"جارديان" تجيب على سؤال: متى يجب إعادة فتح المدارس؟

الاختبار والتتبع والعزل.. الإستراتيجية الحتمية لإعادة فتح المدارس

ترجمة- رنا عبدالحكيم

شهد عدد من دول العالم جدلاً محتدمًا حول مدى إمكانية فتح المدارس أمام الطلاب خلال المرحلة المُقبلة، وما إذا كان ذلك آمنا في ظل تفشي فيروس كورونا.

لكن تقريرا نشرته صحيفة ذا جارديان البريطانية، يرى أن ذلك ليس السؤال الصحيح الذي يجب طرحه، إذ لن يكون هناك أي خطر في حالة فتح المدارس. وقال التقرير إنِّه في عالم لا يزال فيه كوفيد-19 متفشيًا، فإنَّ الأمر يتعلق بكيفية تقليل هذا الخطر، تمامًا كما نفعل مع أنواع أخرى من المخاطر اليومية، مثل قيادة السيارات أو ركوب الدراجات. وأوضح التقرير أنَّ ما يجب أن نسأله هو ما إذا كانت المدارس نفسها آمنة بما يكفي لإعادة فتحها.

وللإجابة على هذا، بالطبع، يجب أن ترتكز الإجابة على بيانات وأرقام ومعلومات ورصد حقيقي، ويجب أن تكون هذه الأرقام الملموسة الدافع وراء اتخاذ القرار المناسب، وليس فقط مجموعة من الحجج المجردة، فالأمر بات بالضرورة معركة أيديولوجية.

وفي غياب هذه البيانات، لا يزال اقتراح إعادة فتح المدارس في إنجلترا في الأول من يونيو مثيرًا للجدل بين نقابات المعلمين والجمعية الطبية البريطانية والموظفين وأولياء الأمور على حد سواء. وبحسب تقرير الصحيفة فإنِّه يجب إعادة فتح المدارس في أقرب وقت ممكن، لكن يجب أن يشكل ذلك جزءًا من نظام أكبر لاستراتيجيات "الاختبار والتتبع والعزل"، والدعم المناسب والشفافية الكاملة حول المقايضات المعنية وعدم اليقين العلمي الكبير.

ويُحيط عدم اليقين العلمي هذا بسؤالين رئيسيين: الأول هو الدرجة التي يمكن للأطفال من خلالها نقل الفيروس إلى المعلمين والآباء. والثاني هو عدد الأطفال الذين من المحتمل أن يصابوا بمتلازمة التهابية شديدة متعددة الأنظمة بعد عدة أسابيع من التعرض للفيروس التاجي. ووجدت دراسة حديثة نشرتها مجلة "لانسيت" زيادة 30 مرة لدى الأطفال الذين يعانون من هذه الحالة في لومباردي بإيطاليا، وحذَّر فريق البحث من أنَّ الدول الأخرى التي تعاني من تفشي المرض قد تشهد أيضًا ارتفاعًا في الحالات. لكن أعداد الأطفال في البحث كانت صغيرة وتشير الدلائل إلى أنه من المرجح أن تكون المتلازمة غير شائعة، لكن نظرًا لأننا ما زلنا لا نملك بيانات حول عدد الأطفال الذين تعرضوا للفيروس بالضبط، فلا يمكننا إجراء حساب لمدى ندرة تلك المتلازمة بطريقة واقعية.

وأشار التقرير إلى الدنمارك والنرويج وألمانيا ونيوزيلندا التي بدأت في إعادة فتح مدارسها، الأمر الذي يُثير تساؤلات حول السبب الذي يجعل هذه البلدان في وضع يمكنها من القيام بذلك بينما المملكة المتحدة ليست كذلك. ويشير السياسيون الذين يئسوا من الحصول على إجابات إلى دراسة أولية من جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا وجدت أن "الاتصال الوثيق" في المدارس أدى إلى القليل جدًا من انتقال العدوى. ومع ذلك، فإنَّ أحد التحذيرات الرئيسية هو أن البحث تم إجراؤه خلال فترة انخفض فيها الحضور إلى 5%، مما أتاح التباعد الجسدي الحقيقي. إضافة إلى ذلك، ساعد التنفيذ المبكر الواسع النطاق للاختبارات المجتمعية وتتبع الاتصال وعزل شركات النقل في جميع أنحاء البلاد، على إدارة عدد الحالات. وبالتالي، تخفف أستراليا من إغلاقاتها بفضل السيطرة القوية على الفيروس.

والدرس الذي يمكن أن نتعلمه من أستراليا ومن دول أخرى ذات أنظمة فعَّالة مماثلة هو أنَّ المملكة المتحدة تحتاج إلى قمع الفيروس وضمان أن البنية التحتية للصحة العامة جاهزة للكشف عن الإصابات الجديدة وتحديد التجمعات بسرعة.

ونظرًا للصعوبات المتعلقة بالحفاظ على المسافة المادية في المدارس المكتظة، فإنَّ الأمر يتطلب تحديد استراتيجيات مبتكرة تتضمن استخدام مساحات أكبر أو إعادة الدخول على مراحل أو كليهما. ففي الدنمارك، استفادت بعض المدارس من المساحات، مثل إستاد كرة القدم، الذي لا يتم استخدامه حاليًا. وقد تكون هذه أداة مفيدة بشكل خاص في المدن الكبرى ذات المدارس الكبيرة وأحجام الفصول. بينما طلبت ألمانيا من الأطفال الأكبر سنًا أن يعودوا أولاً للدراسة، في حين أعطت نيوزيلندا الأولوية لعودة الأطفال الذين هم من منازل فقيرة، والأطفال الأصغر سنًا الذين يحتاجون إلى إشراف من البالغين أو الطلاب الذين يعانون من صعوبات في التعلم.

ويرى تقرير الصحيفة أنَّ قرار إعطاء الأولوية للتلاميذ الصغار نظراً لأن السنوات الأولى أساسية للحد من التفاوتات التعليمية، أو التركيز على التلاميذ الأكبر سنًا لأنهم أكثر قدرة على اتباع قواعد الإبعاد الجسدي وإجراء الامتحانات والتخرج في المستقبل، هو في الأساس قرار سياسي.

وبالنظر إلى العدد الأكبر من حالات الإصابة بالفيروس التاجي والنقل المجتمعي النشط في المملكة المتحدة، يبدو من الحكمة اتباع نهج محافظ ومدار محليًا لإعادة فتح المدارس. فعلى سبيل المثال، يجب أن يضمن النظام أن معدل الانتقال وعدد الحالات الجديدة اليومية في منطقة معينة أقل من المستوى المحدد قبل إعادة فتح المدارس، وذلك في حالة تطبيق استراتيجية "الاختبار.. التتبع.. العزل"، مع تطبيق التباعد الاجتماعي، وإجراءات النظافة والمراقبة. كما يجب الاتفاق على هذه الشروط بالتشاور مع المُعلمين ورؤساء المدارس ومديريات الصحة العامة وخبراء علم نفس الأطفال وخبراء التعليم.

ويؤكد التقرير أنَّ الدول التي تحركت بسرعة و"سطحت المنحنى" هي تلك التي لم تضطر إلى إغلاق المدارس أو أنها في وضع قوي لإعادة فتحها بسرعة. وفي حين أنَّ عدد الوفيات اليومية بكوفيد-19 يتصدر العناوين الرئيسية، يجب ألا ننسى الأطفال الذين يعانون من الجوع نظرًا لفقدانهم الوجبات المدرسية، وأولئك الذين يعيشون في أسر فقيرة والعجز التعليمي المُتزايد.

وعلى الرغم من بقاء العديد من الأسئلة العلمية واللوجستية دون أجوبة، إلا أنَّ الأمر الواضح هو أنَّ الأطفال، وخاصة الأطفال من خلفيات محرومة، يدفعون حقًا ثمن قرارات الحكومة البريطانية السيئة على مدى الأسابيع الـ12 الماضية.

تعليق عبر الفيس بوك