"كالتي نقضت غزلها من بعد قوة"

 

يعقوب بن محمد الرحبي **

** كاتب وقاص

دعوة إلى كل المُثقفين والأدباء وأصحاب الفكر في وطننا من المُحيط إلى الخليج، لنتريث قليلاً ونرجع إلى الوراء نُقلب صفحات تاريخنا المجيد، كم تغنينا بالوحدة وكم كانت أهدافنا واحدة وآمالنا وطموحنا كشعب واحد؟ أين السوق المشتركة؟ وأين تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بيننا في جميع الميادين؟ لماذا ذهبت تلك الآمال والطموحات إلى مهب الريح؟ نحن كشعب واحد ننتمي إلى عائلة واحدة، ماذا قدَّمنا وكيف ساهمنا للحفاظ على وحدتنا؟ ونحن كالجسد الواحد إذا اختل منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالحمى والسهر، ألم نكُن السبب في توسيع دائرة الخلاف وإيجاد فجوة تعبر من خلالها الفتنة وتأجيج نارها، نقول اليوم للجميع ونخص أصحاب الأقلام مهلًا ورفقًا بأمتكم ووطنكم، كفى فتناً وتشرذماً وفرقة وعداوة بين الأسرة الواحدة، والبيت الواحد بين الأشقاء، نقول لهم قد شمّتم بنا الأعداء، لا خير في خط يخطه قلم ليبث الفرقة والفتنة بين الإخوة الذين تجمعهم قواسم مشتركة وأهمها اللغة والدين، والتاريخ المشترك، دعونا نجعل حدود أوطاننا على الخريطة لا على قلوبنا، حان الوقت كشعوب أن نقول كفى من تشرذم، وذل وهوان، هيا نجعل من أقلامنا تمد طريق التواصل وتسلك سبل الوحدة، هيا بنا نجتمع على الكلمة الطيبة ونستغل قنوات التواصل الاجتماعي وقنوات التلفزة إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً، نحن أمة في رجل ورجل في أمة، يا أبناء الوطن الواحد، إن التاريخ لا يرحم، والأجيال لن تغفر لنا، فقد وضعنا نقطة سوداء على صحائف تاريخنا، إن لم نقضِ عليها فستبقى تلاحقنا إلى الأبد، أيها الشرفاء من أبناء هذه الأمة هناك مُؤامرات ومخططات للنيل من أُمتنا والقضاء على وحدتنا إن كانت هناك بقية من وحدة، ونهب ثرواتنا، هناك مُؤامرة تحاك ضدنا لنبقى رهينة الاستعمار والاحتلال والإذلال، ونستسلم للواقع المرير، إن لم نتدارك ما بقي سوف ننتهي.

يا أبناء أمتنا من الخليج إلى المحيط أو من المحيط إلى الخليج، الفرقة والخصام والفتنة وتبادل الاتهامات لن يصل بنا إلا إلى طريق مسدود لن نستطيع العبورعليه ولا الخروج منه، يقول الله سبحانه وتعالى (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الآية 25 الأنفال، لا تساهموا في نشر الشائعات والتصريحات والمقالات التي من شأنها تفرقنا ولا تجمعنا، تقتلنا ولا تحيينا، يقول الله في كتابه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الآية 6 الحجرات. أيها الأشقاء من المحيط إلى الخليج، إنَّ هويتنا الإسلامية والعربية ستختفي إن لم نُحافظ عليها ونصونها، الشائعات المفبركة للأسف الشديد سببت الفرقة، وزادت من تعقيدها، كثرة الأقلام غير النزيهة والتي لا تدري أنها تدمر مصيرها وهويتها، أيها المفكرون والأدباء والمثقفون، صونوا أقلامكم كي تكون نزية وانتبهوا إلى أفكاركم التى تتعرض لغزو فكري يُهدد أمن أمتكم واستقرارها، اجعلوا من أقلامكم تأخذ بيد أمتنا من براثن الجهل والتخلف إلى نور العلم والمعرفة، وساهموا في تشجيع مجتمعنا للإنتاج والإبداع، اجعلوا من كتاباتكم علامات مضيئة في طريق الوفاق والاتفاق، واعلموا أنَّ المتسببين في هذه الفتن سيكونون في مزبلة التاريخ، وستبقى أُمتنا ترسم معالم مستقبلها، والتاريخ خير شاهد على ذلك.

ومن على هذا المنبر أبعث هذه الرسالة إلى كل غيور على أُمته ووطنه، أدعُ من خلالها إلى أن نقف في وجه كل من يدع إلى الفرقة والفتنة والعبث بمقدرات أُمتنا وأوطاننا، ونقول لهم أمتنا واحدة، نقول لأولئك الذين ينقضون العهد والميثاق كما قال الله لهم (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) الآية 92 النحل.

ونقول لعلماء الدين، اتقوا الله في أُمتنا ولا تجعلوا منابركم سببًا للفتنة والتفرقة فإنَّ الدين عند الله الإسلام، غيروا من خطابكم الديني العقيم ومن فتاويكم التي سببت الفرقة والفتنة، وتفريق شمل الأمة وكسر شوكتها من بعد قوة، لسنا بحاجة إلى خطاباتكم أو محاضراتكم ولا إلى فتاويكم المتحجرة، نحنُ بحاجة إلى دولة مدنية وحضارية راقية ودين مُعتدل مُتسامح يرتقي بالإنسانية من الحضيض ويأخذ بيدها إلى الرقي والتقدم لا إلى التَّخلف والتناحر.

تعليق عبر الفيس بوك