ترجمة - رنا عبدالحكيم
قبل 15 أسبوعًا، وَضَع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بلادَه في أشدِّ حالات الإغلاق حول العالم؛ نتيجة لأزمة تفشي فيروس كورونا، وأوضح مودي أنَّ هذه كانت الطريقة الوحيدة لتفادي "نهاية العالم".
ووفقا لتقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، يبدو أن مفهوم البقاء لا يعني سوى البقاء على قيد الحياة وحسب. فبالنسبة لأولئك الذين يستطيعون البقاء، كان الثمن يستحق الدفع. ورغم ذلك، لم تقدم الحكومة الهندية أي مساعدة لمئات الملايين من الناس الذين لم يتمكنوا من الحفاظ على حقهم في البقاء. ومع بدء إعادة فتح القطاعات في الهند، تتكشف كارثة الصحة العامة. فعلى الرغم من استمرار الإغلاق الذي دمر الاقتصاد ودمر سبل عيش الملايين من الهنود، تشير التقديرات إلى أن 1 من كل 4 هنود فقدوا وظائفهم في مارس وأبريل؛ لذا تجد الهند نفسها في أعلى مرتبة بين الدول الأكثر تضررا من الفيروس التاجي. ومع تسجيل أكثر من نصف مليون إصابة، فإن عدد الإصابات المعروفة في الهند لم يتم تجاوزها إلا في البرازيل والولايات المتحدة. وارتفع عدد ضحايا الفيروس مع رفع قيود الإغلاق، لكن الهند لا تزال بعيدة عن ذروة الوباء.
وهذه نتيجة حتمية في بلد يضم بعض المدن الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم؛ حيث يعد استخدام الصابون ترفًا، كما أنَّ التباعد الاجتماعي والعزلة الجسدية ليست سوى امتيازات متاحة فقط لأقلية من السكان. ولا تستطيع الهند أنْ تظل مغلقة بشكل لا نهائي. رغم أن ذلك الإغلاق أخفق في قمع انتشار الفيروس، بل كشف فقط عن فشل الحكومة الهندية في استغلال الوقت الذي يمنحه الإغلاق لزيادة قدرات الهند على التأقلم مع ارتفاع الحالات في مرحلة ما بعد الإغلاق. وفي كل خطوة خلال الأزمة، كان مودي يرتجل الرد على المواقف، وجاء إعلانه عن إغلاق على مستوى الهند في خطاب قصير ألقاه في الساعة الثامنة مساءً يوم 24 مارس، ثم دخل الإغلاق حيز التنفيذ في منتصف الليل!
ويتساءل التقرير: كيف لم يدرك مودي تداعيات إصدار أوامر لنحو 1.3 مليار شخص بالبقاء في منازلهم لمدة 3 أسابيع مع إشعار مسبق مدته أربع ساعات فقط؟
الأكاديمي الهندي براتاب بهانو ميهتا، لاحظ أنَّ التعامل مع الفيروس التاجي في الهند قد مزق الأسطورة القائلة بأن مودي "الوسيلة الوحيدة للمصير الواضح للهند". وقال إن البؤس الذي اجتاح البلاد خلال الأشهر الثلاثة الماضية لا ينفصل عن شخصية رئيس الوزراء الاستبدادية؛ إذ استخدم الوباء لطلب أكثر من مليار دولار من الهنود في صندوق لا رقابة عليه. وأضاف أن مودي خدع الجمهور بإعلانات عن حزم الإغاثة والمحفزات الكبرى التي تبين -بعد فحص دقيق- أنها جزء بسيط مما تعهد به رئيس الوزراء. ويسعى مودي الآن إلى تخفيف الويلات الاجتماعية والاقتصادية التي تفاقمت بسبب سوء إدارته للحظر من خلال خدمة الهنود المصابين بالفيروس.
وتعج مدن الهند الكبرى بقصص مرعبة عن المستشفيات المزدحمة، التي حولت المرضى المصابين بأمراض خطيرة إلى عنابر مزدحمة مكتظة بجثث الموتى، فيما يحاول الأطباء والمسعفون العمل في ظروف لا يمكن استيعابها.
وترى "فورين بوليسي" أنَّ الحكومة الهندية تخلت فعليا عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها، ويبدو أن طاقاتها لا يتم توجيهها لمساعدة أولئك الذين هم في أمس الحاجة لمساعدتها، لكن لإسكات ومعاقبة أولئك الذين يعارضون نظام مودي ويتحدونه.
وتؤكد المجلة الأمريكية أن القمع بات السمة الرئيسية للدولة خلال الوباء، وأن حكومة مودي ارتكزت على هذا الوباء لإضفاء شرعية على المحاولة الوقحة لتكميم الصحافة. فبعد أسبوع من فرض الإغلاق، سعى مودي للحصول على توجيه من المحكمة العليا في الهند يطلب من الصحافة أن تمارس الرقابة الذاتية وتحول نفسها إلى لوحة إعلانات للدعاية الحكومية. ووجهت المحكمة وسائل الإعلام لنشر "الرواية الرسمية" للأحداث إلى جانب التغطية المستقلة.
ومن الواضح أن القوميين الهندوس يكرهون الصحافة الجادة، فقد رفعت الشرطة في جميع أنحاء الهند، قضايا أو فتحت تحقيقات ضد 55 صحفيا على الأقل منذ مارس، وهو أسوأ سجل في أي منظومة ديمقراطية. ويبدو أن طاقات الحكومة يتم توجيهها لإسكات ومعاقبة أولئك الذين يعارضون نظام مودي ويتحدونه.
وكانت الهند تحت حكم مودي قد قطعت بالفعل مسافة كبيرة في اتجاه الاستبداد قبل تفشي الفيروس التاجي. وفضح الوباء أسطورة مودي، فالحالة الأليمة التي تعاني منها الهند اليوم هي نتيجة مباشرة لعدم الكفاءة. ويمكن للديمقراطية السليمة أن تجد السبل الكفيلة للتغلب على عدم الكفاءة التنفيذية، لكن الديمقراطية الهندية مريضة، وهذا المرض، الذي يتجلى في الحرب الثقافية التي تشنها الأجهزة الحكومية على مدى السنوات الست الماضية، حيث وجهت اتهامات إلى المشككين في كفاءة إدارة مودي على اعتبار أنهم "أعداء الوطن". ومن خلال تصعيد تلك الحرب سيسعى مودي إلى تشتيت انتباه الشعب الغاضب أثناء جهود إزالة آثار الدمار الاقتصادي الذي خلفه الوباء. وتختتم المجلة تقريرها بالقول إن الفيروس التاجي كشف عن عيوب مودي المذهلة، وبشكل مأساوي، أوجد الظروف التي تمكنه من تسريع تحويل أكبر ديمقراطية في العالم إلى دولة مستبدة.