هل الأمر يستحق؟!

 

 

فاطمة عبدالله خليل **

** كاتبة بحرينية

 

في بداية رحلتك في عالم الوعي الإنساني، تستشعر كم أنك وجدت ضالتك في الحياة، وكيف أنَّ الحياة المنسية الكامنة في أعماقك والتي تمضي للبحث عنها في هذه الحياة إنما هي في متناول يدك إن وفقت للشعور بها في العمق وأحسنت توظيف أدواتها. عندما تبدأ القراءة والاطلاع والبحث المُتواصل في مجال الوعي الإنساني تنغمس في رحلة فريدة من نوعها مع الذات، وكأنك تتعرف على نفسك للمرة الأولى، بما في ذلك من مشاعر مُختلطة تتراوح بين الارتباك والدهشة والإعجاب وخيبة الأمل وربما أشياء أخرى كثيرة، ومهما بدت تلك المشاعر أو مهما تكشفت لك حقيقتك وظننت أنها سيئة ذات حين فإنَّ الحقيقة ليست كذلك، ولكنها على الأقل السعي الدؤوب الذي سيُوصلك لا محالة مع كثير من المثابرة والإصرار إلى ذاتك الحقيقية.

يتداول الحديث حول الذات الحقيقية على نحو صادم لوعينا الجمعي وكأننا نعيش في عالم من الزيف، بما يشملنا فيه، فنجد أنفسنا -على اختلاف مستوياتنا الثقافية والاجتماعية والمادية والنفسية والتي تشكل في الظاهر نظرتنا تجاه أنفسنا وعوامل قوتنا الشخصية والنفسية- على نحو مُغاير تماماً لما نحن عليه في أرض الواقع، وقد نكتشف في رحلات صراع مختلفة في الحياة -صراع البقاء – صراع المنافسة – صراع إثبات الذات وغيرها كثير- أننا مدعوون لاستعادة السلام الذي يشكل حقيقة ذواتنا قبل رحلتنا الأرضية التي أنستنا ما نحن عليه بالفعل، وجعلتنا مقيدين داخل أجسادنا ومحبوسين وفق إمكانياتها الضئيلة قياساً بما نملك من أدوات حقيقية قبل دخولنا تلك الأجساد وبعد انعتاقنا منها.

والغريب في الأمر أنَّك تقبل على الولوج في عالم الوعي الإنساني بشغف ولكن سرعان ما تحدث تحولات ضخمة في حياتك على مستويات عدة يأتي في مُقدمتها العامل النفسي، والذي تجده في حالة من اللاتوازن والتقلبات بين الفرح والراحة والسكينة حيناً، وبين الغضب والقلق والألم والتوتر حيناً أخرى، لا يستثنى من ذلك البعد الجسدي المتراوح في تلك الأثناء بين النشاط المُفرط والحماس الكبير للإنجازات العظيمة، وبين الكسل والتراخي والسكون الهائل في رحلة فجائية تستدعيك فيها الذات للغوص في الداخل، هروباً من الواقع الخارجي حيناً، ومحاولةً للاستنارة بتجربة الإصغاء لصوت القلب الخافت فيك حيناً آخر. هذا ناهيك عن ما قد يأخذك إليه السرنديب لتغيير حياتك في جوانب محورية هامة قد تكون صادمة ومُخيبة للآمال في بادئ الأمر.

هنا.. يأتي السؤال.. إذا كان عالم الوعي الإنساني في بداياته يتأرجح بين حياة الأحلام الواعدة وبين خيبات الأمل الواقعية الكبرى، ويتراوح بين الألم واللذة والنشاط والكسل، فهل يستحق الأمر كل هذه التقلبات والمُعاناة والتي من شأنها أن تقلب حياتك كلها رأساً على عقب؟  قد يبدو هذا السؤال ملحاً لدى البعض وجديراً بالمُناقشة، ولربما أقف عليه في وقت لاحق بمزيد من التفصيل، ولكن.. إن كان ما نسعى إليه في عالمنا الإنساني هذا هو اكتشاف ذواتنا الحقيقية المغمورة -والتي أنستنا إياها طبيعة الحياة الدنيا- والوصول إلى الجنة الأرضية قبل الجنة السماوية عبر تلك البوابة، فبرأيي المتواضع؛ لا شك أنَّ الأمر يستحق الكثير.

تعليق عبر الفيس بوك