تمتع بصحة نفسية وأعد ترتيب نفسك

 

 

سرى المسقطي

أخصائية الإرشاد النفسي

مؤسسة ومديرة مركز واحة الأمل للإرشاد النفسي

Suraalmuscati@gmail.com

 

قد يتساءل البعضُ منكم هل من المُمكن أن نُربي أنفسنا الآن ونعوض ما لم نحصل عليه في طفولتنا؟

نظرية التربية الوالدية الذاتية من النظريات الحديثة والمهمة جدًا من وجهة نظري، ويُمكن الاستفادة من مكوناتها ومفاهيمها في حياتنا اليومية. لقد وضح العالم النفسي الإنساني كارل روجر في نظريته الذات المتمركزة حول الفرد أنَّ الذات البشرية تتكون من عدة صور هي: الذات الراشدية، الذات المُراهقة، والذات الطفولية.

ويُمكن تعريف التنشئة الوالدية الذاتية بأنَّها وعي الفرد بدوره كأم أو أب ولكن يقدم الحب لنفسه بحيث يظهر ذلك على سلوكه مع نفسه وبالتالي ينعكس على أفراد أسرته. أي أن يعوض الفرد نفسه ما لم يحصل عليه في طفولته من حب وعطف ورعاية واهتمام، أن يملأ فجوة الحاجات التي نشأت لديه نتيجة انشغال والديه بأمور حياتية معقدة كالعلاقات والعمل والمرض.

أؤمن بأنَّك إذا لم تتعافَ من صدمات الطفولة أو تجاربها السلبية، فإنَّ أحداثاً معينة خلال حياتك قد تثير داخلك ذكريات مؤلمة أو سلبية وتسترجع الأحداث الطفولية بتفاصيلها، وقد تكون تلك الذكريات أو التجارب عبارة عن حرمان من الأمن أو الحب غير المشروط أو العاطفة أو التأقلم الذي كنت تحتاجه في فترة الطفولة. فمثلاً حادثة مثل تأخر أحد الوالدين عليك وأنت وحيد في الشارع تنتظر حضوره وتظل وحيدًا لفترة طويلة جداً من الزمن ويتكرر ذلك، بالطبع ستشعرك الحادثة السابقة بأنَّك غير مهم في حياة والديك وغير جدير بحبهم، الحادثة قد تترك أثرًا قوياً عليك تؤثر على مشاعرك وأفكارك وينغرس في داخلك في مرحلة طفولتك أنك غير مهم وغير جدير باهتمام والديك والآخرين. وبالتالي تتولد لديك حاجة الشعور بأهميتك وجدارتك لدى الآخرين.

وقد تقضي أوقاتاً طويلة من عمرك تبحث عن تعويض حاجتك نتيجة النقص في تلبيتها خلال فترة الطفولة من خلال علاقتك مع الآخرين وستسعى أغلب وقتك لإشباعها من الآخرين بدلاً من تحقيق أهدافك وإنجازاتك والاستمتاع بحياتك. لا يُوجد ولا يستطيع أحد أن يعوضك حب أم أو أب فقدته خلال فترة طفولتك إلا نفسك. قد تتعافى في طفولتك بشكل سطحي فلا تعرف الحقائق عن نفسك وقد تتبنى الأساليب السلبية في التعامل مع نفسك والآخرين مما سيُؤثر على علاقتك مع الآخرين والمُقربين لديك كشريك حياتك. والتربية الوالدية الذاتية هي عملية ستُساعدك على التوافق مع أفكارك وأن توفر الدعم النفسي الذي تحتاجه لنفسك.

ولذا فالجزء الأهم من التربية الوالدية الذاتية هو أن تقدم لنفسك العناية التي تُساعدك لإدارة سلوكك وتصرفك بطريقة متوازنة بدلاً من الدوران الفارغ في السلوك والاكتئاب واليأس، فالتربية الوالدية الذاتية ستسمح لك أن تهدئ نفسك في اللحظة الآنية، وتعبر عن حاجاتك وإحباطاتك بطريقة منتجة بدلاً من خلق علاقات فوضوية مع الآخرين. تتضمن التربية الوالدية الذاتية أن تقدم لنفسك الحب والعاطفة والحنان الذي افتقدته في طفولتك، كما تقدمه لأطفالك أو إخوانك أو أخواتك، فمن خلال التربية الذاتية الوالدية لذاتك الطفولية ستشعر بأهمية ذاتك ويُؤثر ذلك على تكوين علاقات فعَّالة مع الآخرين خاصة مع شريك حياتك، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق الاهتمام بنفسك وتقديم العناية لها وعدم إهمالها وتلبية احتياجاتك الفسيولوجية مثل: الحصول على النوم الكافي والاستمتاع بالحياة عند قيامك بروتينك اليومي للعناية بنفسك كالاستحمام وغيره، ومن خلال الحركة البدنية مثل: الرياضة، والقيام بالأنشطة، واللعب.

كما أنَّ كتابة المذكرات اليومية تطور علاقتك مع الذات الطفولية في داخلك، فضلاً عن أنَّ الرسم والتلوين أو الحديث الداخلي مع أنفسنا بلطف في المواقف أو خلال الأحداث المُؤلمة والصعبة والاستفسار من طفلنا الداخلي إلى ما يحتاجه في ذلك الوقت من حنان أو احتضان وتلبيتها كلها هي أساليب تربية والدية ذاتية تساعدنا في تعويض أنفسنا والتمتع بالصحة النفسية، فضلًا عن اختيار التغذية الصحية أثناء الوجبات، وأخذ قسط من الراحة، وقضاء الوقت بأداء ما تحبه من أنشطة أو هوايات أو مشاهدة ما تحبه على التلفاز من برامج، فالاهتمام والرعاية والعناية بنفسك من الأساليب التي تلبي احتياجاتك الفسيولوجية والنفسية. كما أنَّ التأكيد على نقاط القوة التي تمتلكها من معارف ومهارات سيُساعدك على تعزيز ذاتك الداخلية. وتؤكد ريشل أونيل أنَّ من الأساليب المتبعة للتربية الوالدية الذاتية ما يلي: التحدث الإيجابي مع الذات كعبارة "أقدم الخير للآخرين" أو "أحب الآخرين" "أنا مهم وجدير بالاهتمام" فضلًا على تقديم مُكافأة لنفسك يومياً. والقراءة في العلوم والآداب وخاصة الأمثال والعبارات الإيجابية المحفزة، إضافة إلى كتابة قائمة يومية بالأمور المطلوبة منك للعناية بنفسك. وأن تعيش الحاضر وتُعزز ذلك بممارسة اليقظة الذهنية الآنية. والتفكير بذكريات إيجابية لتعيش سعيدا بعيدا عن القلق وبصحة نفسية ممتازة تقوي من المناعة الذاتية لجسمك رغم الظروف الراهنة التي نعيشها مع جائحة كورونا.

تعليق عبر الفيس بوك