"ذي أتلانتك": ضرورة التحرك لدعم الدول المصدرة للخام لتفادي انهيار دولي

العالم لم يبلغ "ذروة النفط".. وصدمة تراجع الأسعار و"كورونا" محاكاة آنية لأحداث مستقبلية

ترجمة - رنا عبدالحكيم

قبل نَحْو شهرين، شهد العالم انهيارًا تاريخيًّا في أسعار النفط؛ حيث أدَّى الإغلاق المرتبط بفيروس كورونا إلى ضعف الطلب العالمي؛ مما دفع أسعار تسليم مايو لمستويات سلبية لفترة وجيزة، لكن انتعشت الأسعار بعد ذلك على نحو متواضع، غير أنَّها لا تزال منخفضة؛ الأمر الذي يؤثر بشدة على البلدان التي تعتمد على صادرات النفط في توفير الإيرادات العامة.

وبحسب مقال كتبه آموس هولشتاين المبعوث الأمريكي السابق لشؤون الطاقة الدولية، على موقع "ذي أتلانتك" الأمريكي، فإنَّ عدم الاستقرار الناجم عن ذلك، على دول الشرق الأوسط وإفريقيا وحتى الأمريكتين، يثير موجة من المخاوف. لكن الأزمة الحالية تكشف أيضًا عن التحديات التي سيواجهها العالم إذا تفاوض على اتفاقية مناخية دون التحرك لتحقيق الاستقرار في أكثر من 12 دولة تعتمد على صادرات النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي.

ففي العراق، على سبيل المثال، تمثل عائدات النفط 90% من دخل ميزانية الحكومة وثلثي اقتصادها. وتسببت أسعار النفط المتراجعة هذا العام بالفعل في تراجع عائدات البلاد إلى النصف. وقبل تفشي كورونا، كان معدل البطالة في العراق يحوم حول 50%، وواجهت بغداد موجة من الاحتجاجات التي قادها الشباب وأدت في نهاية المطاف إلى الإطاحة برئيس الوزراء عادل عبد المهدي. لكن مع تضاؤل ​​الإيرادات، فإن الحكومة الجديدة سوف تتعثر في جهودها لتحسين الظروف الاقتصادية. ومما زاد الطين بلة، أن 30% من العراقيين العاملين يعملون في وظائف الحكومة. ويقدر البنك الدولي أن العراق سيحتاج إلى 58 دولاراً للبرميل فقط للوفاء بالتزاماته المتعلقة بالأجور والمعاشات.

وأوضح هولشتاين أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما -والتي عمل فيها كمبعوث خاص ومنسق لشؤون الطاقة الدولية- سعت لتحقيق أهداف المناخ في باريس في نفس الوقت الذي كانت تستثمر فيه في البنية التحتية للنفط والغاز في العراق. ويضيف: "أدركنا أن الانتقال للاقتصاد الأخضر لا يمكن أن يحدث في حالة التحول الاقتصادي، خاصة في البلدان التي تعتمد اقتصاديًّا على الوقود الأحفوري".

وأضاف أن نيجيريا -أكبر اقتصاد في إفريقيا- تجد نفسها في وضع محفوف بالمخاطر؛ حيث تمثل صادرات النفط أكثر من نصف إيراداتها الحكومية و90% من عائداتها من العملات الأجنبية. ومع ذلك، فإن انخفاض الأسعار يعني أنه يتم تداول النفط النيجيري حاليًا بأسعار أقل. وإذا لم تستطع نيجيريا الصمود في أسواق النفط العالمية، فقد تكون النتيجة كارثية. فماذا سيحدث عندما يختفي نصف الميزانية في بلد يعيش فيه أكثر من 80 مليون شخص على أقل من دولار واحد في اليوم؟

وبحسب صندوق النقد الدولي، فإن الجزائر -والتي تعتمد على عائدات النفط لحوالي 40% من ميزانيتها- ستحتاج إلى أن تصل أسعار النفط إلى 109 دولارات للبرميل من أجل تحقيق التعادل بين الإيرادات والإنفاق. وفي ليبيا؛ حيث يُمثل قطاع البترول 60% من الناتج المحلي الإجمالي، يبلغ سعر التعادل 100 دولار. وفي الوقت نفسه، في الأمريكتين، يمثل النفط ثلث عائدات الضرائب في المكسيك وربع عائدات الإكوادور. وإذا استقرت الأسعار في نطاق 30 إلى 40 دولارًا، فقد تتداعى العواقب تترا، مما يخلق عدم استقرار إقليمي جديدا في أجزاء كثيرة من العالم.

ولعلَّ أكثر ما يثير القلق هو احتمال حدوث أزمة هجرة دولية جديدة، فما يجمع بين الحكومات الضعيفة والكارثة الاقتصادية الواسعة والعنف المتزايد، هو موجة كبيرة من النزوح، والتي يمكن أن تخلق آثاراً غير مباشرة في مختلف الدول. فقد تسببت أزمة الهجرة الكبرى الأخيرة، التي بدأت مع الحرب الأهلية السورية في العام 2011، في ظهور تنظيم داعش، بينما أشعلت في الوقت نفسه موجة من القومية العرقية في الغرب تهدد المؤسسات والتحالفات العالمية اليوم.

ويرى الكاتب أنه من الممكن تجنب تكرار مثل هذه الأحداث في الوقت الراهن، فمع بدء البلدان إعادة فتح اقتصاداتها، قد يتلقى الطلب العالمي على النفط دفعة كافية لدرء أسوأ السيناريوهات. لكن افتراض أن أي مهلة من هذا القبيل ستكون دائمة أمر خاطئ. فصدمة النفط وكورونا ليست أزمة لمرة واحدة؛ إنها بروفة (محاكاة) لما سيحدث في المستقبل.

ويؤكد الكاتب أن العالم، بعد كل ذلك، يخوض تحولا حتميا بعيدًا عن الوقود الأحفوري، ويمكن أن يكون هناك القليل من الشك في أن إستراتيجية فعالة لمواجهة التغير المناخي ستقلل بشكل كبير من الطلب على النفط. وستحدد تفاصيل جهود مكافحة تغير المناخ كيف ومتى سيصل العالم إلى ذروة الاعتماد على النفط وإنتاجه. ويجب أن يكون المجتمع الدولي مستعدًا لإدارة التداعيات في البلدان التي تعتمد على النفط في عائداتها.

ويحث الكاتب على أهمية بدء العمل على رفض النهج المنعزل المتبع حاليا في السياسة العالمية، حيث نادرًا ما يكون مفاوضو المناخ وخبراء الأمن القومي وقادة الأعمال جالسين في نفس غرفة التفاوض، ويتناقشون على طاولة واحدة فيما بينهم. وفي قمة المناخ المقبلة، يتعين أن نفسح المجال لمزيد من المقاعد، بحيث تتضمن الاتفاقية تحالفًا دوليًّا من الحكومات والمؤسسات العالمية التي تعمل على تأمين رؤوس الأموال لعالم نامٍ يعاني من نزيف في الوقت الحالي، كما سنحتاج إلى الاستثمار في هذه الدول ومساعدة اقتصاداتها وحكوماتها على الابتعاد عن اعتمادها على النفط. وفي النهاية، ستحتاج الولايات المتحدة إلى استعادة مكانتها على المسرح العالمي كقائد لهذا التحالف، بدلاً من أن تكون خصمها الرئيسي.

تعليق عبر الفيس بوك