المركز الموحد لامتيازات المواطنين العمانيين

المكرم أحمد بن عبدالله الحسني *

 

تتألق الدول وتزدان كلما صمَّمت لنفسها نموذجاً خاصًّا بها بما تبذله وتقدمه لأبناء شعبها عن طيب خاطر من امتيازات واستحقاقات وطنية متواصلة من المهد إلى اللحد، ونحن في هذا الوطن الكريم نسجُد لله جلّ في عُلاه حمداً وشكراً على كل ما أنعم به علينا من طيب الحياة وعميم الخير والعيش بكرامة وأنفسٍ آمنةٍ محفوظة، نِعَمٌ كثيرة جاهد على رعايتها وتطويرها في كل مرحلة من مسيرة العمل الوطني قادة أبرار، فشكرهم واجب وأعظم وفاء لتضحياتهم أن نضيف إلى إنجازاتهم ونُرِي وطننا من أنفسنا خيراً ونواصل طريق الإزدهار والسلام، فالشكر ترياق دوام النعم عهداً ووعداً من المنعم الكريم قطعه سبحانه وتعالى على ذاته العليَّة "لئن شكرتم لأزيدنكم".

فكل ما هو حقوق عامة ومشاركات شعبية وحريات عامة وخدمات حكومية، وإن كانت في إطار الواجبات الطبيعية لكل دولة تجاه مواطنيها، فهي بالمعايير الأممية امتيازات وطنية يتفاوت تقديمها ومجانيتها بين معظم الدول، وفي بلادنا الغالية -ولله الحمد- الفرد منا مُذ هو جنين في رحم أمه، ثم طفولته، فصحته طوال مراحل عمره وتعليمه بأنواعه وتمكين مهاراته، وتكوين أسرته وتقدمه الاجتماعي ومعيشته وأرزاقه، وملكيته الخاصة وأمنه وأمانه، واحترام خصوصياته ومسكنه، وأساسيات حياته من ماء وكهرباء ووقود واتصالات وتقنيات وتنقل وترفيه وترويح، بل وإلى حين مماته ومستقبل أجياله، جميعها ولله بالغ الشكر رعاية وطنية شاملة "وسيجزي الله الشاكرين".

عديدٌ من الحكومات تبذل الغالي والنفيس لأجل غايةٍ واحدة للفوز بشعبٍ راضٍ كل الرضا عن أدائها، يفتخر بدورها فلا يُعاديها ويتوافق معها فتعمل لصالحه بكل إخلاص، فتسخّر له المزيد من الامتيازات أكثر وأكثر، غير أنَّه وسط معركة جهود التنمية ومواجهة التحديات لا يتم الانتباه لمسألة في غاية الأهمية وهي المظلة الوطنية الموحدة التي تكفل الحصول على هذه الامتيازات بشكل متساوٍ وبفرص متعادلة فينهار لمفعولها التحاسد المطبوع بين البشر، بين من عنده الكثير وبين من ليس عنده حتى بعض القليل، ويتهاوى أمامها التحاقد والتباغض فتحل محل هذه الآفات العافية الاجتماعية وبركة الحياة والتعاملات بين الناس، وهذه هي إحدى أعمق رسائل دين الله الخالد دين الإسلام الحنيف ومنهاج النبوة المحمدية الغراء.

وكلما كانت القوانين والآليات المتبعة تضمن نصًّا وتطبيقاً وقاية وتحصينَ كلا الطرفين المسؤول والمواطن، وتعينهما على التعامل بأقصى درجات الأمانة والثقة، فتُجنّب الأول طبائع البشر المتجذرة من حيث الاستسلام لمطالب المحسوبين من موظفيه وأقربائه، وأصحاب النفوذ لنيل الامتيازات التي ضمن صلاحياته وتعفي الثاني المواطن البسيط من الاضطرار لطَرْق ليس باب واحد، بل أبواب متفرقة، والالتجاء لوسائل غير حسنة للحصول على استحقاق أو خدمة.. هذا التَّصارح هو أول محطة صحيحة على طريق نهضة الأمم والمجتمعات لتكون بكامل عافيتها القانونية وقوة التزامها المعنوية وفق ميزان وطني مُوحَّد يضبط إيقاع الامتيازات والمكرمات والخدمات، فهو ليس تبريراً لأخطاء الآخرين وانتهاكهم للقوانين، إنما هو تطوير ضروري يحفظ الحقوق بصورة عملية أفضل، وانتقال طبيعي لمرحلة جديدة من كفاءة الأداء والعطاء، ويحمي المال العام والصلاحيات من التجاوز الذي يقع قليلاً أو كثيراً طالما استمر تقديم هذه الامتيازات بطرقها التقليدية، وما يشوبها من تدخلات وتأثيرات من قبل الأشخاص. هو نقلةٌ قانونية ستجلب -بإذن الله- مزيدًا من الخير وتساعد على تدعيم ركائز المناعة العامة، فكلما تمَّ تخفيف الصلاحيات المرتبطة بخدمة الناس وامتيازاتهم من سيطرة الأيدي والأقلام والألسن، ونقلها إلى عُهدة الحواسيب والبيانات والأنظمة، عمّ وفاض الإحسان وزاد الأمان.

من هنا، تبرُز أهمية إدارة امتيازات المواطنين من خلال مركز أو نظام وطني موحد؛ كمنظومة ومنصة حكومية جديدة تعمل بنظام الأتمتة، وهو مصطلح علمي تقني يُطلق على أي شيء يعمل ذاتيًّا دون تدخل بشري؛ سواء كان آلة أو نظامًا، ليكون هذا المركز أو النظام في طليعة مكارم العهد الجديد لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لتضع السلطنة لنفسها وشعبها بصمتها الخاصة في المنطقة، ونموذجها الريادي في أداء رسالتها الحضارية ومنجزها التنموي تجاه إنسانها الوفي البسيط الذي يحبها ويحب قيادتها المخلصة روحاً وفؤادا.

هذا المركز سيكون وعاءً منظِّماً ومُقنِّناً لكافة أشكال الامتيازات الوطنية في إطار القوانين التي تتعلق بكل امتياز واستحقاق دون تحمل الدولة أية أعباءٍ إضافية؛ ومن ضمنها كأمثلة للتوضيح (المسكن الملائم؛ حيث يُخيّر النظام المقترح المواطن بين خيار الاقتراع على الأرض السكنية وبين اختيار منزل مناسب ضمن مشروع مجمع عقاري متكامل الخدمات لتنمو في البلد بمرور الزمن المجتمعات الحضرية بصورة أوسع، وتقل بالمقابل العشوائيات، ويترسخ اقتصاد التطوير العقاري بآفاقه الواسعة؛ حيث تعتبر السلطنة من بين الدول المثالية التي تمتلك مقومات الجذب العقاري؛ ثم الأرض الإستثمارية للمواطن لتحسين دخله دون الإعتماد على راتب وظيفته فحسب وفق استعمالها تجارية أو سياحية أو صناعية أو زراعية حسب ميوله وخبراته العائلية والبيئية، وكذلك إقتراح إعانة مالية للمواطن بمسمى منحة الدولة لمرة واحدة كتحسين وضع حسب أولوية الدور الإلكتروني وضوابط الاستحقاق حينما تسمح الظروف المالية للدولة، الإمتيازات الممنوحة لفئات الضمان الإجتماعي والدخل المحدود، تسهيلات القروض الميسّره لأصحاب المهن
والحرف الحره والدعومات حسب الفئات المعتمده، إمتياز التأمين الصحي في مرحله تاليه حسبما تقرره توجهات الحكومه الموقره ،، وامتيازات الطلبة والشباب والأندية الرياضية وجمعيات المرأة، ورواد ورائدات الأعمال، ومزايا بطاقة خدمات المتقاعدين عوناً لهم في المرحلة الجديدة من حياتهم، وامتياز جديد يتعلق بالتفوق الفردي والتميز الوطني والتفاعل الإيجابي مع الدولة؛ في إطار تنافسية المواطنة الصالحة... وغيرها من المزايا وفق الموجود في قوانين مختلف الجهات).

فماذا سيضير لو تم هذا وفق نظام إلكتروني وطني موحد ومتكامل، عِوَضاً عن بقاء تقديم مجمل هذه الامتيازات بما يتقاطع معها من اجتهادات وإحراجات لا تنتهي ولا يرضَى عنها كثيرون، ومن دون ذلك سيستمر الخلل في هذا الجانب والتأثير وعموم الكلام حقاً كان أم باطلاً.. وعُمان تعيد ترتيب هياكلها وتنظيم أجندة أولوياتها الوطنية.

ما من تجربة حكومية مضت فيها جهات الاختصاص في السلطنة فطورتها وحولتها من خدمة عامة وامتياز وطني كان يُدار بطريقه تقليدية، وظل يثير الكثير من الجدل وعدم الرضا إلى منظومة وطنية كنظام القبول الموحد لبعثات التعليم العالي ونظام التوظيف المركزي بالخدمة المدنية، إلا وأراح البلاد والعباد. فكيف كان الوضع قبل هاتين المنظومتين؟ وكيف أصبحا حالياً يعملان بثقة عالية؟ فحجّما ثغرات الفساد الإداري وقللا التكاليف، وصعدا بمعايير جودة الأداء الحكومي، وقضيا على الكثير من السلبيات وتدخلات وتأثيرات الموظفين، بل ربما أديا إلى ما يُعرف بـ"صفر ملاحظات".

وختاما.. إنَّ مبادرة المركز أو النظام الوطني الموحد لامتيازات المواطنين العمانيين ستضيف رصيداً كبيراً لشعبية الحكومة الموقرة، مع أبنائها، وله الكثير من الإيجابيات مالياً ووطنياً، ويبعث برسالة راقية عميقة الدلالة واتقاءً مِن "كي لا يكون دُولةً بين الأغنياء منكم"، ولتكون الجهات المختصة بعيدة كل البعد -بإذن الله تعالى- عن حجة بالغة "فما رعوها حق رعايتها"، والله الموفق لكل خير لتتقدم مسيرة عمان المباركة.

* عضو مجلس الدولة

تعليق عبر الفيس بوك