متعافٍ من الفيروس يكتب: في بيتنا "كورونا"

 

مقال بقلم: (إ. م. ح) *

عندما نقعُ في المرضِ يكون قطار الطبيعة قد خرجَ عن سِكَّته؛ بسببِ فُقدان توازننا الجسدي أو الروحي إن صح التعبير، كما يتغير مسار الطريق الذي يقودنا إلى الصحة؛ حيثُ يتأرجح ميزان الاعتدال، والروح السليمة في الجسمِ السليم.

في نهايةِ آخر يوم عمل قبل إجازة عيد الفطر، كان تفكيرنا مُنصبًّا حول كيفية قضاء الإجازة في ظلِ قرارات اللجنة العُليا، وما هي الأنشطة التي من المُمكنِ أن نُشاركها مع العائلة، فقد كانت الإجازة بسيطة والزيارات مُقتضبة، وتكادُ تكون ممنوعة؛ خوفاً من انتشارِ هذا الوباء.

ذات يوم وأنا أتبضعُ من أحد المحلات التجارية لشراءِ بعض المُستلزمات الخاصة، التقيتُ بعضِ الأخوة الأعزاء صدفة، ولم نكن على علمٍ بما يوجد بين الأمتعة والرفوف رغم التزامنا بشروطِ السلامة كلبسِ الكمام والقفاز، لكنه قدرُ الله الذي لا راد له، فقد قرر فيروس كورونا أن يزورنا عند نهاية آخر يوم من إجازة العيد الرسمية.

الهاتفُ يرنُ، وتبدو نبضات أخي تُسمع قبل صوته، وهو يُبلغني نبأ اشتباه إصابة أخينا الآخر إثرَ ظهور بعض الأعراض، وقد تم -فعلاً- أخذ عينة منه بالمستشفى ويجب علينا الالتزام بالحجر المنزلي.

سارعتُ بالحجرِ المنزلي؛ وما هو إلا يومٌ واحدٌ فقط حتى ظهرت عليَّ أعراض المرض من ارتفاعٍ لدرجةِ الحرارة وثقلٌ كبير في حركةِ بعضِ الأعضاء وخاصة أثناء الصلاة، وأسلمتُ نفسي بأني مُصاب بهذا الفيروس، وتأكد لي الأمر بعد ظهور نتائج فحص أخي وبقية الأخوة الخمسة الذين ظهرت عليهم نفس الأعراض، علاوة على حديث زوجتي بعد يومين من الحجر تُبلغني فيه بوجود بعض الأعراض لديها كالحُمى والاحتقان التي ما فتأت حتى داهمت كافة أفراد العائلة.

ليس سهلاً وصف الشعور الأول، والحياة الجديدة، والمواساة فيما بيننا، وزرع الأمل ومحاولات التغلب على كُلِ لحظة يأس وثغرة شيطان، لقد كانت أول خمسة أيام ثقيلة كالجبال، غيرنا نظام غذائنا؛ إذ تناولنا في معظمه الكركم مع العسل والزنجبيل والقرنفل والماء الفاتر، وتدريجياً بدأ الاحتقان يخف، وأنا هنا لا أصف دواءً لكنني أنقل تعاملنا الواقعي لمواجهة كورونا.

الدواء الطبي كان فقط أقراص "الأمول" لتخفيضِ ارتفاع درجة الحرارة، ثم قللنا من تناول الأقراص رغم وجود الأعراض التي آمنت -بعد رحماتِ ربي علينا- بأنها آيلةٌ للضعف والتقلص والزوال، فكانت المعنويات عالية خاصة بعد الاطمئنان اليومي على صحة الأخوة، الذين كانوا يعيشون بذات النسق والمسار؛ إلا أننا كنا نستشعر ونتوجس خيفة من سلامةِ أمي العزيزة ونتابع حالتها بالاتصالِ اليومي والمستمر.

لقد عُدنا لنقطةِ الصفر؛ الفيروس هذا خالٍ من الإحساس والشعور، زارَ أمي الطيبة البسيطة الحنونة التي تُعاني من الضغط وتتعالج منه؛ فتناسينا إصابتنا وشعور التحسن الذي كسى أبداننا، إنها الأم منارة البيت وشعلة الحياة وبستانها المُثمر، لم يكن شعور إصابتنا يوصف، فكيف نصف شعور إصابة من تحت أقدامها جنة الله؟! وفي خضم ما نكابده، ومع كُلِ ركعة تعظيم لله وسجدة تسبيح لله وأكف دعاء لله، تلقينا نبأ السعادة بخفةِ العوارض على جسد أمي النقي إلا من كحةٍ بسيطة.

اليوم.. أكتبُ بُعيد أربعة عشر يوما من الحجرِ المنزلي، زارنا فيها زائرٌ غير مرغوب، تنقل في تفاصيلِ حياتنا اليومية الدقيقة، بعثرنا ولملمنا، جمع ألمنا ووحدنا كعائلة، ولسنا شاكريه، ولكن نشكرُ الرحمن الرحيم السلام العزيز القدير العظيم العدل، الذي قسم لنا الابتلاء وزاننا بالصبر الجميل، وعلمنا دروسا غيَّبتها غفلاتِنا القاصرة عن فهمِ دنيانا القصيرة الزائلة، وقبل أن أنسى أودُ أن أُسطرُ آيات الشكرِ والتقدير لكُلِ العاملينَ في الحقلِ الطبي على تقديمهِم الخدمة والمُتابعة المُستمرة والتي تكللت بفضل المولى عز وجل بالشفاء.

"اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا"، ونسأل الله أن يرفع هذا البلاء، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين وجميع دول العالم من كل شر، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

 

* المتعافي فضل عدم نشر اسمه

تعليق عبر الفيس بوك