الإعلان القضائي الإلكتروني

 

فهد بن مالك الكندي

** محامٍ ومستشار قانوني

 

تعمل أغلب الدول العربية ومنها السلطنة بالنظام القضائي المكتوب؛ أي يجب أن تكون إجراءات التقاضي وتقرير الحقوق للأفراد عن طريق قوانين مكتوبة، ونادرا ما يتم اللجوء لقواعد العرف والعادات والاجتهاد القضائي، حيث إنَّ الملاحظ تراجع دور العرف والاجتهادات في التنظيم القضائي أمام ما يُسمى بتقنين القواعد العرفية.

 في نهاية القرن الماضي، استعانت السلطنة بالعديد من القوانين المعمول بها في جمهورية مصر العربية كنواة للتشريعات والقوانين المعمول بها في السلطنة، وذلك مرده أنَّ الغالب الأعم من دارسي القانون والعاملين به تخرجوا في الجامعات المصرية العريقة، كما أنَّ الغالب الأعم من المستشارين والمحامين والعاملين الأجانب في الحقل القانوني في السلطنة من جمهورية مصر، لذا فإنَّ أغلب التشريعات هي من ذات المنبع، وقد استمر الوضع على هذا النحو حيث إنَّ القانون وكذلك التعديلات المستقبلية التي تجرى عليه تستقى من ذات المنبع.

 ويأتي قانون الإجراءات المدنية والتجارية رقم (29/2002) الذي يُعنى بتنظيم كافة إجراءات التقاضي من بداية سير الدعوى وحتى الانتهاء من تنفيذ الحكم الصادر بتقرير حق معين للأفراد أو المؤسسات، كشاهد على ما سبق بيانه من التأثر بقوانين التقاضي في جمهورية مصر.

 وحيث إنَّ قانون الإجراءات المدنية والتجارية هو غاية في الاتساع في الجوانب ذات الصلة بإجراءات التقاضي، فسيقتصر هذا المقال على التنظيم القانوني للإعلانات القضائية لأطراف الدعوى حتى تنعقد الخصومة وكذلك لتبدأ إجراءات التنفيذ بعد صدور الحكم؛ أي حتى تبدأ المحكمة في نظر موضوع الدعوى (المطالبة القضائية للحقوق).

 إنَّ الوضع الحالي يُلزم رافع الدعوى أن يُحدد عنوان المدعى عليه من حيث مقر السكن إن كان فردًا أو مقر الجهة العامة أو الخاصة متى تمتعت بالشخصية الاعتبارية المستقلة، مع وجود بعض الاستثناءات القانونية على هذا الأصل العام، وهنا تكمن الصعوبة للأفراد والجهات في المطالبة بحقوقهم إذ إنهم لا يعلمون في كثير من الأحيان موطن المدعى عليهم.

فأما أن يتم رفض تسجيل دعواهم كأول مرحلة من مراحل التقاضي، أو أن يقوموا بوضع عنوان غير دقيق حتى يتم تسجيل الدعوى، ثم تصل الدعوى في نهاية المطاف إلى الإعلان عن طريق الصحف اليومية وفقاً المادة (11) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية الذي يُعد إعلاناً صحيحًا، ثم تنظر الدعوى ويصدر فيها الحكم ويتم لاحقًا اللجوء لنفس الطريقة للإعلان في الصحف اليومية، في جميع مراحل التقاضي ومنها مرحلة التنفيذ، مع الأخذ في الحسبان أنَّ الصحف اليومية لم تعد تحظى بأيِّ أهمية من حيث المُتابعة بعد مضي ما يقارب عشرين سنة وما واكب ذلك من تطور لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الحديثة.

في الجانب الآخر، سيتضرر المدعى عليه لعدم علمه الفعلي بوجود دعوى قضائية إلى تنفيذ الحكم حتى يتجنب الإجراءات الماسة بحريته وحرية أملاكه، على الرغم من عدم تمكنه من الدفاع عن نفسه أمام القضاء، وفي نهاية المطاف يُعد الإعلان في الصحف المحلية من الناحية القانونية صحيحاً ولا يعتذر لاحقا بعدم قراءة الصحف اليومية والعلم بوجود الدعوى المقامة، حيث إن الإعلام يوجد قرينة قانونية غير قابلة لإثبات العكس على العلم اليقيني به، ولو لم يكن ذلك متحققًا في الواقع.

هذه الإجراءات بدءًا من رفع الدعوى حتى الإعلان في الصحف اليومية تأخذ في أحسن الأحوال بين شهر الى شهرين وأحيانا (3) أشهر لكل مرحلة تقاضي (الابتدائي – استئناف – تنفيذ) خلافًا لوقت نظر موضوع الدعوى.

ومن هنا نقول إن هذه الإجراءات أضحت لا تتوافق مع المبدأ الذي أرساه النظام الأساسي للدولة من التزام الدولة، قدر المستطاع، بتقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا على النحو الوارد في المادة (25)، خصوصا في ظل عدم وضوح نظام العنونة في السلطنة بشكل متكامل، ونعني هنا التزام الأفراد بتحديث عناوين السكن حال الانتقال بالإضافة لعدم وجود نظام عنونة دقيقة في كل المحافظات.

 ومن الأمور السلبية المترتبة على طول إجراءات التقاضي، قيام بعض الأفراد والمؤسسات حال علمهم أو عدم علمهم بالدعاوى المرفوعة ضدهم لاستيفاء حقوق الغير قبلهم، بالتصرف في ممتلكاتهم بهدف منع التنفيذ عليها مستقبلًا أثناء مرحلة التقاضي، وكذلك قد يلجأ الأجانب لمغادرة أراضي السلطنة قبل انعقاد الخصومة ليزيد ذلك من صعوبة تنفيذ الأحكام وهو أمر آخر يحتاج لمعالجة تشريعية.

 ولتجنب ما سبق من سلبيات؛ نقترح ما يسمى الإعلان القضائي الإلكتروني وهو يصلح لهذه الحقبة الزمنية نظرًا لأن جميع الأفراد والمؤسسات يتعاملون على الأقل بنظام إلكتروني واحد للتواصل ومنها على سبيل المثال البريد الإلكتروني ومنصات التواصل الاجتماعي وكذلك أنظمة الاتصالات المعتمدة لما في ذلك من توفير للجهد والوقت والتكلفة على المتقاضين وعلى الجهة المختصة بالتقاضي، كما أن هذا الأمر يتوافق مع توجه الحكومة نحو الحكومة الرقمية وما يشهده العالم من الثورة الصناعية الرابعة التي ينبغي أن تنعكس إيجابًا على إجراءات التقاضي جميعها وعلى الأخص الإعلانات القضائية.

ولكن كيف سيتم تفعيل ذلك ومن أين نبدأ؟

  1. نحتاج أولًا إلى تعديل تشريعي في القوانين باعتماد العنوان الإلكتروني كوسيلة لعلم الشخص بالإجراءات القانونية والقضائية وغيرها حسب نوعية المعاملة محل الإعلان، مع ما يستتبعه ذلك من إعادة تقييم قانون المعاملات الإلكترونية رقم (69/2008) بعد مضي فترة طويلة على إصداره، بحيث يحل العنوان الإلكتروني ووسيلة إيصاله محل النصوص ذات الصلة بمحل الإقامة وسائل إخطار أطراف النزاع.
  2. إلزام كل شخص طبيعي أو اعتباري بأن يكون له عنوان إلكتروني في أنظمة جهات الاختصاص كالأحوال المدنية بشرطة عُمان السلطانية أو أمانة السجل التجاري أو وزارة القوى العاملة أو غيرها من الجهات، بحيث يتاح فيه للجهات والأفراد تقديم طلباتها أو رسائلها عن طريق هذه الوسيلة لما تحققه من علم الشخص اليقيني واختصار الجهد والوقت والفاعلية في التطبيق العملي.
  3. قيام الجهات القضائية باستخدام النظام المشار إليه في البند السابق في ممارسة أي شأن من الشؤون القضائية.
  4. عدم الاعتداد بعدم علم المدعى عليه بالدعوى إطلاقًا لإهماله في تحديث عنوانه الإلكتروني، حيث تتمتع الرسالة المرسلة عبر هذا النظام بقرينة العلم اليقيني بها.

ولا ينال مما سبق أن الكثير من الجهات والمؤسسات والأفراد يتواصلون في وقتنا الحالي عبر العنوان الإلكتروني للسهولة والسرعة، حيث إن الحديث هنا عن اعتماده كنظام مقنن وملزم للجميع وليس اختياريًا لمن يشاء.

فهنا نقول لماذا لا تتميز السلطنة وتنشئ نظامها الخاص دون استيراد أفكار من الخارج قد لا تواكب التطور المنشود وطبيعة المجتمع العُماني.

ولتنفيذ ذلك نحتاج لفكر وإرادة صادقة ولتنفيذه على أرض الواقع ولا يوجد هناك شيء مستحيل سوى إقناع عقولنا بعدم وجود المستحيل والصعب.

 

تعليق عبر الفيس بوك