما هي الحال في المجال الجوي. لدينا مدن عائمة تحت الأرض وصواريخ (مُوجهة) من الشاطئ إلى البحر.. وسنعرضها كلما رأى كبارنا (ذلك) مناسبًا... إن إيران شكلت تعبئة بحرية على طول الساحل البالغ طوله 2200 كيلومتر، وذلك بقوة قوامها أكثر من 23 ألف جندي... ساحلنا كله مُسلح، وتم تعزيز جميع مدن الجيش والحرس الثوري تحت الأرض بأنظمة دفاعية مختلفة على جميع السواحل الجنوبية، والساحل مسلح بالكامل... إن طهران تقوم بمتابعة استخباراتية كاملة لمنطقة الخليج، وأن كل سفينة، من بداية دخولها عبر مضيق هرمز حتى خروجها، نحن نعلم بالضبط مكانها، وما تفعله، وهي في مرمانا المباشر... صواريخنا لديها مدى كبير".

قبل تناول ما جاء في تصريحات تنغسيري، ينبغي التأكيد على أنه ليس الوحيد بين المسؤولين الإيرانيين الذي يلجأ إلى مثل هذه الأسلوب، في ظروف معينة، وتحديدا عندما تجد السلطة في إيران نفسها أمام مأزق داخلي، أو حرج دولي خارجي، وهو ما تعيشه طهران اليوم. بل إنها كثيرا ما تجير تفاقم الأوضاع الداخلية لصالح مشروعاتها الخارجية تحت شعارات مختلفة يتصدرها الشعار الديني القائم على الطائفية، كما تؤكده المادة رقم 12 في الدستور الإيراني والمرتبطة بشكل مباشر بهوية الدولة، عندما تنص على أن "‫الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشري، ويبقى هذا المبدأ قائمًا وغير قابل للتغيير إلى الأبد".

فقبل خمس سنوات تقريبا، وتحديدا في يوم 23 نوفمبر 2017، تناقلت وسائل الإعلام، ما جاء في خطاب المرشد الإيراني علي خامنئي مدافعا فيه عن "التدخلات الإيرانية (في الشؤون الداخلية لدول المنطقة معتبرا إياها ممارسة لحق من الحقوق الإيراني، قال فيها إن) "إيران ستكون حاضرة في أي مكان يساعد حضورها على مواجهة الكفر والاستكبار"، مشيرا حينها إلى "الدور الإيراني في العراق وسوريا. ولم تمض ساعات على خطابه حتى أعلن قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، في اعتراف غير مسبوق أن إيران تقدم الدعم الاستشاري لليمن؛ وذلك في إشارة صريحة إلى دور عناصر الحرس الثوري في تدريب وتقديم الأسلحة لجماعات الحوثي المتمردة".

ولكي نضع تصريحات تنغسيري في إطارها الصحيح، تنبغي الإشارة إلى أن إيران تواجه اليوم أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة، ضاعفت من حدتها جائحة كورونا، حيث "وصل سعر صرف الدولار الأمريكي إلى 215 ألف ريال إيراني، وهو تراجع يعد قياسيا بالنسبة للعملة الإيرانية". كما تؤكد الأنباء أن طهران تواجه أيضا "انخفاضًا في احتياطياتها من العملات الأجنبية، وتوقع صندوق النقد الدولي أن تنخفض الاحتياطات من العملات الأجنبية إلى 85 مليار دولار هذا العام مع انخفاض قدره 19.4 مليار دولار، كما توقع صندوق النقد الدولي أن يصل الرقم إلى 69 مليار دولار العام المقبل مع انخفاض إضافي بنسبة 16%".

وتشير التقارير الصادرة عن مراجع رسمية إيرانية إلى أن "العوائد السنوية في البلاد منذ العام 2011 حتى 2019 شهدت انخفاضًا بنسبة 34%، كما أن القوة الشرائية للعوائل انخفضت بنسبة ثلث، مما يزيد الفجوة بين الغني والفقير والفجوة الطبقية أيضًا".

وتناقلتْ وسائل الإعلام ما جاء "في تقرير له في الشهر الماضي (يونيو 2020)"، تكهن فيه صندوق النقد الدولي "أن العوائد النفطية الإيرانية التي كانت تصل قبل عودة العقوبات إلى 60 مليار دولار سنويًا، انخفضت هذا العام حتى أقل من ملياري دولار، بحيث أن المعدل اليومي لتصدير النفط الإيراني انخفض إلى نحو 200 ألف برميل يوميًا طبقًا لتقييم صندوق النقد الدولي، كما أشارت بعض المصادر إلى نسبة أقل من ذلك بخصوص الكمية الحقيقية لبيع النفط الإيراني".

وهناك ما هو أسوأ من ذلك، بالنسبة لتردِّي أوضاع المواطن الإيراني الاقتصادية، حيث اعترف محافظ طهران أنوشيروان محسني بندبي، في يونيو 2020، بتفاقم الفقر في طهران، مناشدا المواطن أنه "لا يجب أن نفكر في خط الفقر الوطني، بل يجب أن نفكر في حجم القوى العاملة الإقليمية، حتى يكون خط الفقر في طهران 4.5 مليون تومان، وفي هذه الأثناء تحتاج ربات الأسر إلى الرعاية والمساعدة الخاصة".

وكان مركز الأبحاث في مجلس الشورى الإيراني قد نوه في تقريره في الآونة الأخيرة إلى "المنحى المتزايد للفقر والزيادة الكبيرة في انعدام المساواة واتساع الفجوة الاجتماعية نتيجة لمعدل التضخم الذي وصل إلى 20 في المئة. كما أدى المنحى التصاعدي لمعامل جيني (مقياس عدم المساواة في توزيع الدخل أو الثروة في المجتمع) الذي يظهر زيادة عدم المساواة وفي الوقت نفسه النمو السلبي والتضخم الاقتصادي في السنوات الأخيرة بدوره إلى الزيادة الملفتة للنظر في حجم الفقر في طهران وغيرها من المناطق في البلاد، وأدى إلى جانب التراجع الكبير في دخل الفرد إلى زيادة معدل الفقر".

ومؤخرا، حذَّر رئيس غرفة تجارة طهران مسعود خوانساري، في تصريح له، من خطر "انهيار الوضع الاقتصادي في إيران خلال 3 أشهر إذا استمر الوضع على هذا النحو، (مشددا على أن) البلاد (إيران) ستواجه شح البضائع والسلع الأساسية في الأسواق خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، في حال استمر الوضع الاقتصادي الإيراني الحالي بهذا الشكل".