"إيكونوميست": مصر والسودان وإثيوبيا في حاجة ماسة لـ"اتفاق عادل".. وعلى الجميع تقديم "تنازلات"

ترجمة - رنا عبدالحكيم

بمُجرَّد اكتماله، سيَكُون سد النهضة الإثيوبي الكبير المقام على النيل الأزرق أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، تقريبًا ضعف طول تمثال الحرية وعرض جسر بروكلين، في حين أن الخزان القابع خلف السد هو تقريبا بحجم مدينة لندن، ليكون بذلك أكبر مشروع للطاقة الكهرومائية في إفريقيا.

ووفقا لتقرير نشرته مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية، فإنَّ السد سرعان ما سينتج 6000 ميجاوات من الكهرباء؛ أي أكثر من ضعف إنتاج إثيوبيا اليوم. ومع القليل من التعاون بين إثيوبيا وجيرانها من دول المصب، مصر والسودان، يمكن أن يكون السد نعمة للمنطقة بأكملها.

ومع ذلك، لم ينتج السد حتى الآن سوى النزاعات؛ إذ ترى مصر، التي تعتمد على مياه النيل في 90% من مياهها العذبة، أن السد يشكل تهديدًا وجوديًا. بينما اتهمت إثيوبيا، الشهر الماضي، مصر برعاية الهجمات السيبرانية لتعطيل المشروع.

وعقدت الدول الثلاث محادثات حول آلية ملء الخزان، وكمية المياه التي سيتم إطلاقها وكيفية حل أي خلافات مستقبلية. وحتى الآن لم يتم التوصل إلى اتفاق، لكن الجولة الأخيرة من المفاوضات تنعقد مع موعد نهائي من نوع ما؛ حيث تقول إثيوبيا إنها ستبدأ في ملء خزان السد في وقت لاحق من يوليو الجاري. وتعهدت مصر باستخدام "كل الوسائل المتاحة" لحماية مصالحها. وسيتعين على جميع الأطراف تقديم تنازلات من أجل تجنب الصراع.

لكن أكبر معضلة هي الثقة، ففي مصر على سبيل المثال، يرى المصريون أن النيل حق لهم، ومع زيادة عدد سكانها انخفضت إمدادات المياه لكل مواطن في مصر. لذلك، تريد القاهرة من أديس أبابا ملء خزانها ببطء، وإطلاق ما يكفي من المياه حتى لا يتم تعطيل تدفق النهر، خاصة خلال فترات الجفاف. وتعتقد مصر أنَّ إثيوبيا قد ماطلت في المحادثات لكسب قوة مساومة مع تقدم البناء. واكتمل بناء السد الآن بنسبة 70%.

وأدى النزاع إلى حالة من العناد في أديس أبابا؛ حيث يسعى الإثيوبيون إلى تحقيق عائد سريع على استثماراتهم البالغة 5 مليارات دولار. ويعتقدون أن مصر "عالقة في الماضي، ومتمسكة بالمعاهدات البالية" التي سمحت لها بالسيطرة على النيل. في حين لا يحصل حوالي نصف الإثيوبيين على الكهرباء لعدم استغلالهم لمواردهم الطبيعية. وتأمل إثيوبيا أن يُخرج السد البلاد من دائرة الفقر. لذلك تقول إنها ستبدأ في ملء الخزان باتفاق أو بدون اتفاق. ويتعرض أبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، لضغوط لاتخاذ موقف متشدد، أملا في إعادة انتخابه العام المقبل، وسط اضطرابات خطيرة تواجه استقرار البلاد.

السودان من جانبه، يدعم المشروع الذي يقع على بعد 20 كيلومترا من حدوده، وسيحصل على بعض الكهرباء الرخيصة من السد. كما أنَّ المزيد من تدفقات المياه التي يمكن التنبؤ بها ستساعد في زراعة المزيد من المحاصيل الغذائية. لكن الخرطوم لا تزال تشعر بالقلق من أن الإطلاقات السيئة للمياه يمكن أن تطغى على سد الروصيرص الخاص بها.

ويقال إن الأطراف الثلاثة توصلت إلى 90% من اتفاق محتمل، وأنه يمكنهم الاتفاق على ما يجب فعله عندما تهطل أمطار كافية، وأيضا حول كيفية إدارة السد عندما لا تهطل الأمطار. وتشعر إثيوبيا أنها اضطرت إلى إدارة خزانها أكثر من اللازم خلال فترات الجفاف. وتريد مصر والسودان التزاما واضحا من إثيوبيا الآن وتفضلان التحكيم الدولي الملزم لتسوية النزاعات.

لكن الآن، تحتاج الدول الثلاث إلى إبرام صفقة، ويجب أن تتعهد إثيوبيا بالسماح بمرور المزيد من المياه خلال فترات الجفاف الطويلة، كما يتعين اللجوء إلى التحكيم الدولي للتعامل مع النزاعات المستقبلية. ويمكن أن تتنازل مصر عن طريق السماح للاتحاد الأفريقي بلعب هذا الدور. ويعتقد المسؤولون في القاهرة أن الاتحاد الإفريقي ينجاز إلى إثيوبيا؛ حيث يوجد مقر الاتحاد الأفريقي، لكن الاتحاد يقود جهودا للتوصل إلى اتفاق يناسب الجميع.

تعليق عبر الفيس بوك